بالأسماء لصيدليات لبنانية تسرق المرضى!
النشرة الدولية –
المدن – عزة الحاج حسن –
لم يعد مجدياً الحديث عن جشع بعض الصيدليات أو ربما غالبيتها، واستغلالها حاجة المرضى للأدوية لتحقيق أرباح إضافية، بل بات ملحاً أمر فضحها تباعاً بالأسماء والوقائع، لعلّها بذلك تُردع عن متاجرتها بصحة المرضى وسلبهم أموالهم، لاسيما في ظل الغياب شبه التام للرقابة والتفتيش النقابي والصيدلي.
ترفض العديد من الصيدليات الالتزام بالتسعيرة الرسمية للأدوية التي تحدّدها وزارة الصحة في مؤشر يصدر مع تغيّر سعر صرف الدولار ويضم أسعار آلاف الاصناف من الادوية. ومؤشر أسعار الأدوية الصادر عن وزارة الصحة يُعرض للعموم على منصتها الإلكترونية. فلا يخفى على أحد السعر الرسمي للدواء. لكن هناك مِن الصيادلة مَن يتذاكى إلى حد الوقاحة، فيبرّر رفع سعر الدواء عن سعره على المنصة بأنه اشتراه عندما كان سعر صرف الدولار مرتفعاً.
وليس ادعاء بعض الصيادلة التجار مُستغرباً، إنما تساهل نقيب الصيادلة مع تلك الممارسات هو ما يدعو، ليس للإستغراب فحسب، بل للتساؤل عن مدى صدقية وشفافية نقيب شاب أتى إلى نقابة الصيادلة تحت مظلّة قوى التغيير الطامحة لتحويل نقابة الصادلة إلى سند لأعضائها والمرضى على السواء.
صيدليات تسلب المرضى
المؤشر الأخير أصدرته وزارة الصحة بتاريخ 1 شباط 2022 لتسعير الأدوية وفق سعر صرف 21 ألف ليرة للدولار الواحد، ولا يزال المؤشر المذكور سارياً حتى اللحظة باعتبار أن سعر صرف الدولار لم يتغيّر بشكل كبير يستدعي تغيير المؤشر. بالنتيجة يتوجّب على الصيدليات كافة الالتزام بأسعار الأدوية الواردة على منصة الوزارة، مهما كان سعر صرف الدولار عندما طُلبت تلك الادوية. من هنا يوضح مصدر من وزارة الصحة في حديث إلى “المدن” بأن الصيدليات دخلت مرحلة يغلب عليها المنطق التجاري وعليها تقبّل الإجراءات. بمعنى أنها باتت معرّضة لتحقيق الربح أو الوقوع بالخسارة، فمهما تغيّر سعر صرف الدولار ومهما تغيّرت أسعار الأدوية واقعياً، عليها الالتزام بالتسعيرة الواردة على منصة الوزارة من دون زيادة أو نقصان.
لكن إدارة صيدلية الوردية، التي تملك فروعاً عدة، يبدو أنها تفتح متجراً تسعّر فيه البضائع على هواها، فتبيع حقنة (أبرة) ovitrelle 250 ml، على سبيل المثال، بمليون و500 ألف ليرة، فيما يبلغ سعرها على المنصة مليون و64 الف ليرة، كذلك صيدلية مازن تبيعها بمليون و264 ألف ليرة.
ويبلغ سعر دواء Merional 75 unit في صيدلية الوردية 747500 ليرة ونظراً لكون الاطباء يفرضونه على المرضى بمعدل 4 جرعات خلال اليوم. وذلك يعني أن المريض يلزمه يومياً نحو 3 مليون ليرة ثمن هذا الدواء (تحديداً مليونين و990 ألف ليرة)، فيما مجموع سعره الرسمي على المنصة يبلغ مليونين و600 الف ليرة. وعندما سألت إحدى المريضات في صيدلية الوردية عن سبب ارتفاع سعر الدواء بما يفوق سعر المنصة، أتاها الجواب سريعاً: “مش عاجبك اشتري من غير صيدلية”.
دليل آخر على مخالفة صيدلية الوردية وجشعها، بيع دواء Cetrotide بمليون و290 ألف فيما ثمنه على المنصة مليون ليرة.
وليست صيدلية الوردية وصيدلية مازن فقط من تسلبان المرضى. فهناك صيدلية بشير أيضاً ومقرها في شارع الإستقلال في منطقة الظريف في بيروت، فتبيع دواء Nausetron الخاص بالاطفال بـ267 ألف ليرة، فيما سعره على المنصة 217 ألف ليرة. وقد تبيّن لاحقاً أن الدواء المذكور كان متوفراً في مستودعات صيدلية بشير منذ ما قبل رفع الدعم، أي أنه مسعّر بالاساس بـ43 ألف ليرة. كذلك صيدلية ابن رشد الكائنة في منطقة الزيدانية، تسعّر الدواء نفسه بـ247 ألف ليرة. باختصار كل صيدلية تسلب بحسب حجمها وتسلب المريض أمام أعين الوزارة والنقابة.
رقابة غير فاعلة
لم تعمد “المدن” إلى فضح الصيدليات تلك قبل الحصول منها على فواتير تثبت الأسعار المذكورة ومخالفتها، وقبل إبلاغ نقابة الصيادلة بهدف تصويب الأمور واتخاذ الإجراءات الواجب اتخاذها في حال المخالفة. فالنقابة تحرّكت فعلاً وأرسلت مراقبيها إلى صيدلية الوردية لكنها لم تفلح بضبطها على ما أكد نقيب الصيادلة جو سلّوم لـ”المدن”، مشيراً إلى أن النقابة ستعاود إجراء تحقيق مع الصيدلية عينها، بعدما تلقت أمانة سر النقابة شكوى خطية من مريضة، مرفقة بفواتير صادرة عن الصيدلية.
بمعنى آخر لم تتحرّك نقابة الصيادلة ولن تتحرّك ما لم ترد إليها شكاوى خطية مرفقة بفواتير صادرة من الصيدليات المخالفة، بدليل أنها أجرت عملية تفتيش على صيدلية الوردية ولم تضبط مخالفاتها. والسؤال: ألا يجدر بالنقابة تفعيل عملها الرقابي والتفتيش على الصيدليات بشكل مستمر للتحقق من التزامها بالاسعار الرسمية؟ وهل على المريض التقدم بشكاوى خطية كلما اشترى دواء بسعر مخالف؟ لو أرادت النقابة فعلياً لجم الصيدليات المخالفة لتمكّنت من ضبطها خلال جولة واحدة على الصيدليات في بيروت أو خارجها لشراء دواء محدد. حينها سيثبت لها أن الدواء الواحد يُباع بعدة أسعار، منها ما يتجاوز السعر الرسمي بأضعاف. وهل المخالفات الواضحة تستلزم التقدم بشكاوى خطية وإثباتات؟
تناقض موقف النقابة
وعلّق سلّوم على مسألة بيع صيدلية بشير الدواء المسعّر قبل رفع الدعم، أي على سعر صرف 1500 ليرة للدولار، بالقول: مهما كان السعر الذي اشتري به الدواء فإن الصيدلية مُلزمة ببيعه وفق سعر منصة الوزارة. وأعرب عن إصراره على مكافحة الصيدليات التي تخالف القانون والتي تخرق الأسعار المحدّدة على منصة وزارة الصحة، “حماية للمريض والصيدلية في آن”. لكنه عاد وأعطى أمثلة عن عدم قدرة الصيدليات على بيع الدواء بأسعار منخفضة، تجنباً للخسائر على غرار البنزين والألبسة وغيرها من المواد الإستهلاكية.
سلّوم، الذي صوّر الصيدلي كتاجر أحذية أو ألبسة أو ما شابه، علّق على حالة صيدلية الوردية، التي تبيع الأدوية بأسعار تفوق كثيراً الأسعار الرسمية، بالقول: “في حال ثبتت عليها المخالفة فإننا لن نسكت عن ذلك، لكن ربما تكون قد اشترت الأدوية على سعر الدولار المرتفع أي 33 ألف ليرة، “ننتظر التقدم بشكوى رسمية بحقها لإعادة التفتيش فيها”.
وهنا يتوجب على نقابة الصيادلة توضيح موقف نقيبها، هل على الصيدليات الالتزام بأسعار المنصة مهما بلغ سعر صرف الدولار، أم يمكنها بيع الدواء بحسب سعر الدولار الذي اشترت الأدوية بموجبه، وهي ذريعة بعض الصيدليات، منها الوردية؟
الجواب واضح وقد أتى على لسان مصدر رفيع في وزارة الصحة بضرورة الالتزام بأسعار المنصة. لكن ألا يجدر بنقابة الصيادلة ملاحقة الصيدليات المخالفة أو الإيعاز بملاحقتها أو التدقيق بفواتيرها؟
الشكاوى قبل الرقابة
لا يمكن ملاحقة الصيدليات المخالفة قبل التقدم بشكاوى موثقة من المرضى بحق الصيدليات المخالفة، يقول سلّوم، وحينها فقط يمكن إرسال التفتيش إلى الصيدلية وتحرير ضبط بحقها بعد التحقق من الفواتير ومقارنتها بأسعار المنصة.
تتمسّك نقابة الصيادلة ببيروقراطية التعامل في مرحلة هي الأشد خطورة بتاريخ لبنان، ويفترض أن تستدعي التشدد بالرقابة والإسراع بالمتابعات والمداهمات، حفاظاً على ما تبقى من حق بالصحة. ورغم ذلك ذهبت إحدى المريضات لأبعد من الإبلاغ عن مخالفة صيدلية الوردية، فتقدّمت بشكوى خطية إلى النقابة مرفقة بفواتير تثبت مخالفة الصيدلية، وحتى اللحظة ننتظر تحرّك النقابة حسب ما وعد النقيب سلّوم. وإلى ذلك الحين علينا نحن المستهلكون المرضى مقاطعة من يسلب حقوقنا وفضحه إن كان صيدلية أو سوبر ماركت أو غيره.