من اخترع هذه «الصرعة» في عالم السياسة؟
بقلم: حمزة عليان

النشرة الدولية –

لم أستغرب تساؤل الصديق أسعد الفارس عن قصة “الثلث المعطل” ومن اخترع هذه “الصرعة” في عالم السياسة؟ يجيب عن ذلك بقوله: “نحن نعرف أن هناك فئة تحكم وأخرى تعارض”، ولم نسمع عن “الثلث المعطل” إلا مؤخراً، يكمل إجابته: “هل قرروا حرماننا من الديموقراطية بالثلث المعطل؟”.

الواقع أنها ليست “بدعة” بقدر ما هي “تخريجة” أو “توليفة” للأنظمة التوافقية، وأقرب مثال على ذلك ما يحدث في العراق الآن وتطيير جلسة انتخاب رئيس للجمهورية بسبب “عدم التوافق السياسي” لحسم موضوع الرئاسة والحكومة معاً، فصيغة الحكم القائمة على توزيع المناصب الثلاثة على الطوائف بحيث تكون الرئاسة من حصة الأكراد، والحكومة من حصة الشيعة، ومجلس النواب من حصة السنّة!

هذه الصيغة تواجه الانسداد والتعطيل في اللحظة التي تصطدم فيها الطوائف ببعضها، خصوصاً إذا ما كان التدخل الخارجي مؤثراً كما في حالة إيران ونفوذها في الساحة العراقية، وربما لهذا السبب أي لوجود كتلة فائزة من الشيعة بالانتخابات والأكثر عدداً بحسبة النواب ورفضها لهذا التدخل وصلت إلى الحائط المسدود.

الواقع أن هناك أربع دول تعتمد نظاماً سياسياً متشابهاً إلى حد كبير بشأن “ثلاثية” الهرمية السياسية بحسب وصف الدبلوماسي البوسني ياسين الرواشدة، سويسرا نجحت في معالجة سلبيات النظام وحولته إلى مزايا إيجابية، أما البوسنة فالنظام أصبح من المنظومة الدستورية، أي أن الرئاسة ثلاثية (مجلس رئاسي من ثلاثة أعضاء لثلاث قوميات رئيسة ومجلس وزراء اتحادي لكل قومية (سمها طائفة) عدد متساو، لكن رئيس المجلس يكون بالتناوب مرة كل دورة رئاسية، والقرارات بالتوافق، وكذلك في الغرفة العليا في البرلمان هناك ثلاثية أي عدد متساو من الأعضاء لكل قومية، وبالرغم من ذلك هناك “مخرج” لكي لا تتعطل القرارات، وهي المحكمة العليا التي تملك صلاحيات حسم الجدل أو التعطيل لكن هذا يبقى نسبيا.

والنظام الدستوري حسب “اتفاق دايتون” أعطى نظاما لا مركزيا للدولة، أي أن هناك صلاحيات واسعة للمقاطعات والمحافظات، وهكذا تستطيع “تعويض” التعطيل المحتمل في المؤسسات الأعلى (مجلس الرئاسة أو مجلس الوزراء الاتحادي) وهو ما ظهر جلياً خلال أزمة كورونا، حيث تمكن إقليم البوسنة والمقاطعات من اتخاذ قرارات تنفيذية تتعلق باستيراد اللقاحات والحماية لدرجة لم يشعر المواطن بوجود أي عائق إداري وتنفيذي، من هنا نستنتج أن النظام اللا مركزي هو أحد الحلول للالتفاف على نظام “الثلث” المعطل.

لنتفق أولاً على أن المبدأ في النظم الديموقراطية الكاملة يكمن في وجود أكثرية تحكم وأقلية تعارض ونقطة على أول السطر، ففي لبنان صيغة النظام السياسي القائمة على “تقاسم الدولة” بين الطوائف تقتضي مراعاة التوازن بينها من منطلق عدم غلبة فريق على آخر، وعندما تختل هذه القاعدة يلجأ أي فريق سياسي إلى الحصول على الثلث المعطل حتى يجبر الآخرين على التفاوض معه والاستجابة إلى مطالبه، سواء كانت “مشروعة أم غير مشروعة”.

هذه المعضلة برزت مع حكومة الرئيس فؤاد السنيورة الثانية التي تشكلت بعد “اتفاق الدوحة” عندما استطاع حزب الله وحلفاؤه الحصول عليه، وكان ذلك بعد عام 2008.

والمرة الأولى التي يطيح فيها “الثلث المعطل” حكومة لبنانية كانت عام 2011 وهي حكومة سعد الحريري، عندما استقال وزراء حزب الله وأمل وحلفائهم، وفي أحدث المشاهد سخونة ما حصل مع حكومة سعد الحريري التي لم يتمكن من تشكيلها واستمر بالذهاب إلى قصر بعبدا عدة مرات منذ أكتوبر 2020 حتى مارس 2021 بسبب تمسك الرئيس ميشال عون بـ”الثلث المعطل”. أبرز مثال على التحكم في الثلث المعطل كان في عهد نظام الوصاية السوري الذي لجأ إلى اللعب بهذه الورقة لمصلحته، مرة يمنحها لفريق 8 آذار ومرة يمنحها لرئيس الجمهورية، والعارفون بالشأن السياسي اللبناني يعتبرون أن من أوجدها أراد من ورائها خلق توازن بين سلطتي رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة، لكنها في معناها العميق والحقيقي تعني تعطيل عمل مؤسسات الدولة، والذهاب إلى المجهول أو إلى “جهنم” كما أفصح عنها مرة الرئيس ميشال عون، وهنا مكمن الخطورة في “صيغة حكم” كهذه.

Back to top button