بارزاني بين مشروع الانفصال وحكومة الأغلبية
بقلم: حسن فحص
هل يحمل المكون الكردي مسؤولية تفكيك البيت الشيعي؟
النشرة الدولية –
تكاد الأوساط السياسية العراقية وغير العراقية تُجمع على الدور المحوري الذي يلعبه زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود بارزاني في المشهد السياسي في هذا البلد، خصوصاً في نسج التحالفات قبل الانتخابات البرلمانية المبكرة وبعدها، وهي التحالفات التي يبدو أنها استطاعت طبع المشهد السياسي العراقي بخاتمها والإمساك بمفاصله وبالاتجاهات المحتملة لما يمكن أن تكون عليه الأمور.
وقد يكون من حق القسم الأكبر من الكرد، خصوصاً جمهور الحزب الديمقراطي، التغني بوصف الزعيم بارزاني بأنه “بيضة القبان” في الحياة السياسية والتوازن بين المكونات الحزبية والمذهبية والقومية والدينية، وبأنه استطاع أن يكون نقطة التقاء بين الجميع مع القدرة على عقد التسويات، ما كرسه زعيماً عراقياً يتجاوز دوره حدود الإقليم الكردي وسلطته الفيدرالية إلى عقر دار الحكومة الاتحادية ومفاصلها والشكل والطابع الذي قد ترسو عليه مواقع القرار في الرئاسات الثلاث: الجمهورية والبرلمانية والوزارية. إضافة إلى أنه بات الشخصية الأكثر نفوذاً وقدرة على ترجيح طرف على آخر، ليس داخل المكون الكردي فحسب، بل في المكونات الأخرى.
ويبدو أن الرجل قد قطع شوطاً كبيراً في الإمساك بمصير أي مبادرة تسوية بين الأطراف المتنازعة أو المختلفة داخل المكونات الأخرى. فالمبادرات التي قام بها قبل الانتخابات البرلمانية وبعدها أظهرت قدرة هذا الرجل على اقتناص اللحظة المناسبة لإطلاق مبادراته السياسية، إن كان لجهة إدراكه الحاجة الداخلية أو الإحساس بارتفاع منسوب الانزعاج لدى العواصم المعنية بالمشهد العراقي واتجاهاته.
ويمكن القول إن الزعيم الكردي قد قرأ المشهد الإقليمي المحيط ومواقف الدول المعنية بالساحة العراقية وتطوراتها بدقة، واستطاع توظيف ذلك في سياق تعزيز موقعه داخل المعادلات الداخلية العراقية. وهنا، يمكن التوقف عند الدور الذي لعبه بارزاني بعيداً من الأنظار في إنتاج تحالف كشف عن نفسه بعد الانتخابات البرلمانية مع التيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر، وتكتل “تقدم” بقيادة محمد الحلبوسي وضم تكتل “عزم” بقيادة الخنجر. ما شكّل صدمة للقوى والتكتلات والأحزاب الأخرى من مختلف المكونات، وجعلها تعيد حساباتها السياسية وتدخل في دوامة التصدي لمخرجات هذا التحالف الطامح إلى الإمساك بمفاصل جميع الاستحقاقات الدستورية في إطار تحالف أغلبية سياسية وطنية.
المحطة الأبرز في مسار الدور الذي يلعبه بارزاني كانت قدرته على تفكيك رهانات الإطار التنسيقي، الشريك الآخر للتيار الصدري داخل المكون الشيعي، في نسج تحالف مع تكتل “عزم” بقيادة الخنجر، وقطع الطريق عليه -أي الإطار- لتشكيل كتلة كبيرة إن لم تكن قادرة على المنافسة فإنها قد تكون قادرة على التعطيل، خصوصاً إذا ما استطاعت أن تضم الاتحاد الوطني الكردستاني بقيادة بافل طالباني الذي يمثل الجناح الثاني في المكون الكردي.
بارزاني وبمساعدة عوامل إقليمية عدة قد تكون تركية حسب الاتهامات التي صدرت عن قيادات في الإطار التنسيقي، لم يستطع أن يبعد أو يخرج الخنجر من دائرة رهانات الإطار التنسيقي على التحالف معه فحسب، بل جعله يتخلى عن محاذيره وأن يذهب بإشراف مباشر من الزعيم الكردي إلى عقد تحالف مع خصمه اللدود داخل المكون السني محمد الحلبوسي ويبايعه مرشح إجماع وحيداً لرئاسة البرلمان، كترجمة أولى لمخرجات التحالف الثلاثي مع الصدر.
وبعد أن رست سفينة التحالف الثلاثي الذي نسجه بارزاني مع الصدر وثنائي الحلبوسي الخنجر في أولى محطاتها، واستطاعت انتزاع رئاسة البرلمان ونائبيه لصالحها، فقد رفعت مرساتها وأبحرت في اتجاه المحطة الثانية لقطف موقع رئاسة الجمهورية من خلال الدفع بـ”الخال” هوشيار زيباري مرشحاً لـ”الديمقراطي” في وجه مرشح “الاتحاد” برهم صالح، من دون الأخذ في الاعتبار ما قد ينتج عن هذا الخيار من أنواء قد تعصف بالبيت الكردي وتهدد وحدته الداخلية. وذلك من دون إسقاط إمكانية التوصل إلى توافق في منتصف الطريق على مرشح تسوية بين الطرفين في اللحظات الأخيرة، تقوم على سحب كل منهما مرشحه والدفع بعضو اللجنة السياسية لحزب الاتحاد عبد اللطيف رشيد، الذي قدم أوراق ترشحه عن الاتحاد إلى جانب صالح.
قد تكون عملية انتخاب رئيس الجمهورية التحدي الأبرز لبارزاني، لكونها قد تحدد مصير البيت الكردي، فإما تدفع به نحو الانقسام وما فيه من تداعيات على وحدة الإقليم وموقعه في المعادلة الاتحادية، وإما تعيد التفاهم بين الجناحين وتقاسم الحصة على مبدأ النسبية أو التبادلية، وبالتالي تمهد الطريق أمام فتح مسار اختيار الشخصية التي ستكلف بتشكيل الحكومة الجديدة.
التحدي الذي تفرضه عملية اختيار رئيس الوزراء الجديد وما لها من أثر في العملية السياسية ومستقبل الأطراف وحجمها ودورها في المرحلة المقبلة، والمسؤولية التي تقع على عاتق الطرف الذي يتحمل الجزء الأكبر من مهمة اختيار هذا الموقع، هو ما دفع الزعيم الكردي بارزاني إلى التعامل الإيجابي مع النصيحة الإيرانية التي حملها له قائد قوة القدس الجنرال إسماعيل قاآني إلى أربيل. تلك النصيحة التي إن كانت تحمل خريطة طريق لحل أزمة البيت الشيعي بين التيار والإطار، إلا أنها في بعدها السياسي تحمل بارزاني المسؤولية الأولى والكبرى في تحديد مصير البيت الشيعي، انقساماً أو تفاهماً. بالتالي، قد يكون عليه التعامل مع التداعيات السلبية في حال ذهاب الأمور بين الطرفين إلى التباعد والتصادم، خصوصاً التفرد بأحد الأطراف الشيعية على حساب وحدة البيت، في الوقت الذي عمل بكل ما يملك من تأثير ودور على توحيد البيت السني، في حين أن المصلحة الكردية العليا تفرض على المتنافسين -الديمقراطي والاتحاد- منع الوصول إلى التصادم.
وعلى الرغم من تأكيد جميع الأطراف الداخلية من مختلف المكونات السياسية والعرقية والمذهبية، وكذلك الأطراف الإقليمية، حرصها على استقرار العراق ورفض أي اضطراب أمني، فإن ذاكرة استفتاء 2017 الكردية ما زالت حية لدى قيادات الإقليم وما نتج عنها من تداعيات أجلت وتكاد تكون أبعدت الحلم الكردي في دولة مستقلة. والخوف من إمكانية تكرار هذه التجربة في معركة الاستحقاقات الدستورية، خصوصاً في رئاسة الوزراء، وأن يحمل المكون الكردي مسؤولية تفكيك البيت الشيعي المفكك وتعميق الشرخ بين أقطابه.