حقيقة ما يحدث في صحيفة الرأي
بقلم: عمر العساف
النشرة الدولية –
أما قبل..
فلقد كسّرت قلمي منذ “لجنة سمير”، عندما كتبت يومها ما أنا موقن منه أيّما يقين، بأنه “لا فائدة”، ولم أر حتى الآن ما يوحي أو ينبىء بغير ذلك.
أما بعد..
لكنها “الرأي”.. وما أدراك ما “الرأي”! وما يدريهم ما “الرأي”..
هي الوطن بمختلف تفاصيله.. التي أبت عليّ إلا أن أخرج عن صمتي..
أمسكت كثيرا عن الكتابة.. لكن ما حدث.. ويحدث.. يخرجك عن طورك ويحطم كل الحواجز التي تضعها لكي تنأى بنفسك عن هذا الـ…..
وبَعد البَعد..
سأصرم نفسي عن الغضب المتدافع، وأمنعها عن الكثير مما يجب أن يقال (هذه المرة فقط.. فإن عادوا عدنا).
وسأقفز عن كثير من المحطات، وأحرق المراحل وأجوز عن الصغار (الحكومة أقصد) وعن تخرصاتهم، وأحاول جهدي التحدث بمنطق النصح، إبراءً للضمير..
غير أن تفصيلا صغيرا عند الحكومة استوقفني، وهو تصريحات رئيسها ووزير إعلامه المتعلقة بـ”الرأي”، ورغم أنهما لا يملكان من أمرهما شيئا، وإن امتلكا.. فلا قدرة لديهما على الإتيان بفعل حميد.
يفهم من تصريحات هذين المسؤولين أن الحكومة قد نفضت يديها من “الرأي” وتحللت من أي مسؤولية حيالها، وحيال الصحافة المطبوعة بعامة.
ولن أتعرض هنا للرد على الحكومة ولا تعريتها وتحميلها، وغيرها من مراكز السلطة، (ليس الآن على الأقل) وزر ما آلت إليه أوضاع “الرأي” والصحافة المطبوعة والإعلام الأردني.
لكنني سأوجه حديثي لصاحب الأمر.. لعل وعسى.
وفيما أختزل صفحات وصفحات للحديث عن “الرأي” وما مثلته وما تزال تمثله في وجدان الأردنيين، وما أصابها من تراجعات متتالية بفعل التدخلات من مختلف مراكز السلطة بلا استثناء، إلا أنني أرى، وغيري كثيرون، أن هناك توجهات وممارسات من جهات متنفذة في السلطة لتهديم وتحطيم إحدى أهم وأبرز قلاع الدولة الأردنية بقصدية وتعمد.
حسنا.. ماذا بعد؟
بتقديري أنه ما يزال هناك بصيص من أمل، وضوء جِدذُ خافت، لانتشار “الرأي، وشقيقاتها، من وهدتها، إن كان هناك نية أو اهتمام بذلك.. حتى لا يتحسروا لاحقا ويقولوا “يا ليتنا”.
ما المطلوب لإعادة “الرأي” إلى الساحة وإنقاذها مما هي فيه من تردي الأوضاع المهنية والمالية؟
بتقديري، المطلوب هو التالي:
أولا: كفّ يد جميع مراكز السلطة، بلا استثناء، عن التدخل في الخط التحريري للصحيفة وتركها تفعل ما تراه مناسبا بما يتفق مع المعايير المهنية للصحافة، وأن تقدر إدارتها الصحفية “المصلحة العامة” بعيدا عن التدخلات والإملاءات.
هذا يتطلب أمرا واضحا وصريحا وحازما وصارما للجميع بالامتناع عن التدخل بأي صورة، وكذلك رفض الاستماع إلى الغمز واللمز والتشكيك والدس بتوجهات الصحيفة وإداراتها الصحفية وصحفييها.
ثانيا: تصفير الديون التي تثقل كاهل المؤسسة الصحفية الأردنية (الرأي والجوردان تايمز والمطابع التجارية).
وهذا يفترض أن يحدث من خلال شطب ديون “الضمان الاجتماعي” على المؤسسة، ولا ننسى هنا أن سوء إدارة “الضمان” (التي تمثل الأغلبية في مجلس إدارة المؤسسة)، أحد أبرز أسباب انكفائها وتراجعها وتحميلها الكثير الكثير من المديونية.
أما ديون البنوك، فيجب التدخل لدى هذه البنوك وإقناعها بمقايضة ديونها بالإعلانات، ولو استمرت هذه المقايضة سنوات، في الصحيفة المطبوعة وموقع الرأي الإلكتروني وتفرعاته عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
ثالثا: تعيين ممثلين لـ”الضمان الاجتماعي” على قدر من الكفاءة والمهارة في إدارة الأعمال وليس أصحاب دكاكين، ويعلمون جيدا أهمية دور الصحافة، وماذا تعني “الرأي” للدولة وللشعب وماذا تعني خسارتها، لا يتدخلون إلا بما هو في نطاق صلاحياتهم ولا يجاوزونها، ولا يبحثون عن تحقيق مآرب شخصية ومنافع ضيقة.
ونحن نعلم أن الكثير من أعضاء مجالس الإدارات الفاشلة التي هبطت على “الرأي” في العقد الأخير، جاءوا بتعيينات من الحكومة، وجلّهم من باب التنفيعات، ممن لا يفقهون شيئا لا في الإعلام ولا في إدارة الأعمال.. فعاثوا في “الرأي”.
وكذا الأمر فيما يخص إدارة المؤسسة، التي يجب أن تفهم جيدا أن مهمتها تكمن في خدمة الصحيفة والصحفيين وتيسير جميع السبل ليؤدوا واجبهم الإعلامي بحرية ويسر.
رابعا: هنا نأتي إلى إدارات الصحيفة وكوادرها الصحفية..
فمطلوب من رئيس التحرير أن يقدم لصاحب الأمر (ليست الحكومة طبعا) برنامجا زمنيا مرحليا، على ثلاثة مديات: قصير ووسيط وبعيد (السنة الأولى والسنة الثانية والسنة الثالثة).
في هذا البرنامج يضع رئيس التحرير خطته التي تتضمن توصيفا حقيقيا وواقعيا للأوضاع، والتحديات التي تواجهها والسبل والخطوات والآليات الواجب تنفيذها لتخطي العقبات وكامل الاحتياجات لتحقيق ذلك.
ولا ننسى هنا أن “الرأي” قد فُرِّغت، على مدى السنوات الماضية من كثير من نخبها الصحفية والمهنية القديرة المشهود لها بالمهنية والاحتراف وطول الباع. ناهيك عن الأقلام التي كسِّرت وأبدلت بـ…..
هذه الخطة، على رئيس التحرير أن يتقدم بعد انتهاء كل مرحلة زمنية بتقرير وافٍ يفصل حجم المنجز مما تعهد به، ويبين أسباب عدم التمكن من إنجاز ما لم ينجز، بعيدا عن الذرائعية وتعليق الأخطاء على مشجب الآخرين. شريطة حمايته ممن يضعون العصي في الدواليب.
ولكي يستطيع تحقيق ما يتعهد به، يجب تأمينه بكل ما يحتاج، من كوادر مؤهلة ودماء جديدة، وتدريب فاعل ومعمق يسد الثغرات ويرفع من مستوى الكوادر الصحفية والتحريرية والفنية بما يتساوق وتحقيق الأهداف المرسومة. وأجهزة ومعدات لازمة، تأخذ بالحسبان التفوق كذلك في الصحافة الإلكترونية.
وهنا حتى لا يقول قائل: وهل بقي للصحافة المطبوعة دور؟ أجيبه بنعم كبيرة..
فما يهم الناس ليس الوسيط الإعلامي بقدر ما يعنيهم المحتوى الإعلامي.. أن يجدوا محتوى يجيب على تساؤلاتهم ويدافع عنهم وعن حقوقهم وآمالهم وطموحاتهم وأحلامهم وينقل آلامهم ومعاناتهم، ويكشف مواطن الفساد والغبن والخلل والأخطار في أجهزة الدولة وفي القطاع الخاص وفي المجتمع، ويؤمن للمواطن حقه في الحصول على المعلومة الصحيحة الدقيقة.. وتزويده بالشرح والتفسير والتحليل بما يجعله قادرا على الحكم على الأشياء وهو على بينة من أمره.
وهذا ما يجب على “الرأي” وشقيقاتها، ومختلف وسائط الإعلام، التركيز عليه، ولعل المساحة التي تتوافر للصحافة المطبوعة بما لديها من كوادر صحفية، لا تستطيع غيرها من وسائط الإعلام (محطات تلفزة وإذاعة ومواقع إخبارية) وحتى وسائل التواصل الاجتماعي، أن تنافسها فيها.
وأعني هنا التحقيقات الصحفية والتحليلات والتقارير الوازنة المعمقة.. هذه المساحة لا أحد يستطيع مجاراة الصحافة المطبوعة (وأذرعتها الإلكترونية) فيها.
المحتوى الإعلامي الجيد الذي يستجيب لما يهم الناس و”يمكث في الأرض” بالضرورة سيؤدي إلى تحسن التوزيع وزيادة عدد القراء، ما يعني بالضرورة زيادة حجم الإعلان، لأن المعلن الذكي يعرف أين يروج لإعلانه، ويقرأ ويعرف جيدا المواضع التي يجب أن ينشر إعلانه فيها.
والمسألة ليست مجرد ضربة عصا ساحر أو كبسة زر.. الأمر أعمق من ذلك، يحتاج إعادة تأهيل الكوادر جميعا وتحفيزها لتقديم الأفضل ونيل رضا الجمهور (فالمعلِن لاحقا) وحسن إدارة جميع العمليات المرتبطة بإصدار الصحيفة، من ترويج وتوزيع وانتشار.
وهو ما يتطلب منح رئيس التحرير فسحة زمنية مبرمجة ومحددة لتحقيق الأهداف.
فإن فشل رئيس التحرير.. في أي مرحلة.. يستعاض عنه بمن هو أقدر على التصدي لهذه المهمة الصعبة ويحملها بقوة.