حقائق وخفايا.. وذكريات
بقلم: أحمد الصراف

النشرة الدولية –

كما لم يفعل الكثيرون غيره، جلس السفير المميز والدبلوماسي المعروف «محمد عبدالله أبو الحسن»، إلى مكتبه، وبذل جهداً كبيراً في توثيق مرحلة مهمة، وهي الأخطر في تاريخ الكويت بكامله، عندما تعرض وطننا لأبشع اعتداء غير مبرر وحقير من جار يفترض به أن يكون الشقيق الأقرب.

كان السفير أبو الحسن ممثل الكويت الدائم لدى الأمم المتحدة عندما وقع العدوان، وكان لمجلس الأمن دور حاسم في تثبيت حقنا وفي دفع عشرات الدول الأعضاء في هيئة الأمم للتضامن معنا والمشاركة في تحرير أرضنا، في تظاهرة سلمية وإنسانية وعسكرية غير مسبوقة في التاريخ!

ما كان لتلك القرارات الحاسمة المتعلقة بسيادة الكويت أن تصدر لولا سمعة الكويت الطيبة في العالم، وسوء تصرف المجرم صدام، ووفاء وإخلاص الكويتيين لوطنهم ورفضهم التعاون مع المحتل، وأيضاً في سابقة لم يعرفها العالم من قبل. كما كان لأبنائه في الخارج دورهم العظيم، ومنهم السفير محمد أبو الحسن، الذي وثق تلك المرحلة للتاريخ، بدقة متناهية، في عمل يرقى للبحث الأكاديمي الرصين، ويستحق أن يدرس ضمن مناهج الثانوية العامة، فأغلبية طلبة اليوم لا علم لهم بما حصل في الأشهر السبعة التي كنا فيها تحت الاحتلال الغاشم والكئيب، وما تلاها من أحداث جسام.

***

كتاب أبو الحسن «حقائق وخفايا» وثيقة مهمة سرد فيها أحداث الدقائق الأولى لانتشار خبر الغزو وحتى التحرير، وصولاً إلى منتصف التسعينيات مع إتمام مجلس الأمن قرارات رسم الحدود بين الكويت والعراق بصورة نهائية، مع تبني القرار رقم 833 الذي رسخ الترسيم بصورة أبدية، وبدعم أميركي بارز وفائق من الرئيس الأميركي «جورج بوش» الأب.

كما بيّن الكتاب الموقف المخزي الذي وقفته دول مثل «كوبا»، وغالباً نكاية في أميركا، وموقف نظام اليمن المشين، وهي التي حصلت طوال تاريخ علاقتها مع الكويت بأفضل معاملة، وكانت الكويت دائماً الأكثر كرماً وسخاء معها. كما بيّن السفير الكاتب الجهود الكبيرة التي بذلها الأمين العام للأمم المتحدة ديكويلار وغيره في إقناع العراق بالحل السلمي، موجهين النداء تلو الآخر لصدام لحثه على قبول قرارات مجلس الأمن ذات الصلة، لكن صدام لم يستجب لأي طرف، وأصر على موقفه الذي جر تالياً الويلات على العراق.

كما بيّن سرد الكثير من الأمور التي تعرف للمرة الأولى والجهود الكبيرة للاتحاد السوفيتي لإقناع العراق بوضع حد للمأساة، وكان مبعوث موسكو «بريماكوف» يطرح المقترح تلو الآخر على صدام، وبعضها كان سخياً جداً ولمصلحة العراق، ولكنه، ولحسن الحظ، رفضها كلها.

كما تطرق إلى خفايا لقاء جنيف في 14 يناير 1991 بين وزير خارجية أميركا جيمس بيكر، والوزير العراقي طارق عزيز، الذي قرأ نسخة من رسالة الرئيس بوش إلى الرئيس صدام، ورفض تسلمها، بسبب لهجتها الحادة.

كما يصف السفير أبو الحسن هواجسه من احتمال قبول صدام مبدأ التفاوض مع طرف فاعل كالولايات المتحدة أو هيئة الأمم، وأن تتحول قضية الاحتلال إلى مساومات تتسبب في إطالة أمد معاناة الكويتيين، وتستمر جرائم قوات الاحتلال، الخالية من الرحمة والعدالة أو الإنسانية، ولكن تشدد «صدام حسين»، أو بالأحرى غباءه الشديد، أنقذ الكويت من ورطة الانتظار والتحرير وترسيم الحدود للأبد، وتالياً القضاء عليه وعلى كل أذنابه المجرمين.

كتاب السفير أبو الحسن، بالرغم من طابعه المهني شبه الأكاديمي، فإنه مشوق ويتضمن أسراراً ومعلومات عن الغزو والتحرير، لا يكفي الاكتفاء بتوثيقها، بل بنشرها على أوسع نطاق، خصوصاً مواقف دول الضد وتحركاتهم المريبة، كليبيا القذافي، وتونس، والجزائر، وموريتانيا، التي لم تدن الغزو ولم تصوت ضده خلال القمة العربية، وتالياً في الأمم المتحدة مع وفدي اليمن وكوبا!

 

Back to top button