تعليق ترشيح هوشيار زيباري.. “خلط للأوراق” و”أزمة توقيتات” محتملة في الطريق

النشرة الدولية –

الحرة –

في “انتكاسة” جديدة للزعيم الكردي هوشيار زيباري (68 عاما)، قررت المحكمة الاتحادية العراقية، الأحد، تعليق ترشيحه مؤقتا، في إجراء يعكس مدى حدة الخلافات السياسية المستمرة بالعراق منذ إجراء الانتخابات التشريعية في أكتوبر الماضي.

وقالت فرانس برس إن عملية انتخاب رئيس جديد للجمهورية، المقررة الاثنين، خلال جلسة للبرلمان، شهدت “خلط أوراق” بقرار المحكمة تعليق ترشيح السياسي الكردي البارز على خلفية اتهامات بالفساد بعد أن كان أحد أبرز الأسماء المطروحة للمنصب.

ونقلت وكالة الأنباء العراقية “واع”، إن المدعين “وجدوا أن إجراءات مجلس النواب فيما يخص قبول المرشح تخالف أحكام الدستور، وتمثل خرقا جسيما للنصوص الواردة فيه”.

ومن جانبه، أكد زيباري، في حسابه على فيسبوك، احترامه لقرار المحكمة “لحين حسم الدعوى المقامة من قبل بعض المتشبثين بأيام ما قبل الاصلاح”.

وأضاف: “نثق بأن يؤكد القضاء ما أكدته مؤسسات الدولة سلفا من استيفائنا لشروط الترشح وأن ما يشاع لا يعدو أن يكون أنينا من اجل مزيد من التشبث بالسلطة”.

وزيباري أحد أبرز المرشحين الـ 25 للمنصب. ورغم تعدد أسماء المرشحين، تنحصر المنافسة فعليا بين زيباري والرئيس الحالي برهم صالح. وينتمي الاثنان إلى الحزبين الكرديين المتنافسين على النفوذ في إقليم كردستان، وهما الاتحاد الوطني الكردستاني (صالح) والحزب الديمقراطي الكردستاني (زيباري).

“ثاني انتكاسة”

وتقول فرانس برس إن القرار “ثاني انتكاسة يتلقاها السياسي المخضرم” بعد قرار الزعيم الشيعي، مقتدى الصدر، سحب دعمه لترشيحه له على خلفية الاتهامات بالفساد التي يؤكد زيباري أنها بقيت في إطار المزاعم ولم تتم إدانته بها.

وخلال الأسبوع الماضي، قدم أربعة نواب التماسا إلى المحكمة يطالبون فيه باستبعاد زيباري لأنه  لا يلبي الشروط الدستورية لتولي منصب رئيس الجمهورية، ومنها أن يكون “حسن السمعة والاستقامة”.

وعدد هؤلاء أسبابا مساندة، منها قرار البرلمان سحب الثقة من زيباري عام 2016 حين كان وزيرا للمالية، على خلفية “اتهامات تتعلّق بفساد مالي وإداري”،و تطرقت الدعوى إلى قضيتين أخريين على الأقل يرتبط بهما الوزير السابق، لاسيما خلال فترة توليه وزارة الخارجية.

وتحدث المتقدمون بالدعوى عن وجود “قضية تحقيقية أخرى” على خلفية قيام زيباري “باستغلال نفوذه وسلطته من خلال صرف مبالغ طائلة على عقار لا يعود الى الدولة”.

ويقول عباس كاظم، مدير برنامج العراق في “المجلس الأطلسي” في واشنطن لموقع “الحرة” إن دخول زياري السباق أثار انتقادات.

وأشار إلى أنه حتى لو لم تصدر إدانات قضائية، فهذا الأمر حدث لأنه كان يتمتع بحصانة ولم يحضر جلسات المحاكمة، في حين صدرت ضده إدانات من قبل ممثلي الشعب، وطالبته هيئة النزاهة برد أموال.

وتعكس هذه التطورات المتسارعة حدة الخلافات السياسية التي يشهدها العراق منذ الانتخابات التشريعية التي أجريت قبل نحو أربعة أشهر، وانتهت بفوز كبير للتيار الصدري.

ولم تتمكن القوى السياسية إلى الآن من تشكيل تحالف أو الاتفاق على اسم مرشح لرئاسة الحكومة خلفا لمصطفى الكاظمي.

وتلقي هذه الأحداث بظلال من الشك بشأن انعقاد جلسة الاثنين، إذ سبقها السبت قرار الكتلة الصدرية، وهي الأكبر في البرلمان، مقاطعة الجلسة.

وعلى رغم أن غياب الكتلة (73 نائبا) عن الجلسة لا يفترض أن يحول دون تأمين نصابها القانوني (الثلثان من أصل 329 نائبا)، إلا أن وزنها السياسي قد يكون المعيار الفاصل، وفق فرانس برس.

وقال عضوان في البرلمان العراق لرويترز، رفضا الكشف عن هويتهما، إن تعليق ترشح زيباري قد يؤجل تصويت الغد.

ويتوقع عمر النداوي، الباحث في الشأن العراقي، مدير البرامج في “مركز تمكين السلام” في العراق، في حديثه لموقع “الحرة” أيضا، تأجيل الجلسة، إلا أن ذلك “قد يؤدي إلى الإخلال بالتوقيتات الدستورية ويضع عقبة أمام انسيابية التحالف بين كتلة الصدر والحزب الديمقراطي الكردستاني”، الذي ينتمي إليه زيباري.

وينص الدستور العراقي على انتخاب رئيس الجمهوري في غضون 30 يوما من انتخاب رئيس البرلمان، وهو ما حدث في التاسع من يناير.

ويتوقع النداوي حدوث “تسوية” بين الحزب الديمقراطي الكردستاني لتعويضه عن خسارة منصب رئيس الجمهورية، مشيرا إلى أن القضية أثارت خلافات بين الحزبين الرئيسين في كردستان، وهو ما ظهر من خلال التظاهرات والتظاهرات المضادة مؤخرا ضد مرشحي الحزبين.

وشغل زيباري مناصب وزارية عدة بين العامين 2003 و2016، أبرزها الخارجية لزهاء تسعة أعوام بين 2005 و2014. وأثارت الشبهات بتورطه في نشاطات فساد غضب جزء من الرأي العام في الأيام الأخيرة، ما تسبب بحرج للصدر الذي يقدم نفسه على أنه مناهض للفساد.

وتظاهر العشرات وسط محافظة الديوانية، السبت، للأسبوع الثاني على التوالي، رفضا لترشيحه، وفق وكالة الأنباء العراقية (نينيا).

ويعتقد النداوي أن نبرة الصدر تعكس عدم رغبته في “جرح مشاعر الحزب الديمقراطي الكردستاني، ورغبته في إيجاد مخرج”.

ويرى النداوي أن قرار مقاطعة الجلسة مجرد محاولة للضغط من أجل وضع جميع الأطراف في موقف أنه إذا لم تجدوا حلا، سنضع مسألة تشكيل الحكومة في مأزق التوقيتات الدستورية”.

وبحسب قرار المحكمة الاتحادية الأخير، تحتاج جلسة انتخاب الرئيس حضور ثلثي عدد أعضاء البرلمان، البالغ عددهم 329 نائبا، وكذلك موافقة الثلثين لتمرير اسم المرشح.

ويعد التيار الصدري أقوى كتلة في البرلمان العراقي بعد الانتخابات التشريعية التي جرت في أكتوبر 2021، إذ يشغل 73 مقعدا. إلا أن تغيب أعضائه عن الجلسة البرلمانية لا يعرقل اكتمال النصاب، وبذلك لا تلغى الجلسة.

ويقول كاظم إن تحالفات الصدر والحلبوسي وبرزاني لا تملك أغلبية الثلثين لتمرير اسم المرشح، لذلك ربما “قرروا عدم المضي قدما في الجلسة حتى يتم الاتفاق على مرشح”.

ومن المفترض، بحسب الدستور، أن يتم انتخاب الرئيس في الثامن من فبراير الجاري، أي بعد 30 يوما من انتخاب رئيس البرلمان، وفي حال عدم انعقاد الجلسة، ستدخل البلاد في أزمة دستورية.

ويقول كاظم: “ستتم مخالفة الدستور وسيكون هناك مداولات خارج الحدود الدستورية” في الفترة المقبلة.

ويعود منصب رئيس الجمهورية تقليديا إلى الأكراد، بينما يتولى الشيعة رئاسة الوزراء والسنة مجلس النواب. وعلى رئيس الجمهورية أن يسمي، خلال 15 يوما من انتخابه، رئيسا للوزراء تعود تسميته إلى التحالف الأكبر تحت قبة البرلمان.

ولدى تسميته، تكون أمام رئيس الحكومة المكلف مهلة شهر لتشكيلها.

إلا أن مسار الخطوات السياسية يبدو معقدا حتى قبل الشروع فيه، فقد سبق لمقتدى الصدر تأكيد حيازته غالبية كافية في البرلمان للمضي في تشكيل “حكومة أغلبية وطنية”، وهو يأمل في فك الارتباط مع تقليد التوافق الذي يتيح لمختلف القوى السياسية المشاركة في السلطة.

وبذلك، يضع الصدر خارج حساباته قوى وازنة على الساحة السياسية، خصوصا الإطار التنسيقي الذي يضم تحالف “الفتح” الممثل للحشد الشعبي (المكون بغالبيته من فصائل مسلحة موالية لإيران) الذي نال 17 مقعدا، وتحالف “دولة القانون” برئاسة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي (33 مقعدا)، وأحزابا شيعية أخرى.

ويؤكد كل من الطرفين أنه التحالف صاحب الأغلبية في مجلس النواب.

وقال المحلل السياسي العراقي، حمزة حداد، لوكالة فرانس برس: “لا أحد يعرف أن يكون في المعارضة، الجميع يعرفون كيفية تقاسم الحصص”، متحدثا عن إمكانية لتشكل “تحالف موسع”.

ويقول كاظم : “الساسة العراقيون يخشون الخروج من الحكومة لأن ذلك “يعني فقدان السلطة، وفرص الحصول على أموال، وبسبب الخوف من الملاحقة القضائية”.

ويرى أن خروج هذه الأطراف يجعلها “مفسدة” للعملية السياسية مع النفوذ الذي تتمتع به وعلاقاتها الخارجية، ويشير إلى “عدوانية” الخصوم السياسيين العراقيين، مثل الخلافات التي حدثت بين الحزبين الكرديين الكبيرين على المناصب بعد وفاة جلال طالباني.

ويقول كاظم لموقع “الحرة” إن الصدر يعرف أن أغلبيته البسيطة، بتحالفه مع برزاني والحلبوسي، “لن تحقق له ما يريد”، كما لن يتمكن من تحقيق شرط الثلثين لتمرير الرئاسة، وحينها “لن يكون هناك أي سبب يشجع برزاني على التحالف مع الصدر لأن مطالبه لم تتحقق”.

ويشير النداوي إلى أن قضية زيباري “لا تتعلق بطرفين فقط ولكن بمختلف الأطراف” في الساحة السياسية العراقية، و”الطريقة الوحيدة لتجنب الوقوع في أزمة “التوقيتات” تكمن في موقف الحزب الديمقراطي الكردستاني نفسه: هل سيرى القضية بمثابة “تنازل مهين” لمركزه كحزب رئيسي أم سينظر ببراغماتية ويقبل بتسوية”.

ويضيف عمر النداوي: “إذا تقدم بطلب معين للصدر للتنازل عن الترشيح سيؤدي ذلك إلى انفراج المشكلة بسرعة”.

Back to top button