تعثر الكهرباء.. بين “قيصر “و”فياض”
النشرة الدولية –
لبنان 24 –
تحشد باريس جهودها من أجل تسهيل إبرام نقل الغاز من مصر والكهرباء من الأردن الى لبنان ، معلنة انها ستبقي التزامها القوي تجاه لبنان من أجل النهوض بقطاع الطاقة، ليس فقط عبر مواكبة الإصلاحات الضرورية، بل أيضاً من خلال عمل الشركات الفرنسية كشركة كهرباء فرنسا (EDF) وتوتال إنيرجي (TotalEnergies) ونيكسان بحسب بيان السفارة الفرنسية.
وتجدر الإشارة إلى أن اتفاقية استجرار الكهرباء من الأردن وُقِّعَت مطلع العام 2022، وتنص على تأمين نحو 150 ميغاواط تغذية كهرباء رئيسية من منتصف الليل حتى السادسة صباحاً و250 ميغاوات خلال بقية أوقات النهار. كلفة هذا الاستجرار 200 مليون دولار. وبعد نحو 5 أشهر على التوقيع مع الأردن، وقّع لبنان مع مصر اتفاقية استجرار الغاز 650 مليون متر مكعب من الغاز، تقتطع سوريا منها 8 بالمئة لأن الغاز سيمرّ من أراضيها. وتنتج الكمية الواصلة إلى لبنان 400 ميغاواط.
ومع ذلك ، فإن مصر ما زالت تسعى للحصول على تأكيدات باستثنائها من العقوبات الغربية المفروضة على سوريا ( قانون قيصر )، لتبدأ تصدير الغاز من مصر عبر الأردن وسوريا إلى لبنان، مع الاشارة الى ان الاجتماع الثلاثي الذي كان مقرراً بين السفيرة الأميركية في بيروت دوروثي شيا ووزير الطاقة وليد فياض وممثلين عن البنك الدولي، لمتابعة البحث في استجرار الغاز المصري والكهرباء الأردنية إلى لبنان، الغي بعد عدم موافقة الاميركيين على منح إستثناء للبنان من العقوبات وقانون قيصر المفروضين على سوريا، غير ان الفريق البنك الدولي طلب من فياض خلال لقائهما تعيين استشاري لإعداد برنامج من أجل خفض كلفة الخسائر في قطاع الكهرباء بشكل مشابه لما أنجزه البنك الدولي في الأردن أخيراً، وتبنى تمويل جزء منه.
ورغم ذلك ، يتحرك السفير المكلَّف بتنسيق الدعم الدولي للبنان بيار دوكان بين الدول المعنية لمساعدة لبنان على استجرار الكهرباء من الأردن والغاز من مصر ، وسيتوجه في الساعات المقبلة إلى الولايات المتحدة الأميركية للبحث مع المسؤولين الأميركيين “السّبل الآيلة إلى تحييد ملف الكهرباء عن عقوبات قانون قيصر، بما يتيح مساعدة لبنان في حلّ أزمة الطاقة”، ذلك أن الولايات المتحدة الأميركية وبحسب ما أبلغ دوكان لرئيس الحكومة نجيب ميقاتي لا يمكنها تجاهل مرور الكهرباء والغاز عبر سوريا إلى لبنان، فيما هي تفرض عقوبات على النظام السوري.
الا ان تحييد لبنان عن “عقوبات قيصر”لا يكفي، فالمشروع يحتاج الى تمويل من البنك الدولي، الذي يشترط على لبنان إنجاز الاصلاحات المطلوبة في قطاع الكهرباء والمتصلة بالتدقيق في حسابات كهرباء لبنان وتشكيل الهيئة الناظمة للقطاع.
هذه الشروط لم تنفذ بعد، فتشكيل الهيئة الناظمة دونه عقبات تتصل بالحسابات الضيقة لبعض الاحزاب السياسية، فعندما اعلن وزير الطاقة وليد فياض بدء مسار الترشح للتعيين في الهيئة الناظمة لقطاع الكهرباء وتضمينه حديثا عن تعديلات قد تطرأ على صلاحيات الهيئة ورفع عدد أعضائها من 5 إلى 6، لفت رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي نظر فياض إلى وجوب تطبيق القانون 462 الصادر في العام 2002 لجهة تعيين أعضاء الهيئة الناظمة وصلاحياتها كما هو حاليا. وحدد القانون رقم 462 تاريخ 2/9/2002 القواعد والمبادئ والأسس التي ترعى قطاع الكهرباء، بما في ذلك دول الدولة في هذا القطاع، والمبادئ والأسس التي تنظمه وقواعد تحويل القطاع المذكور أو تحويل إدارته كلياً أو جزئياً إلى القطاع الخاص.وقد أناط القانون بهذه الهيئة العدد من الصلاحيات منها إصدار وتجديد وتعليق وإلغاء التراخيص والأذونات (المادة 12 من القانون)، الا ان الاكيد ان وزراء الطاقة المتعاقبين والمحسوبن على التيار الوطني الحر يتذرعون بأنّ القانون 462/ 2000 (تنظيم قطاع الكهرباء) غير قابل للتطبيق لكونه مشوهاً ولذا لم تصدر مراسيمه التطبيقية. وعليه يمكن القول ان دور الهيئة الناظمة بالنسبة اليهم يبقى دورا ثانوياً، لأن الدور الاساس يفترض ان يعود للوزارة سواء في ادارة قطاع الكهرباء او في توقيع العقود ومنح الامتيازات، وكل ذلك يؤشر، بحسب مصادر مطلعة على الملف لـ”لبنان24” الى ان الوزير الحالي اسوة بأسلافه لا يريد تعيين الهيئة الناظمة متذرعا بأسباب واهية ورميا المسؤولية على المكونات السياسية الاخرى التي من جهتها لن تعطي رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل ما يخطط له لهذا القطاع، خاصة وانه حاول مرارا تغيير مهام الهيئة الناظمة بإعطاء الوزير صلاحيات الهيئة ووضع تعديلات على عملها، لكن جرى افشاله.
توازياً ليس هناك من حسابات نهائية لمؤسسة كهرباء لبنان،فالرئيس ميقاتي بحث مع المدير الإقليمي لدائرة الشرق الأوسط في البنك الدولي جان كريستوف كاريه، مساعدة تبلغ ستخصّص لقطاع الكهرباء، من أجل إجراء التدقيق المالي في مؤسسة كهرباء لبنان؛ لإعادة دراسة التعرفة والوضع المالي، وإنشاء الهيئة الناظمة.
وتجدر الاشارة ، إلى انه وفق إحصاءات وزارة المال، بلغت التحويلات من مصرف لبنان لتغطية عجز الكهرباء في الفترة ما بين الأعوام 2010- آذار 2021 نحو 17 مليار دولار، علما ان حاكم مصرف لبنان رياض سلامة اشار “أنّ المصرف أنفق 24 مليار دولار على مؤسسة كهرباء لبنان منذ عام 2010 دون إحتساب ايرادات مؤسسة كهرباء لبنان وآخر4 سلف أعطيت للمؤسسة”.
وعليه، فإن العجز في مؤسسة كهرباء لبنان سيبلغ 40 مليار دولار بحسب المدير العام السابق للاستثمار في وزارة الطاقة غسان بيضون فعناصر عدة ساهمت بهذا العجز، من بينها سلفات الخزينة والمساهمات وكلفة مشاريع الكهرباء والاستملاك وكلفة الاستشاريين والمستشارين وكلفة دعاوى التحكيم.
اذن، البنك الدولي لن يعطي موافقته على القرض المخصص لمشروع استجرار الغاز من مصر والكهرباء من الأردن الى لبنان، فبمعزل عن الحسابات السياسية الاميركية وسط معلومات تشير الى ان واشنطن لن تمنح “الدول المانحة” اية ضمانات لمساعدة لبنان كهربائياً في الوقت الراهن، فإن ثمة شروط تقنية لم تدخل مرحلة التنفيذ، الامر الذي من شأنه ان يفاقم الازمة اكثر في الاشهر المقبلة اذا لم يتحمل المعنيون بالقطاع مسؤولياتهم .فوزير الطاقة يتعمد تمديد الازمة، باعلانه تمديد وزارة الطاقة لمهلة تقديم طلبات الانتساب إلى الهيئة الناظمة لقطاع الكهرباء حتى أواخر اذار المقبل، وسط اقتناع المصادر نفسها ان الهيئة لن تبصر النور قبل انهاء الفراغ الرئاسي وتشكيل حكومة جديدة.