“حزب الله” يواصل الكشف عن خبايا خطّته لتدمير النّظام اللبناني
بقلم: فارس خشان
النشرة الدولية –
لم تعد تصح على “حزب الله” صفة “المقاومة”، فهو ينشط في كلّ مكان إلّا في الأمكنة التي يقال إنّها “محتلة”، فلا نشاط له يُذكر لا في القسم اللبناني من بلدة الغجر ولا في مزارع شبعا التي يفرض القرار 1680 ترسيمها وسائر النقاط الحدودية التي تحتاج الى ترسيم بين لبنان وسوريا.
إنّ تعريف مصطلح “المقاومة” واضح لا يحتمل أيّ التباس، فهو يعني مواجهة شعبية في أرض محتلّة من أجل تحريرها.
وهذا المصطلح لم يعد ينطبق، بأيّ صورة من الصور، على “حزب الله” الذي تحوّل، وفق ما يزعمه من أدوار عسكرية لبنانية، إلى قوة دفاعية تُنافس الوظيفة الدستورية المناطة حصراً بالجيش اللبناني المدعوم من قوات “يونيفيل”.
ويُبيّن واقع الحال أنّ “حزب الله”، متستّراً بمصطلح “المقاومة”، يلعب أدواراً عسكرية خارج الحدود اللبنانية، وتحديداً حيث يطلب منه “الحرس الثوري الإيراني” أن يفعل، كما أنّه، مستفيداً من التفوّق الذي تمنحه إيّاه قوّته العسكرية، يعمل بلا هوادة، على تغيير طبيعة النظام اللبناني وبنيته وأسسه ليُصبح جزءاً من محور تتحكّم به “الجمهورية الإسلامية في إيران”.
وهذه حقيقة لم تعد دول كثيرة تقبل أن تتعامل معها، وهذا ما أظهرته “الورقة الخليجية – العربية – الدولية” التي سلّمها للمسؤولين اللبنانيين وزير الخارجية الكويتي أحمد ناصر المحمد الصباح، في حين أنّ السلطات اللبنانية، حتى لو شاءت، تخشى مواجهتها لأنّ “حزب الله”، وفق ما أظهره سابقاً، مستعد لأن يذهب الى أقصى حدود التصدّي، ليحمي قوّته بالعنف المفرط والترهيب الدموي، وهذا ما أخفته الأسباب الموجبة التي تضمّنها الرد اللبناني على “الورقة” الذي حمله وزير الخارجية اللبناني عبد الله بو حبيب الى الاجتماع التشاوري لوزراء الخارجية العرب، أوّل من أمس.
وينتهج “حزب الله” في هذا السياق، للرد على ما يتسبّب به من مآس بحق الشعب اللبناني، استراتيجية “مش فارقة معاي”، ولو ستّرها، بين الحين والآخر، بحملة دعائية كبرى من شأنها أن تضخّم بعض المساعدات التي يهرّبها إلى لبنان و”يحصّنها” ضد الموجبات المترتّبة عليها للخزينة اللبنانية، كما هي عليها الحال في ما يسمّيه “استيراد” مادة المازوت من إيران.
آخر صيحات استراتيجية “مش فارقة معاي” تمثّلت في الموقف الأخير الذي أطلقه، أمس، رئيس “كتلة الوفاء للمقاومة” النائب محمّد رعد الذي “استلطف” الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون “وداعة ابتساماته”، في زيارتيه المتتاليتين للبنان، بعيد انفجار مرفأ بيروت الذي يكاد يختفي عن قائمة التحقيقات، بإرادة “حزب الله” نفسه.
إذاً، آخر صيحات هذه الاستراتيجية ظهّرها رعد في كلمة له، خلال اعتلائه منبر “تأبيني”، حيث قال: “إذا أرادوا هدم النظام المصرفي في لبنان فليهدّموه، فهذا النظام لم نصنعه نحن، بل صنعته إرادات خارجية وراقبته وزارة الخزانة الأميركية، بحيث لا يدخل فلس إلى مصرف من مصارفنا إلا برقابة وزارة المال الأميركي”.
نطق رعد بهذا الكلام الخطر، من دون أن يرف له جفن، لأنّ قوله هذا ليس غريباً عن نهج “حزب الله” وأهدافه، فقبل إفلاس لبنان ووقوعه في الجحيم، دُعي “حزب الله” إلى إدخال تعديلات بسيطة على سلوكه النافر، رحمة بمستقبل البلاد ومصير العباد، ولكنّه بدل أن يفعل ذلك وضع محمّد رعد نفسه على منبر “تأبيني” آخر، ليشنّ أعنف هجوم على النظام اللبناني، كاشفاً، بذلك، عن المخطط المضمر الهادف الى تهديمه، بحيث قال في ذاك الثاني عشر من تشرين الثاني (نوفمبر) 2013: “كان لبنان مكان عقد صفقات وكان ساحة للملاهي الليلية وللسمسرات، لكننا الآن نريد أن نخلق لبنان الجديد الذي ينسجم مع وجود مقاومة”.
وليس سراً أنّ “حزب الله”، عشية ثورة 17 تشرين الأول (أكتوبر) 2019، كان يعمل، بلا هوادة، ضد النظام المصرفي اللبناني، بعدما رفعت الولايات المتحدة الأميركية من وتيرة مكافحتها استغلاله في توفير تمويل “حزب الله”.
وهذا السبب بالتحديد، جعل البعض ينسب انطلاقة ثورة 17 تشرين الأول 2019 إلى “حزب الله” قبل أن يعود ويُفقده الشعب اللبناني السيطرة عليها.
إنّ الموقف الأخير لـ”حزب الله” من خلال النائب محمّد رعد الذي يتزامن هذه المرّة مع ضغوط، تقودها دول مجلس التعاون الخليجي من أجل إخراج لبنان من “أزمته مع نفسه”، يحمل في طيّاته استهانة خطرة للغاية بالأسس التي يقوم عليها النظام اللبناني، ذلك أنّ القطاع المصرفي، كان حتى الأمس القريب، أحد أهم أعمدة الاقتصاد الوطني، واعتبر كثيرون أنّه هدف إسرائيلي دائم، نظراً لقدرته التنافسية العالية، ويؤكد جميع علماء الاقتصاد، بمن فيهم معارضو الليبرالية، أن لا مجال لقيامة لبنان مجدّداً من دون قيامة قطاعه المصرفي.
وقد اجتهد اللبنانيون من أجل تقوية هذا النظام وترسيخه، وعملوا، برعاية الراحل ريمون إده، على عملقته، من خلال تحصينه بقانون السريّة المصرفية.
وليس النظام المصرفي اللبناني وحده من تعرّض ويتعرّض لضغوط أميركية وأوروبية، في إطار مساعي مكافحة تمويل الإرهاب وتبييض الأموال، بل كل الأنظمة المصرفية في العالم تتعرّض لهذه الضغوط، ولائحة المصارف العالمية التي واجهت عقوبات قاسية أطول من أن يستوعب تعدادها هذا المقال.
ولكنّ الفارق بين لبنان والدول الأخرى أنّ في لبنان حزباً يحمل عقيدة مستوردة، ويعمل لمصلحة أجندة خارجية، ويحمي نفسه بالسلاح والعبوات الناسفة، يريد فرض إرادته المدمّرة للنظام اللبناني ومقوّماته فرضاً.
إنّ النظام المصرفي اللبناني عانى، في السنوات الأخيرة، من شوائب كثيرة، بفعل تواطئه مع النظام اللبناني الذي أضعفه “حزب الله” والفاسدون الذين استدعاهم الى مؤازرته، ولكنّ كلام محمّد رعد خطر للغاية، لأنّه يعبّر عن جزئية من مخطط كبير يهدف الى تدمير نهائي لقطاعات لبنان الحيوية، وفصله عن بعده المالي والاقتصادي الاستراتيجي المتمثّل في تفاعله مع دول مجلس التعاون الخليجي، وإبعاده عن بعده الثقافي التاريخي، “حتى ينسجم مع وجود المقاومة” التي لم تعد، هي الأخرى، بأيّ شكل من الأشكال، مقاومة بقدر ما أصبحت مقامرة بما تبقى من خبز و… أمل.