الفلسطينيون ومحاولات إسرائيل لاختراق الاتحاد الأفريقي
بقلم: د. سنية الحسيني
النشرة الدولية –
طالما كانت أفريقيا أو القارة السمراء، ممثلة بمعظم دولها، ملاذ الفلسطينيين وساحتهم الآمنة والداعمة لقضيتهم، تماماً كما كان يشكل العرب والجامعة العربية ذلك. مئات القرارات التي صدرت عن الجمعية العامة، والتي تنتصر للحق الفلسطيني، جاءت بتأييد صلب متواصل من قبل تلك الدول الأفريقية. طوال تلك العقود الماضية، خلقت قرارات الجمعية العامة المنصفة للحق الفلسطيني، في إطار حرب الفلسطينيين العادلة لمواجهة الاحتلال الإسرائيلي، حالة من التوازن السياسي للفلسطينيين في الأمم المتحدة، في مواجهة المماطلة الأميركية واستخدام «الفيتو» لإحباط إصدار مثل هذه القرارات من قبل مجلس الأمن. وتعي إسرائيل تماماً هذه الأهمية السياسية الخاصة للقارة السمراء، ناهيك عن أهميتها الاستراتيجية والاقتصادية لإسرائيل، ما يفسر بداية مساعيها الدؤوبة لاختراقها منذ الإعلان عن نشأتها، مروراً بنسج علاقات مع معظم دول القارة، ووصولاً إلى مساعيها للانضمام إلى عضوية الاتحاد الأفريقي.
ليس من الواضح بالضبط حدود الانتصار الذي حصده الفلسطينيون في قمة الاتحاد الأفريقي الأخيرة قبل أيام، وذلك بالاتفاق بالإجماع على تأجيل المناقشة والتصويت على تعليق عضوية إسرائيل في المنظمة إلى اجتماع القمة التالي في العام القادم. ويبدو أن الانقسام الحاد بين دول الاتحاد حول إسرائيل، كان وراء ذلك التأجيل، على الرغم من صدور تقرير «أمنستي» الأخير، والذي يتهم إسرائيل صراحة بارتكابها جريمة الفصل العنصري. قد يكون من المهم، الآن، للفلسطينيين مراجعة التطورات التي حققتها إسرائيل في اختراق القارة الأفريقية، والتي أوصلتها لعتبة الاتحاد الأفريقي، والبحث عن حلول لتقويض ذلك الاختراق المهم خلال هذا العام، لأن وجود إسرائيل في الاتحاد سيفتح الباب أمامها لتحقيق مزيد من النجاح بالتوغل والتقرب أكثر مع دول هذه القارة الصديقة.
قد يكون من المهم ملاحظة أن قبول إسرائيل كعضو مراقب في الاتحاد الأفريقي، والذي جاء في شهر تموز الماضي، لم يخضع لعملية تبليغ الأعضاء، حسب الأصول، والتي منحت فترة ٤٥ يوماً للرد على طلب العضوية، إذ كان يعني اعتراض أي من هؤلاء الأعضاء على ذلك الطلب، العودة للتصويت والذي كان يحتاج لموافقة ثلثي أعضاء الاتحاد. ويبرر موسى فكي رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي قبوله المنفرد لإسرائيل دون العودة لأعضاء الاتحاد، وجود ٤٦ دولة من دوله تقيم علاقات سياسية مع إسرائيل، أي ما يتخطى موافقة الثلثين بكثير. وبصرف النظر عن مدى الصحة الإجرائية لقبول إسرائيل عضوا في الاتحاد، من الواضح أن إسرائيل لم تضمن بعد ثلثي الأصوات لصالحها في المنظمة، سواء كان ذلك عندما تقدمت للعضوية في شهر تموز الماضي أو عندما تم الإعلان قبل أيام عن تأجيل التصويت على تجميد عضويتها إلى العام القادم، وإلا لكانت اختارت وشددت لنيل عضويتها على الآلية المعتمدة، كما أن ذلك الاستنتاج يفسر قلقها خلال اليومين الماضيين من إمكانية إخضاع قرار تعليق قبولها في المنظمة للتصويت.
وعلى الرغم من أن عاماً كاملاً قد يفتح الباب لإسرائيل للتأثير والضغط على مزيد من الدول الأفريقية للتصويت لصالحها في القمة القادمة، إلا أنه يعتبر أيضاً فرصة مهمة للفلسطينيين. ويمتلك الفلسطينيون علاقات مميزة وتعاطفا كبيرا مع العديد من دول القارة السمراء، فناهيك عن وجود عشر دول عربية أفريقية، بما فيها مصر بثقلها السياسي، والجزائر التي تقف بكل جوارحها مع الفلسطينيين، هناك العديد من الدول الأفريقية التي طالما تعاطفت مع القضية الفلسطينية، على رأسها جنوب أفريقيا ذات الثقل والمكانة السياسية المرموقة بين دول القارة. ولولا تدخل هذه الدول وعلى رأسها الجزائر وجنوب أفريقيا والعديد من الدول الصديقة أيضاً، والتي يقيم بعضها علاقات سياسية مع إسرائيل، لما أعيد فتح ملف عضوية إسرائيل في الاتحاد. إن تلك المواقف المهمة من دول القارة تعطي دفعة قوية للدبلوماسية الفلسطينية للعمل بجدية عالية لترسيخ العلاقات مع الدول الصديقة وتطوير العلاقات مع الدول الأخرى من جهة، وفضح إسرائيل وممارساتها المنفرة لجميع دول القارة من جهة أخرى.
من الصعب إنكار الاختراقات التي نجحت إسرائيل في تحقيقها، خصوصاً خلال السنوات القليلة الماضية، عندما تولى بنيامين نتنياهو رئاسة الوزراء في إسرائيل للمرة الثانية العام ٢٠٠٩، فعمل طوال عمر حكومته على ترسيخ علاقة بلاده بالدول الأفريقية، مستخدما كل الأدوات الممكنة بدءاً من الزيارات الرسمية إلى العديد من دول القارة في نهج غير مألوف، والمساومة باستخدام الحوافز الأميركية، وتقديم حوافز ودعم اقتصادي وعسكري وأمني وتقني، حسب الأولوية لإسرائيل وتقييم احتياجات تلك الدول. وجاء وعي إسرائيل بأهمية القارة الأفريقية مبكراً، عندما شكلت عبئاً حقيقياً تصدى لإسرائيل كدولة احتلال خلال عهد الخمسينيات من القرن الماضي، بإلهام من مصر، وترجم بوضوح في مؤتمر باندونغ في اندونيسيا العام ١٩٥٥ الذي تحالفت خلاله دول آسيا وأفريقيا ورفضت دعوة إسرائيل ألي المؤتمر على أساس أنها دولة احتلال استعمارية. وتطور الموقف الأفريقي الصلب في مواجهة إسرائيل بعد حربي العام ١٩٦٧ و١٩٧٣، حيث تم الاعتماد على قرار منظمة الوحدة الأفريقية الذي صدر العام ١٩٧٥، واعتبر إسرائيل دولة عنصرية في إصدار قرار الجمعية العامة الشهير رقم ٣٣٧٩ والذي صدر في نفس العام، وحمل ذات المحتوى، وألغي العام ١٩٩١.
عادة ما كانت إسرائيل تتربص لاستغلال أي ثغرة تسمح لها بالنفاذ إلى داخل القارة السمراء، فبعد الإعلان عن قيام إسرائيل وحتى انعقاد مؤتمر باندونغ، نجحت في تدشين علاقات دبلوماسية مع أكثر من نصف دول القارة، إلا أن ذلك العدد انخفض إلى أقل من أصابع اليد الواحدة بعد حربي العام ١٩٦٧ و١٩٧٣. عادت إسرائيل ورفعت عدد الدول التي أقامت علاقات دبلوماسية معها مرة أخرى، خلال ثمانينيات القرن الماضي، أي بعد توقيع مصر لاتفاقية السلام مع إسرائيل. وتطورت تلك العلاقات الإسرائيلية الأفريقية في أعقاب انهيار الاتحاد السوفيتي، وسقوط الأنظمة الأفريقية التي تحالفت معه، وكذلك في أعقاب توقيع الفلسطينيين لاتفاقية أوسلو مع الإسرائيليين. وقد تكون إسرائيل في طريقها لجني مزيد من المكاسب في ظل تحقيقها لاختراقات جديدة في إطار معاهدات التطبيع التي تسعى لتوقيعها خصوصاً مع الدول العربية.
هناك عاملان من الضروري وضعهما بعين الاعتبار للالتفاف على اختراق إسرائيل للقارة الأفريقية، ووقف تمددها السياسي والدبلوماسي فيها. يتعلق العامل الأول بضرورة تعامل الفلسطينيين لوقف عمليات التطبيع الإسرائيلية العربية، ومنع تمددها، فالقرار العربي الموحد الداعم للقضية الفلسطينية، يعتبر ضرورة لتطويق مؤامرات إسرائيل عموماً ضد الفلسطينيين في أي مكان في العالم، وله خصوصية خاصة في القارة الأفريقية التي تضم ٦٠% من العرب، ناهيك عن وجود ٣ دول أخرى غير عربية هي تشاد وأثيوبيا وأريتريا تعتبر اللغة العربية إحدى لغاتها. ويتعلق العامل الثاني بضرورة حسم الموقف الفلسطيني في علاقتها مع إسرائيل، فمن غير المقبول أن تجني إسرائيل إيجابيات توقيعها اتفاق سلام مع الفلسطينيين مع دول العالم، وفي نفس الوقت تمارس الاحتلال والإرهاب بحق الفلسطينيين.