“إنتفاضة 6 شباط”… “شيعية سياسية” تخلف “المارونية السياسية”
بقلم: طوني فرنسيس

النشرة الدولية –

في التفسيرات الطائفية اللبنانية البحت يمكن اعتبار «انتفاضة 6 شباط» 1984 محطةً تؤرخ لإحلال «الشيعية السياسية» محل «المارونية السياسية» المتحالفة مع «السنّية السياسية» في التركيبة السياسية اللبنانية.

في هذه الانتفاضة تمكّنت حركة «أمل» بقيادة الرئيس نبيه بري من شلّ الجيش الذي كان يقوده الرئيس أمين الجميّل ووضع اليد على بيروت الغربية، بعد معركة سابقة في أيلول سمحت بالسيطرة على الضاحية الجنوبية «الشموس» منذ ذلك الحين، وكان ذلك إيذاناً بصعود بري ومعه «الشيعية السياسية» وتحقيقها مكاسب سيتمّ تكريسها في اتفاق الطائف.

لكن نظرةً أشمل لما حدث في 6 شباط 1984، قبله وبعده، ستجعل الباحث، وبعيداً عن احتفاليات حركة «أمل» وتلفزيونها، واحتكارها المناسبة و»أهميتها التاريخية»، يستعيد مساراً كانت فيه قوى إقليمية ودولية محرّكاً فعلياً لأحداث تلك الفترة، فيما تولّت التنفيذ على الأرض قوى محلية، لا تختصرها حركة الرئيس بري، بينها من أدّى دوراً أكبر بكثير في التمهيد لشباط 84، خصوصاً «الحزب التقدمي الاشتراكي» وحليفه التاريخي «الحزب الشيوعي» اللذين خاضا حرب الجبل وسيطرا عليه بدعم من القوات السورية، وقد هزّ ذلك سلطة الجميّل وشلّ قدرات الجيش المنقسم منذ بدايات الحروب الداخلية.

ومعركة الجبل نفسها، وبمعزل عن مبرّراتها الداخلية الخطيرة، أرادها حافظ الأسد ردّاً على هزيمته أمام الاجتياح الإسرائيلي، وأرادها الإتحاد السوفياتي في حينه رداً على الحضور العسكري الأميركي والأطلسي في لبنان، ولم تبخل المنازعات اللبنانية الطائفية والصراعات على الحصص وأحجامها في صبّ الزيت المناسب لإذكاء اشتعال النيران.

كان السقف السياسي الذي يمكن طرحه لتجميع القوى المحلية في معركة الجبل وبيروت هو إسقاط اتفاق 17 أيار مع دولة الإحتلال الإسرائيلي، وجرى القتال تحت هذا العنوان الذي سيبرر لدمشق خوضها معركة ضد إسرائيل التي أخرجتها من بيروت إلى البقاع، وسيسمح لموسكو أن تعيد الإعتبار لجدوى أسلحتها وكرامة حلفائها في مواجهة مباشرة مع أميركا على سواحل لبنان.

عملياً انتهى ذلك الـ»شباط» بإلغاء اتفاق «الإذعان» كما أسماه عبد الحليم خدام، وقد قادت دمشق فعلياً معارك بيروت وحددت نتائجها سلفاً، بما في ذلك فتح الباب أمام جولات من «القتال الفئوي» بين الحلفاء في ضفتي بيروت الشرقية والغربية في سياقٍ مدروس، وستختتم تلك المرحلة بعودة اللواء غازي كنعان إلى بيروت بعد غيبة استمرت 5 سنوات، ليشرف في السنوات اللاحقة على تعميق نظام المحاصصة الطائفية على قاعدة الولاء المطلق لنظام الأسد، وهو ما لا يزال قائماً بعد نحو عقدين من خروج سوريا ورحيل الأسد وخدام وكنعان أبرز صانعي انتفاضات اللبنانيين وحروبهم.

زر الذهاب إلى الأعلى