أزمة روسيا-الغرب.. النافذه الدبوماسية والحشود العسكرية تتواصلان بوتيرة تصعيدية.. فأيهما ستهيمن على المشهد
رغم قناعة جميع الأطراف المعنية بأن اللجوء إلى النافذة الدبلوماسية هي الحل الأنجح والأقل خسارة لأزمة الحرب المحتملة والوشيكة بأبة لحظة، ما بين روسيا والدول الغربية في أوكرانيا، والتي قد تمتد مخاطرها لمستوى تحولها إلى تداعيات الحرب العالمية الثالثة، تتواصل كل أشكال التصعيد بين الجانبين القطبين، حي تواصل روسيا حشد المزيد من آليتها العسكري الضخم بالقرب من الحدود الأوكرانية الدولية، وتواصل الدول الغربية أيضا إستنفارها العسكري والأمني في المنطقة الأوروبية رافضة جميع مطالب الضمانات الأمنية لموسكو رفضًا تامًا.
ورغم هذا التصعيد، فإن هذا المشهد ليس بجديد، حيث ينتشر عشرات الآلاف من الجنود الروس على الحدود الأوكرانية بعرباتهم المدرعة منذ نهاية عام 2021. وهو ما دفع الولايات المتحدة للتفكير في أن فلاديمير بوتين يمكن أن يشن هجومًا، بينما تنفي روسيا أي خطة للغزو لكنها تعتبر نفسها مهددة بتوسع حلف الاطلسي المستمر منذ 20 عاما فضلا عن الدعم الغربي لجارتها الأوكرانية.
أطلقت الأزمة الدبلوماسية العنان لأسابيع من المحادثات بين المسؤولين الروس والغربيين والأوكرانيين. وأعطت هذه الجهود جرعة تفاؤل حذرة حيال إمكانية التوصل إلى حل عبر التفاوض، إذ قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إنه حصل على تعهّد من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأن موسكو “لن تكون مصدر تصعيد”.
وأكدت الولايات المتحدة أنها “تضغط من أجل الدبلوماسية”، لكنها في الوقت ذاته “تستعد للأسوأ”، و تقول إدارة جو بادين إن واشنطن “تستعد لمختلف السيناريوهات”، من “اجتياح كامل” إلى “هجمات هجينة أو تخريب أو إكراه”.
ورفضت الولايات المتحدة، في ردها، مطلب روسيا بعدم ضم أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي (ناتو)، وقالت إنها تعتقد أن موسكو مستعدة لغزو أوكرانيا لكنها عرضت عليها مسارا جديدا للخروج من الأزمة.
من جانبه، أكّد وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، أنّ واشنطن حدّدت “مسارًا دبلوماسيًا جادًا” لحلّ النزاع بشأن أوكرانيا في رسالتها للحكومة الروسية.
وقال بعدما تمّ تسليم الرسالة إلى موسكو “نوضح بأنّ هناك مبادئ جوهرية نحن ملتزمون بالمحافظة عليها والدفاع عنها، تشمل سيادة أوكرانيا وسلامة أراضيها وحقّ الدول في اختيار الترتيبات الأمنية والتحالفات الخاصة بها”.
روسيا “لا تريد الحرب”
ولكن حتى مع استمرار موسكو في تعزيز قواتها وإجراء مناورات حربية شاملة ، يُبقي الرئيس فلاديمير بوتين النافذة مفتوحة لمزيد من المفاوضات المحسوبة التي تهدف إلى إقناع واشنطن وحلفائها بقبول مطالب روسيا.
على الرغم من أن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، أكد في وقت سابق أن بلاده “لا تريد الحرب” وتفضل “طريق الدبلوماسية”، للدفاع عن مصالحها، فإن الدول الغربية تخشى الغرب من أن الغزو الروسي لأوكرانيا قد يكون وشيكًا ، بينما تؤكد روسيا أنه ليس لديها خطط للقيام بذلك لكنها تريد معالجة مخاوفها الأمنية.
ضمانات أمنية
قدمت روسيا مطالب للحصول على ضمانات أمنية من الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي لخفض تواجده في شرق أوروبا والدول التي كانت منضوية في الاتحاد السوفياتي السابق.
وتشمل هذه الضمانات الأمنية التي تطالب بها موسكو، بحسب وزارة الدفاع الروسية، ثلاثة مطالب أساسية:
“ضمانات لعدم توسع حلف الناتو شرقا على حساب أوكرانيا وأي دول أخرى”؛
“التزامات بعدم نشر الصواريخ الأمريكية الجديدة متوسطة وقصيرة المدى في أوروبا، لأن نصب مثل هذه الأسلحة يمكن أن يؤدي إلى تدهور جذري للأوضاع الأمنية في القارة”؛
“الحد من الأنشطة العسكرية في أوروبا واستبعاد زيادة ما يسمى بمجموعات قوات المرابطة الأمامية”.
روسيا تلقت بفتور رفض واشنطن لمطالبها الأمنية
وفي نهاية الشهر الماضي، تلقت روسيا بفتور رفض واشنطن لمطالبها الأمنية، في إطار أخذ ورد أشعل فتيل الأزمة بينها وبين الغرب بشأن أوكرانيا، لكن كلا الجانبين حرصا على إبقاء الباب مفتوحًا للحوار. حذرت موسكو من أن رفض مطالبها سيستدعي الرد، مستخفة بالتهديد بعقوبات غير مسبوقة يلوح بها الغرب في حالة انتقالها إلى الهجوم.
فعلى نحو غير مفاجئ، رفضت الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي مطالب موسكو الرئيسية وهي إنهاء سياسة توسيع الحلف الأطلسي وإعادة نشر قواته على الحدود التي كانت عليها عام 1997.
تعتبر روسيا هذه المسائل بمثابة تهديدات وجودية تغذي خطر نشوب نزاع في أوكرانيا. لذلك فهي تريد إعادة تصميم الخارطة الأمنية الأوروبية التي نتجت عن نهاية الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفياتي السابق.
المناورات العسكرية الروسية
مع رفض الغرب لمطالب الكرملين، أعلنت روسيا منذ أسابيع عن نيتها تنفيذ سلسلة من المناورات العسكرية من المحيط المتجمد الشمالي إلى البحر الأسود.
فقد باشرت روسيا وبيلاروس مناورات عسكرية مشتركة الخميس أججت التوتر وزادت من أهمية تحقيق اختراق في الجهود الدبلوماسية التي يبذلها قادة الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي لمنع أي غزو لأوكرانيا. وباتت المناورات التي تستمر حتى 20 شباط/فبراير آخر نقطة خلاف بين روسيا والغرب بشأن أوكرانيا، التي نددت بها معتبرة إياها وسيلة “للضغط النفسي”.
المناورات العسكرية مؤشر “عنف بالغ”
وصف وزير الخارجية الفرنسي جون-ايف لودريان المناورات بأنها مؤشر “عنف بالغ” فيما استغلت وزيرة الخارجية البريطانية ليز تراس زيارتها إلى موسكو لتتهمها بالسعي إلى “تقويض سيادة أوكرانيا”. بدوره، اعتبر الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ أن انتشار القوات الروسية في بيلاروس في إطار المناورات يمثّل “لحظة خطرة” بالنسبة لأمن أوروبا.
ويحذّر القادة الغربيون منذ أسابيع من أن روسيا تستعد للتصعيد في النزاع الانفصالي المستمر منذ ثمانية أعوام في شرق أوكرانيا بعدما حشدت نحو مئة ألف جندي في محيط الدولة السوفياتية السابقة. ولفتت واشنطن إلى أن روسيا أرسلت نحو 30 ألف جندي إلى بيلاروس، المجاورة لأوكرانيا أيضا، للمشاركة في المناورات التي بدأت الخميس. وتحرّكت آليات تحمل أنظمة روسيا الدفاعية بطوابير عشية بدء المناورات المطلة على البحر الأسود وبحر آزوف المجاور. ونددت كييف بما اعتبرتها محاولة “غير مسبوقة” لمنع أوكرانيا من الوصول إلى كلا البحرين.
احتمالية فرض عقوبات غير مسبوقة
تثير واشنطن وحلفاؤها احتمالية فرض عقوبات غير مسبوقة في حالة غزو روسيا لأوكرانيا ، بما يتضمن فرض حظر محتمل على المعاملات بالدولار، وقيود صارمة على واردات التكنولوجيا الرئيسية مثل الرقائق الدقيقة، وإغلاق خطّ أنابيب نورد ستريم 2. فقد وعد الرئيس الأمريكي جو بايدن، بإغلاق خطّ أنابيب نورد ستريم 2 بحضور المستشار الألماني أولاف شولتس، مضيفاً أن ألمانيا حليف يمكن الاعتماد عليه “بشكل كامل”. وبُني خط الأنابيب “نورد ستريم 2” لجرر الغاز الروسي إلى أوروبا عبر ألمانيا، وتعرضت الأخيرة لبعض الانتقادات مؤخراً خصوصاً من دول أوروبية شرقية ترى أن المشروع يعطي بوتين سلطة مصدرها الطاقة على الاتحاد الأوروبي. وقال بايدن “إذا غزت روسيا أوكرانيا، ما يعني عبور دبابات أو قوات حدود أوكرانيا، مجدّداً، عندها لن يكون هناك خط أنابيب نورد ستريم 2″، مضيفاً “أعد بأنّنا سنضع حدّاً له”.
في الاسبوع الماضي، أعلنت بولندا أن مجموعة متقدمة من القوات الأمريكية الإضافية، التي قررت إدارة الرئيس جو بايدن مؤخرا نشرها في أوروبا الشرقية، وصلت أراضي البلاد وكانت الإدارة الأمريكية قد أعلنت عن نشر قوات أمريكية إضافية في أوروبا الشرقية، بما في ذلك نحو ألف جندي سينقلون من ألمانيا إلى رومانيا، ونحو ألفي جندي سينشرون في ألمانيا وبولندا، وذلك على خلفية التصعيد الحالي
تصعيد محسوب
يقول القائد السابق للقوات الأمريكية في أوروبا، بن هودجز والذي يعمل الآن في مركز تحليل السياسة الأوروبية: “يبدو أن بوتين لديه ثقة مفرطة ويظهر درجة عالية من تحمل المخاطر” مضيفا “يبدو أنه عازم على ممارسة أقصى قدر من الضغط على الغرب في هذه الأزمة المفتعلة ، على أمل أن تقدم أوكرانيا أو الناتو في النهاية تنازلات.”
يتوقع بعض المراقبين أن يزيد بوتين من تصعيد التوترات من خلال توسيع نطاق ومجال التدريبات العسكرية. وتوقع فيودور لوكيانوف، رئيس مجلس السياسات الخارجية والدفاعية ومقره موسكو أن الرفض الغربي لمناقشة المطالب الرئيسية لروسيا سيؤدي إلى “جولة جديدة من التصعيد”. وأوضح لوكيانوف: “منطقيا، سوف تحتاج روسيا إلى رفع مستوى التوترات” مشددا على أنه “إذا لم يتم تحقيق الأهداف المحددة، فأنت بحاجة إلى زيادة الضغط، أولاً وقبل كل شيء من خلال استعراض مكامن القوة.” ولفت لوكيانوف إلى “أن غزو أوكرانيا ليس ما يريده بوتين، فقد يتحدى الغرب بوسائل أخرى”.
وأشار لوكيانوف إلى أن “الفكرة برمتها كما يتصورها بوتين، ليست تعتمد على حل الأزمة الأوكرانية عن طريق الحرب، ولكن عبر جلب الغرب إلى طاولة المفاوضات للمناقشة حول مبادئ الترتيبات الأمنية الأوروبية”. ” وختم قوله ” كل ما نعرفه عن السيد بوتين أنه ليس مقامرًا.، إنه لاعب يحسب الأشياء بدقة”
المسارات المحتملة للتسوية
بينما أصر بوتين ومسؤولوه على أنهم يتوقعون أن تذعن الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي لمطالب روسيا، وهو احتمال يبدو شبه مستحيل، يتوقع بعض المراقبين أن تقبل موسكو في النهاية حلاً وسطًا من شأنه أن يساعد في تجنب الأعمال العدائية ويسمح لجميع الأطراف بحفظ ماء الوجه. إن كان الأوكرانيون يتطلعون إلى الانضمام إلى حلف الاطلسي فإن الغرب أبلغهم منذ سنوات أن مثل هذا التوسع ليس واردًا. لكن من ناحية أخرى، يطلب الكرملين “ضمانات قانونية” حول وقف توسع الحلف، وهو ما يرفضه الغرب على أساس حق الدول في اختيار حلفائها. وهو مبدأ يعارضه لافروف على أساس “ضرورة مراعاة المصالح الأمنية” للدول الأخرى.