خطابات “عنترية” انتهت ب”موافق”!
بقلم: صالح الراشد
النشرة الدولية –
” أشبعتهم شتماً وأودوا بالإبل”، مقولة عربية أصيلة يهتدي بها مجلس النواب الأردني ويتخذها نبراساً يهتدي بها، هذا هو حال النواب في مناقشة قانون الموازنة العامة والوحدات الحكومية، فالنواب في كلماتهم أشعلوا حرباً وجعلونا نعتقد أن قانون الموازنة لن يمر، وإن تم تمريره فسيكون بصعوبة بالغة وبنسبة ضئيلة، لكن حين التصويت تسابقت الأيادي بالموافقة حتى وصلت إلى “81%”، وهي نسبة مرتفعة قلما حصلت عليها حكومات سابقة، وجاءت الموافقة بعد كلمة وزير المالية الدكتور محمد العسعس التي فند بإحترافية وبشمولية كلمات النواب، لنجد ان النواب إنقسموا هنا إلى عدة إتجاهات، فهناك من لا يعمل ويجيد الكلام، وآخرون يجيدون الكلام دون فهم، وبعضهم احتاج إلى أن يُنير وزير المالية بصيرته، والأغلبية ينظرون لمستقبل علاقتهم بالحكومة، وهؤلاء جميعاً وافقوا برفع الأيادي، ويبقى الطيف الخامس من النواب وهم الذين لم يوافقوا على القانون، متخذين موقفهم من دراسات ورؤيا سابقة أو من خلال رؤية الجهة التي يتبعون لها سياسياً.
وهنا أصبح مجلس النواب الأردني في مرحلة موت سريري بفضل الصدمة التي أصابت قواعدهم الإنتخابية، حيث كانوا ينتظرون أن تعمل الموازنة على التنمية بشكل أكبر، ويبقى أن يتم إعلان وفاة المجلس وتشيعيه إلى مثواه الأخير كعديد المجالس السابقة، وللحق لم نكن نتوقع من مجلس تم تعينه وتمزيقه أن يكون أفضل مما شاهدنا وسمعنا، فالعنتريات متواصلة والصراخ والعويل مستمران بطريقة “دنكوشوتية” وليس لمصلحة الوطن، بل لتقديم القرابين من المواطنين على مذبح النفاق المتأصل في النفوس، لنجد ان النواب مجرد موظفين برتبة نواب لدى الحكومة التي لم يهتز لها جفن من ارتفاع الاصوات، كونها في النهاية ستصب في مصلحتها وتأتمر بأمرها.
لقد مرت الموازنة المُرقعة والتي ستقودنا لزيادة الدين العام والإنهاك الإقتصادي، كونها لم تتجاوز دور حارس المال المتأتي من الضريبة والرسوم وتُصرف في غالبيتها كرواتب، فلا مشاريع منطقية قادرة على رفد الإقتصاد ولا تنمية واضحة لنظل ندور في نفس الفلك والضياع، فالموازنة تقليدية والنواب يجيدون البصم في المواقف الصعبة، وبالذات حين يقارنون بين مصالحهم ومصالح الشعب، فيختارون مصالحهم بإرضاء الحكومة بدلاً من إرضاء الله والوطن، متأملين أن يحصلوا على المنح والدعم وتقدمهم على غيرهم من النواب الرافضين للموازنة.
لقد اعلنت موافقة مجلس النواب على الموازنة سقوط المجلس وتراجع القواعد الإنتخابية عن قناعتها بقيمة المجلس كممثل للشعب الأردني، ليذهب الصالح بعروى الطالح، والسبب ليس الموافقة بحد ذاتها إذ لا يكون هناك حلول غير تلك التي سردها وزير المالية، لكن بسبب الهجوم ثم التراجع بطريقة إنهزامية، ليدرك الجميع أننا أمام مجلس بلا طعم أو رائحة، يجرنا بقوة صوب الإنصياع للمزيد من العلاقت الخارجية، لنبقى أسرى للقرار الصهيوأمريكي بزيادة الإتفاقات مع الكيان الغاصب، لنشعر أننا نبتعد عن تاريخنا ومواقفنا ونسير برفقة الحابين صوب تل الربيع المحتلة على أمل أن يُلقوا لنا طوق النجاة الذي سيكون حبلاً حول رقبة الوطن.
انتهى المسلسل الذي استمر ستة أيام شارك فيه أكثر من مئة ممثل، وننتظر إعادة مسلسات أخرى شاهدناها سابقاً من التذلل النيابي للحكومة، لتعبيد شارع أو وضع مطب وتعين مقرب من نائب، فالوطن عند هؤلاء مجرد مجموعة خدمات يحصلون عليها، ليتنافخوا شرفاً بأنهم فرسان المرحلة بعد أن ضلوا طريقهم وفشلوا في دورهم فتاهوا، وأدخلونا التيه وعلينا أن ننتظر جيل الشباب لربما يُنقذون الوطن ويُطهروه من أخطاء هؤلاء وكوارثهم التي أرهقت الشعب والوطن، وهذا أمر يحتاج إلى نهضة سياسية شبابية حقيقية شعارها تغليب مصلحة الوطن ونبذ الممثلين من الشعب وعلى الشعب، وحينها سنهتدي للطريق القويم ونتجاوز إرث مجالس العار.
آخر الكلام
حددت “دائرة المعارف العالمية ولاكوست”، صفات الإقتصاد المتخلف بأنها أربعة وهي: التفاوت الهائل في توزيع القطاع الإنتاجي، تفكك النظام الإقتصادي، التبعية للخارج، تضخم قطاع الخدمات على حساب قطاع الإنتاج، وأقول بأن الطريق واضح لا يضل عنه إلا جاهل أو …!!