لابد من إصلاح التعليم وإن طال «الوباء»
بقلم: حمزة عليان
النشرة الدولية –
في ظل دعوة النائب والزميل الكاتب في الصفحة الأخيرة في “الجريدة” حمد المطر إلى مؤتمر وطني لإصلاح التعليم سيكون الكلام مفيداً عن رسم خريطة جديدة تأخذ بعين الاعتبار تأثيرات وباء كورونا على التعليم، إذ إن أكبر كارثة تسبب بها “فيروس كوفيد19” كانت على هذا القطاع، ولسنا بحاجة إلى دراسات بحثية موسعة، يكفي أن تطالع حولك وفي محيطك الأسري حتى تقف على النتائج المأساوية التي وصلنا إليها.
هناك إجماع على أن الضربة القاضية التي وجهت إلى هذا القطاع كانت على يد ما يعرف “بالتعليم عن بعد” فهو من الضحايا الذين دفعوا الثمن غالياً، لم ننته بعد من الآثار السلبية لدمج السنتين للمرحلة الثانوية بعد التحرير واليوم يتم استذكار تلك العملية بشيء من الأسى والندم ولماذا فعلوا ذلك؟ لقد تسبب التعليم عن بعد بسبب الوباء بنتائج سيئة ومخيبة للآمال، وكان منها:
1- مضاعفة الأعباء المالية على الأسرة من خلال الدروس الخصوصية، ولم تنجُ عائلة من هذه الكلفة التي توازي كلفة الخادمة شهرياً إضافة إلى شراء مكتب وأدوات التعليم الإلكتروني.
2- إغلاق المدارس والجامعات يعني إغلاق البيئة الصالحة للطلبة وتحويل البيوت إلى صفوف دراسية، فقد مشينا عكس السير، فالبيت وجد لمعيشة الأسرة بكل مكوناته، جاء كورونا وحوله من مكان للنوم والأكل والاستراحة إلى شيء آخر لا علاقه له به.
3- أوجد كورونا حالة من اليأس والإحباط والعزلة الاجتماعية، بحيث صار الطلبة أكثر بعدا عن الانخراط في المجتمع ومع الناس ومع الأصدقاء وبمعنى آخر، جردوا الطلبة من “إنسانيتهم” وحياتهم الاجتماعية ودخولهم إلى عالم أشباح وأدوات صماء ليس فيها روح أو تفاعل.
4- أدى التعليم عن بعد إلى زيادة معدلات الانتحار الناتج عن الانقطاع مع الآخر (تكرار الحظر ومنع التجول) وهذا من أسوأ النتائج.
5- تفشي حالات الرسوب وخلق جيل كسول يفتقد إلى المهارات، بل زادت الفجوة بين الأغنياء والفقراء خاصة لدى الأسر المحرومة اجتماعياً في الدول ذات الدخل المنخفض وانعدمت المساواة في النظم التعليمية.
6- زيادة الكلفة على الدولة والقطاع الخاص، بسبب الحاجة إلى توفير التجهيزات الإلكترونية للتواصل بين الأساتذة والطلبة (أجهزة كومبيوتر+ إنترنت+ برامج تعليمية+ أدوات مساعدة) بحيث ضاعفت الفاتورة المالية والتي بدورها انعكست على ميزانية التعليم.
7- التراجع الكارثي لمستوى التعليم بشكل عام فقد أدى إلى ما بات يعرف “بالأمية المقنّعة” بحيث تم تخريج طلبة “كيفما كانوا”.
8- تحويل أولياء الأمور إلى “مدرسين” وتعطيل مصالحهم والتفرغ لمتابعة أبنائهم وعلى حسابهم.
9- إغلاق المؤسسات التعليمية أدى إلى زيادة المخاطر التي تتعرض لها النساء والفتيات لأنهن أكثر عرضة لأنواع متعددة من سوء المعاملة، من قبيل العنف العائلي والمقايضة بالجنس والزواج المبكر والقسري في عدد من الدول والقارات بحسب تقارير الأمم المتحدة.
صدمة “كوفيد19” على التعليم واسعة وستظهر نتائجها في المدى الأبعد، لكن علينا وقف التدهور وإعادة العجلة إلى دورانها الطبيعي والعودة سريعاً إلى بيئة التعليم الطبيعية.
خطر الانزلاق نحو “e-learning” كان مدفوعاً بالخوف من آثار الفيروس اللعين، لكن مع عودة التعافي وفك القيود عن حركة الناس والتنقل يستوجب أخذ العبرة وتعلم الدروس من هذا المسلك الذي لم يكن محصوراً في مجتمع أو دولة بعينها، بل طال العالم بأسره وإن بدرجات مختلفة.
ثمة سؤال، أي تعليم نريده بعد الجائحة؟ وما حجم الاستثمار المنتظر في هذا القطاع لاستعادة عافيته ودوره في التغيير والإنماء؟
كان محقاً الوزير السابق الشيخ الدكتور باسل الصباح عندما سألوه، متى ينتهي هذا الوباء؟ أجاب وبما معناه، سيبقى إلى يوم القيامة؟ معنى ذلك، أن الفيروسات تتعايش مع الإنسان وتتكيف معه، إنما تحتاج إلى ثقافة ووعي بكيفية التعامل، ونحتاج إلى الابتعاد عن التهويل ونشر الرعب بين الناس وفي المجتمعات، حتى يستقيم التعليم ويستأنف دورته الطبيعية التي سلبت منه.
ما تم تناوله في هذا المقال لا يعفينا من سوء إدارة التعليم والمشاكل المزمنة التي يعانيها سواء في غياب برامج أو خطط أو بيئة صالحة، وليس من الحصافة أن نرمي كل هذه المشاكل ونعلقها على شماعة الوباء.