خرج ريان من الجب.. فمن يُخرج الأمة من جُب الهوان
بقلم: صالح الراشد
النشرة الدولية –
خرج الطفل المغربي ريان من الجب حياً ومات بعد قليل، عاش في جب ضيق توسعت حلقاته بفعل الموقف الإنساني العربي الموحد مع الطفل وعودة روح القومية للحياة من جديد، وحين خرج وتنفس هواء الأمة وجده لا زال عفناً لا يُبشر بخير، فارتقى للسماء كون ما فيها أفضل من عبث الأرض بحكامها ومحكوميها، فقد وجد ريان نفسه بعد أن خرج من جب الموت في جُب عربي أعمق وأضيق وأشد فتكاً بالشعوب، فلم يستطع إحتمال التضييق والخناق، فأسلم الروح لبارئها وهو يتساءل في نفسه الزكية، لقد خرجت من الجُب، فمن سيخرج الأمة العربية من جبها العميق؟، وهل هي قادرة على رؤية النور والإشراق من جديد؟، ولعل ريان نظر في نفسه وهمس لها بأن هذه الأمة حبيسة آبار من القهر والذخلان والتبعية والجبن والخوف والجهل والتجهيل، فكيف ستخرج منها؟، لذا سأخرج من دنياهم منهك الجسد مرفوع الهامة بعد أن وحدتهم إنسانيا.
هو ذات الجُب الذي علقنا بين جنباته، هو ذات الجُب الضيق الذي لا نستطيع الحرك فيه، فالرمال والصخور ضاقت على ريان ونحن أضاقت علينا الدول بجدران الحصار، فحددت لنا متى وكيف وضد من نستخدم أسلحتنا المُكدسة بالمليارات، وأجبرتنا على توقيع إتفاقيات ضمنت فيها السيطرة المُطلقة على إقتصاد الأمة وخيراتها، وحين استبشرنا ببارقة أمل لحرية قادمة من الغرب وجدناها للمثلية الجنسية، وحرية المرأة لتخرج عن العادات والتقاليد، وحين ظننا ان القادم أفضل وأن روح الشباب ستنتصر، وجدنا أننا مقيدون بمواثيق كبلت الفكر والإنتاج العربي وجعلت سيطرتنا على أراضينا وقراراتنا وهمية، لنكتشف أننا مجرد أتباع للقوة الصهيوأمريكية المسيطرة على العالم.
أي جُب نحن عالقون فيه، ومتى الخروج؟، وهل سنخرج من الجُب الصهيوأمريكي على قيد الحياة أم سنخرج جثث رائحتها نتنة؟، والأهم من سيخرجنا من الجب الذي ضيقناه على مقاسنا حتى أصبحنا غير قادرين على الحراك؟، فالأمة العربية وبفضل الفكر الوضيع القائم على الأنا المرضية العفنة سوقت لنا الإنهزام على أنه إنتصار، والتخلف بمدنية مستورد على أنه حضارة، ورسمت لنا لوحات فنية فارغة المضامين حاولت تحويل الجبن الحقيقي المستقر في النفوس المهزومة إلى صورة زائفة من الشجاعة والإقدام، وأراد العابثون في الأمة أن يجعلونا نؤمن بأن برامجهم التنموية هي الأفضل رغم إضراراها بالشعوب.
لقد ضاق الجب العربي أكثر وأكثر، لندرك أن جيل الشباب الذي نعتقد أنه سيكون السراج المنير في المستقبل، سيلعننا صباح مساء بعد أن حملناه وزرنا فوق وزره ، فهذا الجيل حمل وزر الهزائم والإنكسارات التي صنعها من يجلسون في الصفوف الأمامية باحتفالات الدول، كما حَمل الشباب وزر التخلف الإقتصادي الذي دمرته القوانين والتشريعات التي شرعها من يعتبرون أنفسهم القدوة، فأصبح على الشباب إصلاح ما دمرته الأجيال السابقة واستعادة الألق وروح الشعب التي تبخرت، وكرامتهم التي تشرذمت وتمزقت وهم يطرقون أبواب أعداء الأمة من أبنائها للمطالبة بأبسط حقوقهم، هؤلاء الأعداء كانوا يحملون الأسفار فلا فكر نقلوا ولا بنيان شيدوا ولا خطط تنموية وضعوا، فكانت سيوف جهلهم أشد فتكاً على البلاد والعباد من سيوف الأعداء.
الجُب عميق وضيق جداً، ورغم ذلك خرج منه يوسف عليه السلام حياً، كما خرج منه ريان حياً قبل أن يموت بريح العفن العربي، فهل نستطيع أن نخرج كعرب من جب التبعية والعبودية والإنهزامية والتخلف والخوف، أم سنبقى في الجب حتى يرث الله الأرض ومن عليها؟، أقولها إذا بقينا في فلك صُناع الهزائم والإنكسارات فلن نُغادر الجب، وهنا يأتي دور الشباب الذين عليهم أن يحملوا الأمانة وهم أقدر على صونها من أشخاص خانوا الأمانة بجهلهم أو بتخطيط منهم، لكن الجب عميق وهؤلاء المتشبثون بالمناصب يجذبوننا صوب الأسفل، فهل يفعلها شباب الأمة ويخرجون من جب الهوان.؟!!