لماذا يرفع “حزب الله” وتيرة هجومه ضد المجتمع المدني؟
بقلم: فارس خشان

النشرة الدولية –

يواظب “حزب الله” على هجومه المركّز ضد “المجتمع المدني” في لبنان، وتجده، مع اقتراب الموعد المقرّر لإجراء الانتخابات النيابية، يرفع منسوب اتهاماته إلى مستويات غير مسبوقة، وفق ما فعل، أخيراً نائب أمينه العام الشيخ نعيم قاسم الذي قال في حديث إلى واحدة من وسائل الإعلام الإيرانية إنّ “السفارة الأميركية في لبنان ترعى منظمات للمجتمع المدني، تربيها وتبنيها على إثارة الفوضى والقلاقل وتخريب واقع البلد، وقطع الطرقات، وإفساد الأجيال بأفكار وقناعات منحرفة”.

بطبيعة الحال، يقدّم “حزب الله” نفسه، بصفته عدو سفارة “الشيطان الأكبر” في لبنان، مقاوِماً شرساً لهذا المجتمع المدني، على اعتبار أنّه والقوى التي يتحالف معها، سياسياً وانتخابياً، تملك ترسانة “سلمية” و”خلقية” لا نزاع حولها، وتالياً، تملك ما يكفي من شرعية للإنقاض على هذا المجتمع المدني “العميل”، بما يتيسّر، من أجل الاستقرار والتناغم والمحافظة على البلاد وتحصين أخلاقيات الأجيال لضمان استقامتها!

ولكنّ “حزب الله” الذي تعرف غالبية اللبنانيين حقيقته العسكرية والأمنية والسياسية والإقليمية وتأثيراته الخطرة على البلاد وانعكاسات نهجه على منع الإنقاذ، يكشف، بهذه النوعية من الهجوم على المجتمع المدني، عن هشاشة ووهن كبيرين، يعاني منهما.

ومن الواضح أنّ “حزب الله” بفعلته هذه التي لا تستند إلّا إلى تخوّف من أسباب إصرار المجتمع الدولي على وجوب حصول الانتخابات النيابية، يهدف الى تحقيق جملة أهداف لعلّ أهمها: إبقاء بيئته الحزبية مستنفرة ضد تمدّد القناعة بأنّه أصبح حجر عثرة في طريق إنقاذ لبنان من الكوارث التي تعصف به من كل حدب وصوب، من جهة أولى ودفع مموّليه الإيرانيين الى مضاعفة الدعم المادي، حتى لا تتكرّر في لبنان المفاجأة غير المحسوبة التي كانت قد حصلت في الانتخابات النيابية في العراق، من جهة ثانية.

ويخشى “حزب الله” من أن يكرّر اللبنانيون، في ظل الضعف الذي نال من حلفائه السياسيين في البيئات الطائفية الأخرى، في صناديق الإقتراع، المشهديات التي صنعوها في “ثورة” 17 تشرين الأوّل/ أكتوبر 2019، بكثافة فاقت كلّ التقديرات والتوقعات.

وخلافاً لاطمئنانه الى قدرته على تبادل الخدمات مع غالبية الطبقة السياسية التقليدية التي تعاطى معها، منذ العام 2005، على قاعدة الترغيب والترهيب، فإنّ “حزب الله” يبدي قلقاً حقيقياً من عدم إمكان إخضاع المجتمع المدني، في حال حقّق اختراقاً كبيراً في الانتخابات النيابية، لأنّ تركيبة منظّمات هذا المجتمع المتنوّعة والرؤى التي تنطلق منها، من شأنها أن تمنع التواطؤ بينهما.

وإمكان أن يُحدث المجتمع المدني اختراقاً في الانتخابات النيابية من شأنه أن يعطي رؤيته الوطنية المستندة الى ضرب ما بات يُسمّى بـ”تحالف السلاح والفساد”، بُعداً عربياً وخليجياً ودولياً، الأمر الذي يصبح معه متعذّرا توسّل المسؤولين اللبنانيين “الكلام الخشبي”، في ردّهم على الضغوط الهادفة الى “حلّ أزمة لبنان مع نفسه”، أي عجزه عن تنفيذ القرارات الدولية التي تهدف الى ترسيم الحدود بين لبنان وسوريا (القرار 1680) ونزع سلاح “حزب الله”(القرار 1559).

ويُدرك “حزب الله” أنّ الإختراقات التي يمكن أن يحدثها المجتمع المدني في الانتخابات النيابية ستتلاقى، في غالبية الأحيان، مع النتائج التي سوف تُسجّلها القوى السياسية التي أعلنت، نهائياً، افتراقها “السيادي” عن هذا الحزب، بعد تجربة مرّة معه، في وقت ترجّح إستطلاعات الرأي الجديّة أن تلحق هزيمة كبيرة بـ “غطائه المسيحي” الممثّل ب”التيّار الوطني الحر”.

ويترافق رفع وتيرة الهجوم على المجتمع المدني وتوجيه اتهامات تخريبية إليه، مع فرضية أن يستفيد مرشّحوه الذين بدأوا بالظهور، هنا وهناك، من قرار “تيّار المستقبل” بالإنكفاء عن خوض الانتخابات النيابية، وتالياً فإنّه، في ضوء المواقف السياسية المعلنة ل”التيار”، فإنّ المؤيّدين له يمكن أن يعطوا أصواتهم إمّا لمرشحي المجتمع المدني وإمّا للقوى السياسية التي يمكنها، لاحقاً، أن تتعاون سياسياً مع هذا المجتمع.

 

ومهما قيل عن الأسباب التي دفعت الرئيس سعد الحريري الى اتّخاذ قرار الإنكفاء هذا، فإنّ ما أعلنه عن “التأثير الإيراني الضار” سيكون له وقع حقيقي في اختيار القواعد المؤيّدة له.

إنّ “حزب الله”، وكما بات واضحاً من المواقف التي تصدر ضدّه من على منابر متنوّعة، يشكّل، في الوجدان الوطني، خطراً على لبنان وهويته ومستقبله، وهو، ومهما أكثر من الكلام ضد المجتمع المدني، لن يستطيع، ديموقراطياً، أن ينقل الخطر المحدق بلبنان، على كل المستويات، وينسبه الى غيره ولا سيّما إلى المجتمع المدني الذي يعرف الجميع أنّه، لو امتلك القدرات، لعمل، مستفيداً من هذه اللحظة المحلية والعربية والدولية، على أن يعيد لبنان الى ذاك المربّع الذي طالما تغنّى به الشرق والغرب.

 

 

Back to top button