تعديل الكابيتال كونترول: إسقاط حق المودعين بمقاضاة المصارف اللبنانية
النشرة الدولية –
المدن – عزة الحاج حسن
جملة “يتيمة” وردت في النسخة المعدّلة من اقتراح الكابيتال كونترول الذي أقره مجلس الوزراء يوم أمس الأربعاء، ترِد في المادة الأولى وتنص على أن القانون يهدف إلى “حماية المودعين من خلال الحفاظ بقدر الإمكان على الأصول بالعملات الأجنبية في القطاع المصرفي”، مع ما تحمل عبارة “بقدر الإمكان” من أوجه وتفسيرات، أما باقي المواد التي طرأ عليها تعديلات فتخفي “سلة” من الجرائم بحق المودعين وعموم اللبنانيين.
مخالفات صارخة
اقتراح الكابيتال كونترول بنسخته غير المعدّلة، تضمن عشرات المخالفات والتجاوزات كانت “المدن” قد أوردتها في تقارير سابقة، ولعل أبرزها الصلاحيات المطلقة الممنوحة للجنة الخاصة، ومنع فتح حسابات مصرفية جديدة، وغيرها من الشوائب. لكن الاقتراح بعد تعديله الأخير بلغ بمخالفاته ووقاحته حداً لا يوصف. إذ أورد صراحة في صلب مواده أحكاماً تجرّد المودعين وعموم المواطنين من كل حقوقهم باللجوء إلى القضاء في ملف المصارف، ما يبرر تلقائياً لجوء المودعين والمواطنين المعرّضين للغبن إلى أساليب غير قانونية للمطالبة بحقوقهم. فما معنى أن يُجرّد إنسان من حقه بالمقاضاة؟ وما البديل عن القضاء لتحصيل الحقوق؟
في المادة 12 من الاقتراح المعدّل، يُرجّح قانون الكابيتال كونترول على كل ما عداه من قوانين عامة وخاصة أينما وجدت. كما يسري القانون على جميع الإجراءات القضائية مهما كان نوعها والدعاوى المقدمة أو التي ستقدم بوجه المصارف والمؤسسات المالية أو المنبثقة عنها مهما كانت طبيعة الدعاوى أو مكان تقديمها أو نوعها أو درجاتها والمتعلقة بالسحوبات والتحاويل.
دستور دولة المزرعة
ما ورد في اقتراح الكابيتال كونترول يتجاوز كونه مشروع قانون، على ما توضح الخبيرة القانونية والرئيسة التنفيذية لمؤسسة juriscale سابين الكيك في حديثها إلى “المدن”. فهو ليس مشروع قانون هو مشروع دستور دولة المزرعة. وهو لا يقتصر على قانون كابيتال كونترول، بل يتعداه إلى مشروع دستور في دولة اللا قانون.
في حال إقرار قانون الكابيتال كونترول كما هو في مجلس النواب، فإنه لن يتسنى بعد ذلك للناس الدفاع عن حقوقهم، ولا يمكن حينها منع الجريمة، تقول الكيك. فالنسخة الجديدة من قانون الكابيتال كونترول تلغي الدعاوى القضائية بمفعول رجعي، أي الدعاوى القديمة والجديدة، وتستغرب هكذا نص “في حين أن هناك مبدأ باتفاقية الأمم المتحدة يفيد بعدم رجعية القوانين. وهو مبدأ دولي وليس لبناني، وهو من مبادئ حقوق الإنسان. بمعنى أنه لا يحق لقانون أن يكون بمفعول رجعي باستثناء واحد هو القانون الأرحم. ولا قانون بالعالم يصدر بمفعول رجعي”.
يلغي اقتراح قانون الكابيتال كونترول المعدّل، كل القوانين التي تحمي حقوق المودعين. فهو يعطّل القضاء بشكل صريح. كما يوقف مفعول كل القوانين التي تحمي حقوق المودعين ويحرمهم حق الإدعاء الشخصي. من هنا، تصف الكيك القانون في حال إقراره بأنه يؤسس للجمهورية الثالثة لدولة لبنان المزرعة، جمهورية اللا قانون، جمهورية قانون المصارف.
القانون يستحدث لجنة تختصر كافة القوانين والسلطات. فالكابيتال كونترول ولجنته الخاصة صاحبة الصلاحيات المطلقة، تتفوق على كافة القوانين وحتى على الدستور. وبعد إقرار هكذا قانون لا يمكن الحديث حينها عن حقوق المودعين. وليس هذا فحسب، فقرارات اللجنة الخاصة بالقانون نهائية ومبرمة وغير قابلة لأي طريق من طرق الطعن، بما فيها العقوبات التي تقررها. كما أن المجلس المركزي لمصرف لبنان يقرر ما إذا كان ضرورياً تحريك الدعوى العامة في حال المخالفة. بمعنى آخر، القانون المذكور يجرّد الإنسان في لبنان من حق اللجوء إلى القضاء. وبالتالي، كمن يقول له اقتل لتسترد حقك. وتلفت الكيك إلى أن قانون الكابيتال كونترول الجديد يكبّل الناس ويمنعهم من حق الادعاء السابق واللاحق، وينتزع منهم كل الأدوات القانونية والمجتمعية.
تعديلات شكلية
ولم تقتصر التعديلات باقتراح قانون الكابيتال كونترول تلك المرتبطة بحماية الناس من حقهم باللجوء إلى القضاء، بل تضمن تعديلات شكلية، كاستبعاد وزير الاقتصاد من اللجنة التي تتولى الإشراف على تطبيق القانون، والإشارة إلى تعيين اقتصاديين وقاض ليكونوا من ضمن أعضاء اللجنة. كما تم تقليص مدة القانون من 5 سنوات إلى سنتين قابلة للتجديد.
وبعيداً عن التجاوزات الواردة في صلب اقتراح الكابيتال كونترول، فإنه يبقى في سياق غير صحيح، باعتبار أن إقراره يأتي في ظل غياب توحيد لسعر الصرف وغياب الموازنة العامة وأي وجه من أوجه الإصلاح. من هنا، لا يمكن اعتبار إقرار الكابيتال كونترول سوى عملية قفز فوق الأزمة والتعامي عنها.