“داعش” المتحرك ليس “زومبي” وحرب “جز العشب” لا تنتهي
بقلم: رفيق خوري

هناك من يدعو إلى "التعايش مع الإرهاب"

النشرة الدولية –

ليس قليلاً عدد الذين كتبوا نعي تنظيم “داعش”، والذين حذروا من التسرع في الأمر. ولا كان عادياً التسابق بين الدول والمنظمات على المفاخرة بالدور الأكبر لها في الانتصار جغرافياً على “دولة الخلافة الداعشية” في مساحات واسعة من العراق وسوريا: التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، حكومة حيدر العبادي، “الحشد الشعبي”، إيران، قوات سوريا الديمقراطية ذات الأكثرية الكردية، روسيا، النظام السوري، “حزب الله”، لبنان، الاتحاد الأوروبي.

لكن “داعش” الذي يتحرك ليس “زومبي”. فهو يقوم بعمليات إرهابية في البادية السورية والعراق وليبيا واليمن وأفغانستان وعواصم أوروبية وأفريقية والفيليبين، ويجنّد شباناً في لبنان وبلدان أخرى. والعملية الإرهابية الكبيرة التي قام بها في الهجوم على سجن غويران في الحسكة التابع لقوات سوريا الديمقراطية لإطلاق آلاف الإرهابيين، وقبلها في ديالى العراقية وحتى في الموصل، تعني أنه انتقل من مرحلة الهجمات المحدودة إلى العمليات الواسعة. ولم يكن كلاماً في الهواء ما أعلنه المسمى “أبو إبراهيم الهاشمي القرشي” خليفة البغدادي من “بدء مرحلة جديدة من قتال اليهود والطوائف المحاربة للإسلام وأهله من النصارى والروافض والمرتدين المشركين المنتسبين زوراً إلى أهل السنة والجماعة”.

ذلك أن “داعش” فكرة، لا مجرد تنظيم يستخدم جاذبية العودة إلى “الخلافة” منذ سقوطها في إسطنبول مع السلطنة العثمانية بعد الحرب العالمية الأولى. وفي الحرب على الإرهاب قام كثيرون بمحاربة الإرهابيين أمنياً وعسكرياً، لكنهم ترددوا في مواجهة أفكارهم التكفيرية. وفي رأي الجنرال كينيث ماكنزي قائد القيادة الوسطى الأميركية في حديث مع “نيو يوركر”، فإن “تهديدات داعش لن تنتهي لأن الأسباب التي أدت إلى التطرف لم تُعالج، ووجود إيران في العراق وسوريا سبب مهم لظهور داعش وصعوده”. لكن الأمر نفسه ينطبق على الوجود العسكري الأميركي كما يرى إليوت أكرمان في “فورين أفيرز”: “إدارة جورج بوش أخطأت في غزو العراق لأنها أسهمت في تعاظم القاعدة. وإدارة باراك أوباما أخطأت في الانسحاب منه لأنها أسهمت في ولادة داعش”.

والمسألة أبعد. حتى في بلدان أوروبا الديمقراطية، فإن الإرهابيين ظهروا في أوساط الطبقات الوسطى المتعلمة. وحتى ممارسة سياسة اسمها “جز العشب” في محاربة الإرهاب، فإنها تحتاج إلى عمليات مستمرة لأن العشب يعود وينمو، ويجب جزّه مراراً وتكراراً.

في كتاب جديد عنوانه “جهاد كوني: تاريخ مختصر” يسمى غلين روبنسن أربع مراحل وأربع موجات منذ الثمانينيات: “الدعوة الدولية لطرد السوفيات من أفغانستان. التركيز ضد أميركا من جانب “القاعدة”. رفض “داعش” وكل الحركات المماثلة للنظام العالمي. وانتشار إرهاب “الذئب المنفرد” الذي تحركه الراديكالية عبر الإنترنت”. والواقع أن “داعش” استوعب هذه المراحل وجمعها وأضاف إليها إعلان “الخلافة”. والحرب عليه أنهت “دولة الخلافة”، لا فكرة “داعش” والخلافة. لكن توماس هيغهامر يعتقد أن الحرب على الإرهاب قوّت سلطة الدولة، ويصف الإرهاب بأنه “لعبة استراتيجية بين الدول واللاعبين غير الدولتيين”، ويرى أن الحرب على الإرهاب “سمحت للأنظمة بقمع الحركات السياسية السلمية المعارضة بحجة محاربة الإرهاب”. وهذا ما تجلى، أخيراً، في أحداث كازاخستان، حيث وصف الرئيس جودت توكاييف المعارضين المنتفضين بأنهم إرهابيون ومارس القمع الشديد ضدهم واستنجد بقوات من “منظمة الأمن الجماعي” بقيادة روسيا.

هناك طبعاً من يدعو إلى “التعايش مع الإرهاب” لأنه لن ينتهي. كما يطلب خبراء التعايش مع كورونا لأنه سيستمر مثل الرشح والإنفلونزا. لكن التعايش مع الإرهاب ليس أقل صعوبة ومشقة من محاربة الإرهاب. وما أنتج “داعش” بعد “القاعدة” قادر على إنتاج تنظيمات أخطر، وخصوصاً إذا ما كانت تدعمها دول تمارس إرهاب الدولة الذي هو أخطر من إرهاب التنظيمات و”الذئاب المنفردة”. ومن الوهم تجاهل تاريخ الإرهاب في أزمنة سابقة ولأسباب ليست محصورة في نوع من الإرهابيين ومنطقة في العالم.

Back to top button