لو كنا في دولة ثانية أيها السادة
بقلم: ماهر أبو طير

النشرة الدولية –

لو كنا في دولة ثانية، لوقفت هذه الدولة، على قدم واحدة، من شدة الذعر، حين يتم الاعتراف أن مليون مجرم تورط في جرائم تم ارتكابها خلال خمس سنوات فقط، وفقا لدراسة رسمية.

وحدنا العرب، نشكل انطباعاتنا بشكل سطحي، والذي يجالس أغلب الناس، يكتشف ان كل ما لدى غالبيتنا هي انطباعات، أو بالعامية ” سواليف سهرات ” اما الدراسات والأرقام، فهي من نصيب الأمم الحية، التي تغير استراتيجياتها وتوجهاتها وفقا لدراسات تحليلية، ولا تترك الأمور، على التساهيل، لان الرقم يدلك على حقيقة، والرياضيات السياسية، تقود الأمم هذه الأيام.

في دراسة لوزارة العدل، تقول الوزارة انه بين الأعوام 2013 و2017 ..” عدد الذين ارتكبوا جرائم خلال فترة الدراسة بلغ نحو مليون شخص بلغت نسبة الذكور منهم 80.5 بالمائة، وأغلب نزلاء مراكز السجون موضوع الدراسة متزوجون، وقال 39.2 بالمائة من النزلاء الذين خضعوا للدراسة، انهم ارتكبوا أكثر من جريمة، وأن 50.4 بالمائة من نزلاء مراكز الإصلاح قالوا إن سبب عودتهم للجريمة هو عدم وجود فرص عمل لهم في سوق العمل، و 30.4 بالمائة قالوا إن السبب هو توفر العيش في السجن دون مقابل، بينما أوضح 36.4 بالمائة أن سبب العودة للجريمة هو استمرار علاقتهم برفاق السوء خارج هذه المراكز، و47.1 بالمائة يكمن في عدم تقبل المجتمع لهم والنظرة السلبية لهم بعد خروجهم، فيما أفاد 51.6 بالمائة أن السبب هو غياب الرادع المجتمعي والديني”.

حين نعرف ان عدد سكان الأردن عشرة ملايين نسمة، من بينهم سبعة ملايين ونصف المليون أردني تقريبا، ونقرأ عن مليون مجرم في خمس سنوات، بعضها جرائم مكررة من جانب نفس الأفراد، ندرك أننا أمام كارثة اجتماعية واقتصادية واجتماعية، لان الرقم مذهل مقارنة بعدد السكان، كما أن مبررات الجريمة بحد ذاتها مخزية ومؤلمة ومهينة، خصوصا، حين يقول لك أكثر من 30.4 بالمائة إن السبب هو توفر العيش في السجن دون مقابل، أي توفر مكان للنوم، وتناول الطعام المجاني، وهذا يعني ان الجوع يدفع الأفراد للتورط في جريمة، من أجل الهروب من الحياة العادية، نحو مكان آمن تتوفر فيه مقومات الحياة بحدودها الدنيا كما السجون.

هذه الأرقام عن خمسة سنوات ماضية، ولا نعرف ماذا حدث بعد عام 2017، لكن دون التورط في الانطباعات غير العلمية ايضا، فإن الرقم بالتأكيد أعلى، إذ أن عدد السكان يزيد، والعقوبات غير رادعة، والظروف الاقتصادية اسوأ بكثير، والذين خسروا اعمالهم، أو يعانون من البطالة أكبر، وهذا يعني أن الأرقام الآن أعلى، وسوف ترتفع مع كل عام يمر علينا في هذه البلاد.

في دول ثانية حين يرتكب مليون شخص جرائم في خمس سنوات، تتداعى كل الدولة لتحليل المشهد، لان الأسباب معروفة، لكن اللافت للانتباه أن لا أحد يحل الازمة من جذورها، بل يتم الاعتماد على مبدأ مكافحة الجريمة، وهو مبدأ لن يصمد مع كثرة الذين يرتكبون الجرائم، وعدم توفر أماكن أصلا في السجون، فوق اولئك المطلوبين على قضايا غير جرمية مثل التعثر القهري في سداد الالتزامات المالية، أو الشيكات، أو غير ذلك من قضايا.

بين عامي 2013-2017 سجلت 9 آلاف و874 تهمة سرقة بالنشل، و11 تهمة سرقة بنك، وألف و742 تهمة سرقة واقعة في بيت السكن، و119 حالة سرقة في دور العبادة، و4 آلاف و701 سرقة قطع مركبات ومكوناتها ولوازمها، و117 حالة سلب في الطريق العام ليلا من شخصين فأكثر باستعمال العنف، وألف و143 حالة سرقة أقدم عليها خدم البيوت.

وهذا مجرد تصنيف يضاف اليه بقية الجرائم، ونحن نقرأ كل يوم عن الجرائم، من سرقة حاويات النفايات لبيعها كخردة، وسرقة مناهل الشوارع، وشبكات الكهرباء، وصولا الى المخدرات، وترويجها، والقتل والسرقة وكل انواع العنف الاجتماعي، وحوادثه التي يتم الإعلان عنها يوميا، وصولا إلى سرقة دور العبادة، كما أشارت الدراسة ذاتها إلى 119 حادثة لسرقة دور عبادة.

دراسة توجب على مركز القرار في عمان، ان يعيد معالجة كل هذا الملف، فهو يؤشر على أردن جديد، تم إنتاجه، أردن لا نريده بهذه الصورة أبدا ايها السادة الكرام في عمان واخواتها.

 

زر الذهاب إلى الأعلى