أهمية الضغط الغربي ونجاحه في قضية أوكرانيا
بقلم: د. دانيلا القرعان
النشرة الدولية –
وأخيراً، تعود صور الحرب الباردة تطل علينا من جديد، لكن هذه المرة تعود الينا مقنعة بشكل يختلف عن الذي نعهده فيها، ها نحن نرى اليوم المعسكرين الشرقي والغربي يخوضا حرباً ضروس ضد بعضهما البعض لكن عبر الإعلام، إنها بحق أم المعارك، معركة أرادها الأمريكان والأوروبيون استباقه لأي ضربة روسية لأوكرانيا، وأرادتها روسيا وقفة في وجه هيمنة الغرب على أعرق حلفائها السابقين «أوكرانيا»، إنها معركة تكسير العظم، رغم أن لكل منهما نقطة ضعف أمام الأخر، فروسيا وعقب فشل المفاوضات الأمنية مع واشنطن، ورفض تفهم الغرب لمطالبها بإبعاد الناتو عن حدودها الغربية، لا تريد الانقياد الى حرب فعلية بل بجذب الخصم الى مفاوضات مباشرة معه، وبالتالي، ما صور حشدها للقوات الا إظهار لمقدراتها العسكرية الرادعة بهدف إخافة الغرب ليس الا، أما الغرب، فيعلم بمدى حاجته للغاز الروسي، وحجم احتياج باقي العالم للقمح والغذاء الروسي، فهو لا يريد أزمة طاقة وغذاء عالمية، لكنه يناور لجهله مدى جدية الروس في غزوهم لأوكرانيا، ويتراشق الطرفان الاتهامات بأن كل الأخر يريد إثارته، فروسيا التي بالغت بعرض قوتها لم يعد بإمكانها الظهور بمظهر المنسحب، وأوكرانيا المصابة بالهلع لم يعد بمقدورها تفويت فرصة وقوف الغرب معها ولو بكبح جماح التدخل الروسي في خياراتها الاستراتيجية، الخلاف لن ينتهي عند هذا الحد، نعم، روسيا لن تخوض حرباً أضاع الغرب عليها عنصر مفاجئته بها، لكنها لن تنسى الهجوم الإعلامي الكبير الذي قادته أمريكا ضدها، وستجند نفسها للانتقام لكن في ساحات فاعلة أخرى غير أوكرانيا، والساحة السورية مرشحة لتكون أحد هذه الخيارات؛ لأن الوجود الأمريكي فوق الأرض السورية تعده موسكو غير شرعياً، وهذه نقطة الضعف الأمريكي البارزة في المسألة برمتها.
المشهد باختصار، إذ يشير الى تهدئة هشة على الجبهة الأوكرانية رغم الحشود ونشاط الأقمار الصناعية، إلا أنه ينذر بتصعيد أخر على جبهة أخرى من العالم ستختارها موسكو لا واشنطن، لقد نجحت ضغوط الإعلام الغربي في تحريض العالم على روسيا، وجعلتها على الأقل تعيد حساباتها حول ساعة الصفر، لكن الدب الروسي المعروف بعناده لن يمرر هذا الفوز المعنوي، وسيلجأ الى سياسة إعلامية مضادة تحرج أمريكا أمام حلفائها وتبعد الأنظار عن أوكرانيا التي لم يدعوها أحد لغاية الأن للرضوخ وفتح قنوات حوار وتفاوض مع الجانب الأخر؛ لأن ذلك بالنسبة اليها يعني إقرارها منها بمطالبه، فالجميع ينتظر هذه الخطوة من كلا الطرفين.
لا يوجد شيء اسمه الأزمة الأوكرانية، بل إن الأزمة روسية _ غربية في حقيقتها، وما أوكرانيا إلا ساحة صراع وتداعيات له فقط. لكن لعبة السياسة تدفع إلى التساؤل والبحث عن المصالح الخفية، التي تدفع الغرب إلى دعم أوكرانيا، بأشكال متفاوتة، وبحسب تغير الزمان والمعطيات على الأرض، بدءا من إدانة موسكو، وحتى الاستعداد لحرب معها. إن استقرار الأوضاع في أوكرانيا، أو حتى تجميد الصراع فيها -كما كان الحال منذ نهاية 2015 وحتى أبريل/نيسان الماضي-أطلق العنان لروسيا لتوسيع مناطق نفوذها؛ فرأيناها تتدخل في سوريا، وفي ليبيا، وفي مناطق أخرى، وتعمل على مشاريع ضخمة؛ وهو ما لم يعجب الغرب بطبيعة الحال».