تقنية الهولوغرام تعيد مجد فنانين رحلوا عن عالمنا
النشرة الدولية –
العرب – حنان مبروك –
يبتكر العلماء العديد من التقنيات لأهداف علمية بحتة، لكنّ تطويع بعض التقنيات الحديثة منها نادرا ما يكون له إسهام كبير في الحركة الثقافية فيحدث فيها طفرة جمالية وتقنية لم تكن ممكنة في السابق، فبعض التقنيات ومن بينها الهولوغرام جعلت المزج بين ماضي الفنون بما يحمله من حضارات وممارسات فنية وأسماء خلّدها التاريخ، وبين الحاضر الذي يبدو مختلفا تماما عنه، أمرا ممكنا يثير فضول المشاهد ويحمي التراث من الزوال.
“الحنين مسامرة الغائب للغائب والتفات البعيد إلى البعيد”، بهذه الكلمات اختصر الشاعر الفلسطيني محمود درويش معنى الحنين، فالكثير من الناس تباغتهم دوما حالة من الحنين لرؤية أشخاص افتقدوهم أو حتى حضور حفلة لأحد المطربين الراحلين، وبينما كانت هذه الأمنية مستحيلة في السابق صارت منذ نحو سنتين ممكنة بفضل تقنية الهولوغرام للتصوير ثلاثي الأبعاد التي فتحت الباب لتحقيق هذه الأمنية افتراضيا، فرأينا فنانين رحلوا عن عالمنا يقيمون حفلات على أكبر المسارح العربية.
وبفضل هذه التقنية الحديثة في عالم المؤثرات البصرية أحيت أم كلثوم طوال العامين الماضيين حفلات على خشبة المسرح في دار الأوبرا المصرية وفي المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. ثم عاد عبدالحليم حافظ ليطل على الجمهور في حفلتين بمصر شهدتا إقبالا جماهيريا واسعا وسط مطالبات بإحياء عروض مماثلة لنجوم الفن العربي الراحلين، ورأى البعض أن هذا النوع من الحفلات سيمكن من إثراء الحياة الثقافية في مصر.
وكان آخر استخدام للهولوغرام في حفل “جوي أوواردز” الذي انتظم الأسبوع الماضي في السعودية ضمن مهرجان موسم الرياض.
وفي حفل مخصص لتوزيع جوائز الترفيه، غنت الفنانة اللبنانية إليسا مع الراحلة داليدا على مسرح الرشيد في العاصمة السعودية الرياض، أمام عشرات من نخبة الفنانين العرب والأجانب.
وبدا المشهد العام مثيرا جدا للحضور والمشاهدين على حدّ السواء، رغم تضارب الآراء حوله، فداليدا واقفة بشموخها وابتسامتها، تؤدي حركاتها الجسدية المألوفة في كليباتها ولقاءاتها المصوّرة وهي تغني “حلوة يا بلدي” كأنها لم تمت أو أنها بعثت من جديد.
وفيما كانت إليسا تغني وتتحرك على مسرح الرشيد واقعيا، كانت داليدا تقف افتراضيا في منتصف المسرح، وهي تارة تتجه نحو الجمهور وتارة أخرى تتجه نحو الفنانة اللبنانية، وتتشاركان أداء الأغنية نفسها.
وتباينت آراء مستخدمي مواقع التواصل فمنهم من رأى أنه كان يجب تخصيص فقرة هولوغرام كاملة للفنانة المصرية الراحلة مثلما حدث سابقًا مع أم كلثوم وعبدالحليم حافظ، بينما رأى آخرون أنها أغنية داليدا عن مصر ولم يتقبلوا فكرة تقديمها بتلك الطريقة.
وداليدا، اسمها الكامل يولاندا كريستينا جيجليوتي ولدت في السابع عشر من يناير 1933 وتوفيت في الثالث من مايو 1987 وهي فنانة ومغنية إيطالية – مصرية، ولدت في شبرا لأبوين من المهاجرين وتعود أصولهما إلى جزيرة كالابريا في جنوب إيطاليا. وعرفت الفنانة بغنائها باللغة العربية والإيطالية والعبرية.
وغنت داليدا “حلوة يا بلدي” لأول مرة في العام 1979، وهي من كلمات الشاعر مروان سعادة، وحققت الأغنية نجاحاً كبيراً بين الجمهور المصري الذي لا يزال يرددها إلى الآن. ربما يكون أغلب الحاضرين في مسرح الرشيد إن لم يكن كلهم لم يحضروا حفلا سابقا للفنانة قبل رحيلها.
ولا تستخدم تقنية الهولوغرام فقط في المجال الموسيقي، بل صارت تلعب دوراً محورياً في إبراز أهمية المعروضات في المتاحف والأماكن الأثرية في العالم كله، وذلك عن طريق تطويع مميزاتها للحفاظ على تراث الفن التشكيلي من لوحات ومنحوتات شديدة القدم بهدف حماية التراث الفني المهدّد بالانقراض وتسجيله للأجيال القادمة.
وخارج جغرافيا العالم العربي، اُستخدمت تقنية الهولوغرام من قبل لتجسيد ظهور شخصيات شهيرة في أماكن مختلفة، منهم المغنيان الراحلان مايكل جاكسون وإلفيس بريسلي. فكيف تمكن هذه التقنية الحديثة من استحضار فنانين أموات لتجعلهم شبه أحياء يطرب الجمهور لسماعهم ومشاهدتهم والتقاط الصور في حفلاتهم؟
رغم أن اكتشاف الجمهور العربي لتقنية الهولوغرام كان مع مهرجانات وأحداث فنية بالأساس إلا أنها تستخدم في العديد من المجالات
هي تقنية تسمح بإنشاء صور ثلاثية الأبعاد باستخدام أشعة الليزر، بحيث تطفو الصورة في الهواء كمجسم هلامي فيه طيف من الألوان ليتجسد على الشكل المراد عرضه، وذلك باستخدام جهاز ليزر، ومقسم للأشعة، وعدسات ومرايا، إضافة إلى فيلم هولوغرافي.
ويعود ابتكار هذه التقنية إلى عام 1947 على يد عالم الفيزياء المجري دينيس غابور، وكان حينها يبحث عن حل لمحاولة تحسين قوة تكبير الميكروسكوب الإلكتروني بهدف إنشاء مجسم ثلاثي الأبعاد، لكن أدت قلة موارد الضوء المتاحة في ذلك الوقت، بعد أن كانت أحادية اللون، إلى تأخير ظهور التصوير التجسيمي إلى ما بعد ظهور الليزر.
ولم تظهر أول صورة هولوغرامية إلا عام 1962 على يد العالمين إميت ليث وجوريس أوباتنيكس من جامعة ميشيغان الأميركية اللذين صنعا مجسمات هولوغرامية لقطار لعبة وعدد من الطيور. وتوالت بعد ذلك التطبيقات، حتى ظهر أول هولوغرام لصورة إنسان عام 1967.
وفي عام 1971 حصل دينيس غابور على جائزة نوبل في الفيزياء عن العمل الذي قام به في أربعينات القرن الماضي.
ورغم أن اكتشاف الجمهور العربي لتقنية الهولوغرام كان مع مهرجانات وأحداث فنية بالأساس إلا أنها تستخدم في العديد من المجالات، مثل مجال الطيران لرسم صورة ذات أبعاد واقعية للمنخفضات الجوية، ومجال الفيزياء لقياس الجرعات الإشعاعية، إلى جانب العديد من الاستخدامات لتقنية اخترعت قديما، وتنبئ بطفرة في عالم البصريات عامة.