هل ستنشب الحرب؟
بقلم: أ.د. غانم النجار

النشرة الدولية –

حبس العالم أنفاسه لمدة 13 يوماً في أكتوبر 1962، بانتظار مواجهة عسكرية محتملة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي، حول ما اشتهر باسم “أزمة الصواريخ الكوبية”، حيث بدأ السوفيات بنصب صواريخ في كوبا، التي تبعد 90 ميلاً عن شواطئ أميركا. درست تلك الأزمة بعمق، للتعرف على كيفية اتخاذ قرار الحروب، خاصة في زيارتي منذ سنوات لمكتبة كينيدي في بوسطن، حيث عرضت معلومات جديدة عن الواقعة لأول مرة، وتوفرت للباحثين تسجيلات كان الرئيس كينيدي يسجلها من تحت الطاولة دون علم مستشاريه. أطلق على الواقعة مصطلح “الحافة”، إلا أنها انتهت بتسويات سياسية أغلبها تم الكشف عنه لاحقاً. لا يوجد تشابه في التفاصيل بين “الحافة” وأزمة أوكرانيا، إلا من حيث أسلوب التصعيد وإجراءاته، أما الظروف المحيطة فمختلفة تماماً، وبالتالي يصبح التصعيد مدخلاً للحصول على تنازلات، فمن الصعب أن يسمح الفرقاء بحرب طاحنة في أوروبا، فكلهم خاسرون، لذلك سعت أوروبا لإطفاء سعير نار حروب يوغوسلافيا السابقة، التزاماً بشعار “لا يمكن تكرار ذلك”، بعد الدمار الذي حاق بأوروبا إبان الحرب العالمية الثانية.

لا جديد في الحروب من القوى العظمى، فهي غالباً ما تسعى للحروب بالوكالة. وقد حلت علينا ذكرى تدمير مدينة دريسدن الألمانية، في 13 فبراير 1945، حيث ألقي أكثر من 3400 طن من المتفجرات، من 800 طائرة أميركية وبريطانية، وقتل فيها أكثر من 25 ألف إنسان، مع أن النازيين حينها كانوا على وشك الاستسلام. لم تكن هناك قيمة استراتيجية تذكر لتلك المدينة. ومع أن الحلفاء قرروا القصف الشديد لمدن التصنيع الحربي النازي، إلا أن دريسدن لم تكن مركزاً للتصنيع الحربي، بل مدينة تاريخية بمبانيها ومعمارها، حيث أطلقوا عليها “فلورنسا الألب”.

من الواضح أنه عبر 3 آلاف سنة من تاريخ البشرية، فإن الحرب هي القاعدة والسلام هو الاستثناء، حيث لم يهنأ العالم بأكثر من 200 سنة من السلام. وبالتالي لا جديد لدينا هنا، خاصة أن لدينا في منطقتنا خزيناً مذهلاً من الحروب ونتائجها، وهي الأعلى في معدل الحروب بالعالم، ونتائجها الإنسانية المفزعة.

يفترض أننا في منطقتنا القريبة جداً، قد تعلمنا كثيراً من الحروب، فخلال العقود القليلة الماضية نشبت حولنا وعندنا حروب ضارية، بعضها دولي، وبعضها دولي – إقليمي، وبعضها أهلي. كل تلك الحروب كان من المفترض، على أقل تقدير، أن توجد جهازاً، غير مسيس، مستقلاً، يعالج الأمور بموضوعية. لكننا لا نتعلم ولن نتعلم.

صار علينا أن نبذل ما نستطيع لحماية أنفسنا وأوطاننا قدر الاستطاعة، ونسعى لإحلال السلام أينما كنا، فمستقبل السلام هش ومعرض بشكل دائم للانكسار.

زر الذهاب إلى الأعلى