“حروب” نصرالله التجويعية و”نضالات” الراعي الإنقاذية
بقلم: فارس خشان

النشرة الدولية –

يعترف الأمين العام ل”حزب الله” حسن نصرالله بأنّ لبنان وشعبه يدفعون غالياً ثمن خيارات حزبه المسلّح، فهو في ما سميّ بمقابلة تلفزيونية مع قناة “العالم “الإيرانية تميّزت بغياب الحد الأدنى من النقاش المهني، نسب الكارثة المالية-الاقتصادية-الاجتماعية التي يتخبّطون ومصيرهم بها إلى “رهان إسرائيلي يقوم على دفع لبنان كدولة وشعب الى انهيار اقتصادي وانهيار أمني وما يسمّونها ثورة شعبية على المقاومة، حتى تسلّم سلاحها”.

وبغض النظر عن صحّة الوقائع التي يذكرها نصرالله في “مونولوجه”، فإنّ كلامه هذا يؤكّد حقيقة مفادها أنّ الكارثة اللبنانية ليست نتاج مسائل تقنية بقدر ما هي نتاج مسائل سيادية، أي إنّها، وبكلام آخر، مجرّد انعكاس مباشر للمسار الذي ينتهجه “حزب الله”، كجزء لا يتجزّأ من “محور الممانعة” الذي تقوده الجمهورية الإسلامية في إيران.

وما يقرّ به نصرالله يسعى حكّام لبنان، وبتأثير مباشر من “حزب الله” الذي صنعهم أو ساهم بصناعتهم، إلى نفيه بشكل مستمر، بحيث يوهمون اللبنانيين بقدرتهم على إنقاذهم ممّا يعانون منه، باللجوء الى سياسات تقنية خالصة وترداد شعارات النزاهة والإصلاح والتغيير والإنسانية، مانعين أيّ بحث جدّي وعميق ومنتِج في الأبعاد السيادية لهذه الكارثة.

بطبيعة الحال، لم يشأ نصرالله من هذا الإقرار تحمّل المسؤولية بل نسبها الى الأعداء، لأنّ حزبه، وفق أقواله، يدافع عن لبنان وشعبه فيما الآخرون يستعملون أقصى طاقاتهم لإضعاف هذا الحزب “اللبناني مائة بالمائة” من أجل استتباع لبنان واستعباد أهله، بمعونة “أعداء المقاومة في الداخل الذين يخدمون المشروع الأجنبي الغريب عن لبنان”.

إذن، في ما ذهب إليه نصرالله يتّضح أنّ لبنان، دولة وشعباً، يدفع ثمن حرب يخوضها “حزب الله” مع محور معاد له.

ولكنّ نصرالله لا يُعير أيّ اهتمام لهؤلاء اللبنانيين الذين يرفضون هذه الحرب، ليس لأنّهم “يخدمون المشروع الأجنبي الغريب عن لبنان” كما يحلو له أن يدّعي، بل لأنّهم يؤمنون، إيماناً مطلقاً، بأنّ الحرب التي يخوض “حزب الله” غمارها ليست حربهم ولا ضرورة لبنانية لها وهي تخدم “أجندة إيرانية” على حساب مصلحة لبنان العليا وعلاقاته الإقليمية والدولية ووئامه الوطني ورفاهية الشعب وسلامة الدولة.

وغداة مواقف نصرالله الأخيرة، وبمناسبة عيد مار مارون، أطلّ البطريرك الماروني بشارة الراعي وبحضور الرؤساء الدستوريين ووزراء ونوّاب وكبار الموظفين والقادة الأمنيين، ومن دون تسجيل انسحاب أحد منهم اعتراضاً، ليسجّل مواقف تتعارض كليّاً مع ما ذهب إليه الأمين العام ل”حزب الله”، فأعلن “النضال لئلا يسترسل لبنان في أن يكون ساحة صراعات المنطقة ومنصة صواريخ وجبهة قتال(…) وتطبيق قرارات مجلس الأمن من أجل تحقيق سيادة لبنان على كامل أراضيه، وفي حال استمرّ عجز الدولة عن ذلك، فلا بدّ من الإستعانة بالأمم المتحدة لعقد مؤتمر دولي يضمن تنفيذ الحلول وسلامة لبنان”.

ولم يكن الراعي بحاجة الى تسمية الجهة التي تعبث بلبنان لأنّ الجميع يعرف ويدرك ويتيقّن بأنّ المقصود واحد: “حزب الله”.

وهذا يفيد بأنّ اللبنانيين يدفعون ثمن حرب يريدها هذا الحزب وترفضها شريحة واسعة من اللبنانيين، لأنّها لا تجد خطراً على لبنان أعظم من خطر “حزب الله” عليه، إذ إنّه في المسار الذي ينتهجه يمنع قيام الدولة ويتسبّب بعجزها ويجذب إليها مصائب خارجية من بينها قطع علاقات عدد من الدول المهمّة بالنسبة إليه، معه.

وخلافاً لما يُعلنه نصرالله فإنّ من يسمّيهم “أعداء المقاومة”، وبغض النظر عن أنّ هؤلاء لم يعودوا يرون في لبنان أيّ مقاومة بل هم يتلمّسون قوة تفرض قراراتها الأحادية بالقوّة وتستبدل نفسها بالجيش اللبناني “المخوَّن” بنفسها وتخوض المعارك التي يأمر بها “الحرس الثوري الإيراني” في الإقليم، لا يخدم “أعداء المقاومة المشروع الأجنبي الغريب” بل هم يتطلّعون الى المجتمع الدولي من أجل أن يعينهم، عملاً بالتزاماته التي عبّر عنها في القرارات الدولية، على حفظ سلامة لبنان التي يُعرّضها “حزب الله”، بانتهاكاته الدستورية وبتبعيته الإقليمية، للخطر.

أكثر من ذلك، فإنّ الورقة الخليجية-العربية-الدولية التي سلّمتها دولة الكويت الى المسؤولين اللبنانيين لا يصح عليها وصف “الإملاءات” لأنّ ما ورد من بنود فيها لا يحمل أيّ جديد، بل هي تذكير للبنان بالتزاماته السابقة التي قطعها للمجتمعين العربي والدولي، منذ العام 2005 حتى الأمس القريب، في أكثر من مناسبة هدفت الى مساعدة لبنان، كياناً ودولة وشعباً بالهبات المجزية والقروض الميسّرة والاستثمارات المجدية، وحال “حزب الله” دون تمكينه من تشريف نفسه بالوفاء بها.

على أيّ حال، إنّ الفارق بين نصرالله والأكثرية اللبنانية التي تعارضه في الداخل، لا يقوم على قوّة حجّته في مقابل ضعف حجّة الآخرين، بل يكمن في أنّ “حزب الله” يتكّئ على “إفراط عنفي” يملكه ولا يتردّد في التذكير به، بينما “ضحاياه” لا يملكون في المقابل سوى “قوّة الموقف” التي تتقاطع، حيناً، مع المواقف الإقليمية والدولية وتتعارض معها، أحياناً أخرى.

ولعلّ إطلالة نصرالله على قناة “العالم” الإيرانية وفي خلفيته صورة تجمع “الولي الفقيه السابق والحالي” للحديث عن “لبنانية حزبه الضاربة في الجذور”، وليقول للآخرين متحدّياً “أنا أريد أن أناقشهم: أنت لبناني أو لست لبنانياً؟” يمكنها، في ذاتها، أن تختصر كلّ مآسي لبنان وشعبه.

Back to top button