روسيا تلوح بالتحرك العسكري وتطالب الولايات المتحدة بسحب قواتها من وسط أوروبا ودول البلطيق
حذرت روسيا الولايات المتحدة، وتوعدتها بالتحرك، ولو عسكريا، في حال رفضت مطالبها الأمنية الرئيسية، مكررة مطالبها بسحب قواتها الأمريكية من وسط أوروبا وشرقها ودول البلطيق.
وكتبت الخارجية الروسية ردا على اقتراحات أمريكية في شأن محادثات حول الأمن الأوروبي “في غياب استعداد لدى الجانب الامريكي للتفاهم على ضمانات قانونية راسخة لأمننا، ستكون روسيا مضطرة الى التحرك، وخصوصا عبر تنفيذ اجراءات ذات طابع عسكري وتقني”.
وشددت موسكو في هذا السياق على “انسحاب كل قوات الولايات المتحدة واسلحتها المنتشرة في وسط أوروبا وشرقها، في جنوب شرق أوروبا ودول البلطيق”، وتوقعت ايضا اقتراحات من الغربيين تهدف الى “التخلي عن أي توسيع مقبل لحلف شمال الاطلسي”.
واذ رحبت روسيا باستعداد الولايات المتحدة “لعمل معمق على اجراءات مراقبة للأسلحة وتقليص للأخطار”، أكدت أن هذا الأمر لا يمكن أن يتم إلا إذا كانت المطالب الروسية الرئيسية مطروحة للنقاش ايضا.
وفي الوقت نفسه جددت روسيا التأكيد الخميس أنها لا تخطط لاجتياح أوكرانيا، رغم نشر أكثر من مئة ألف جندي روسي عند حدودها ما يثير مخاوف لدى الدول الغربية من عملية عسكرية وشيكة ضد كييف.
وقالت وزارة الخارجية الروسية في رد على اقتراحات أمريكية لإجراء مباحثات بشأن الأمن الأوروبي “لا يحصل أي اجتياح روسي كالذي يعلنه منذ الخريف الماضي مسؤولون أمريكيون وحلفاؤهم، ولا يخطَط له”.
حذر الرئيس الأمريكي جو بايدن قبل مغادرته البيت الأبيض لزيارة قصيرة لولاية أوهايو، من أن خطر اجتياح روسي لأوكرانيا “عال جدا”.
وتكثف واشنطن من التحذيرات بهذا الشأن وتؤكد أن روسيا لا تسحب قواتها من الحدود الأوكرانية كما وعدت، بل تستمر على العكس بتعزيز انتشارها.
وأعلنت الخارجية الأمريكية الخميس أن روسيا “طردت” المسؤول الثاني في سفارة الولايات المتحدة في موسكو بارت غورمان منددة “بتصعيد” على خلفية الأزمة المتعلقة بأوكرانيا. وقال ناطق باسم الخارجية الأمريكية لوكالة فرانس برس “ندعو روسيا ألى وقف عمليات طرد دبلوماسيين أمريكيين، بدون أساس” و”ندرس ردنا”.
اتهمت الخميس الدول الحليفة في كتلة الناتو روسيا بتضليل العالم ونشر “معلومات مضللة” بشأن تحرك قواتها العسكرية بالقرب من الحدود مع أوكرانيا بعد أن أعلنت موسكو سحب بعض القوات نحو القواعد. وقال الحلفاء إن موسكو قامت بتعزيز قواتها متهمين موسكو بالقرب من حدودها المتوترة مع أوكرانيا بحوالي 7000 جندي إضافي.
تتزايد المخاوف الغربية من غزو روسي وشيك لأوكرانيا بالرغم من بعض المؤشرات الإيجابية هذا الأسبوع بعد إعلان موسكو تخفيض حدة التوتر في الأزمة وإنهاء التدريبات العسكرية في المنطقة وسحب بعض القوات من القرم. تصاعدت التوترات الخميس على طول الخط الفاصل بين القوات الأوكرانية والانفصاليين المدعومين من روسيا في شرق البلاد، حيث اتهمت الأطراف بعضها البعض بقصف مكثف.
وعادت مؤشرات التوتر للظهور مجددا بعد حشد روسيا ما يزيد عن 150 ألف جندي بالقرب من أوكرانيا. في نفس الوقت عرض الكرملين الاستمرار في متابعة الحلول الدبلوماسية بين جميع الأطراف ما رحب به رئيس الناتو. وقال الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ الثلاثاء إن الإشارات الصادرة عن روسيا لمواصلة السبل الدبلوماسية بشأن أزمة أوكرانيا أمر إيجابي لكن لا تتوافر أي مؤشرات إلى أن موسكو تسحب قواتها من الحدود.
والخميس تراجع ستولتنبرغ عن تفاؤله بعد اجتماع استمر يومين لوزراء دفاع الحلف في بروكسل وقالإن الحلف يشعر بالقلق من أن تحاول روسيا اختلاق ذريعة لغزو أوكرانيا، وذلك في معرض تعليقه على تقارير عن قصف عبر خط وقف إطلاق النار في منطقة دونباس بشرق أوكرانيا. وأضاف للصحفيين “نشعر بالقلق من أن روسيا تحاول اختلاق ذريعة لشن هجوم مسلح على أوكرانيا، ولا يوجد حتى الآن وضوح أو يقين بشأن النوايا الروسية”.
من جهته، أعلن الكرملين الخميس أن عودة القوات المشاركة في مناورات عند حدود أوكرانيا إلى ثكناتها سيستغرق وقتا، فيما يتهم الغرب موسكو بالإبقاء على انتشارها العسكري وحتى تعزيزه.
وقال المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف للصحفيين إن “وزير الدفاع أفاد في الواقع أن بعض مراحل التدريبات تشارف على نهايتها، وأن العسكريين سيعودون تباعا إلى قواعدهم” مشددا على أنها “عملية تمتد في الزمن”. وذكر بأن عملية نشر القوات التي بدأت في كانون الأول/ديسمبر تمهيدا للمناورات العسكرية البرية والجوية والبحرية في محيط أوكرانيا، استغرقت عدة أسابيع.
وتابع بيسكوف أن العسكريين “لا يمكنهم بكل بساطة أن يقلعوا ويطيروا جميعا في الوقت نفسه، هذا يتطلب وقتا”، مؤكدا أن لدى وزارة الدفاع “جدولا زمنيا” للانسحاب.
تشكيك غربي في نوايا بوتين
يشكك الغربيون في نوايا روسيا ويتهمونها بالتحضير لشن هجوم على أوكرانيا، مؤكدين أنهم لا يملكون أي دليل على خفض التصعيد. واتهمت لندن موسكو بـ “فبركة حجج لاجتياح” أوكرانيا. وقالت وزيرة الخارجية البريطانية ليز تراس قبيل زيارتها كييف الخميس إن بريطانيا ستستمر “بفضح حملة التضليل الروسية”. وتابعت أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد يطيل أمد أزمة أوكرانيا لشهور في محاولة لتحدي الوحدة الغربية.
وكتبت تراس في صحيفة ديلي تلغراف تقول “لا توجد دلائل في الوقت الحالي على أن الروس ينسحبون من المناطق الحدودية قرب أوكرانيا”. وأضافت “يجب أن لا تكون لدينا أوهام فروسيا قد تطيل أمد الوضع لفترة أطول كثيرا في خدعة جريئة لقضاء أسابيع أخرى إن لم يكن شهورا في تخريب أوكرانيا وتحدي الوحدة الغربية”.
وبشأن تمركز القوات الروسية قالت تراس “بعكس بعض التصريحات، شهدنا زيادة في القوات خلال الـ 48 ساعة الماضية”.
توافق تصريحات مسؤولة الدبلوماسية البريطانية مع ما أعلنه مسؤول في الإدارة الأمريكية في اليوم السابق. حتى أن وزير الدفاع البريطاني جيمس هيبي وصف ادعاء روسيا بسحب قواتها بأنه “معلومات مضللة”.
كذلك ألمانيا التي قالت وزيرة دفاعها كريستينه لامبرشت الخميس إن بلادها لا ترى أي مؤشر على سحب روسيا لقواتها من الحدود الأوكرانية، وإنه يتعين على موسكو أن تفعل ذلك بسرعة لتهدئة الموقف، وإلا ستواجه عواقب وخيمة. ودعت لامبرشت إلى انسحاب فعلي.
وقالت للصحفيين عند وصولها إلى اجتماع لوزراء دفاع حلف شمال الأطلسي في بروكسل “لم نر ذلك بعد، وهذا هو ما ننتظر حدوثه. هناك أقوال حتى الآن، ولا نرى أي أفعال بعد”. وأضافت “يجب عليهم تنفيذ ما قالوه بشكل عاجل ونوجه نداء ملحا لروسيا بأن تساهم في خفض التصعيد. وإلا ستكون هناك عواقب اقتصادية وسياسية وخيمة”.
وفي حين حذر الغرب من أن خطر الغزو لا يزال مرتفعا، لم يقع أي هجوم الأربعاء، كما كان البعض يخشى. بل بالعكس أعلنت موسكو عدة مرات هذا الأسبوع سحب قواتها من بعض المناطق، لكنها لم تقدم أي تفاصيل تسمح بإجراء تقييم مستقل لنطاق واتجاه القوات العسكرية الروسية.
لم ينتظر الناتو طويلا وقام بنقل القوات والمعدات العسكرية إلى أوروبا الشرقية، في عرض يهدف إلى ردع أي عدوان روسي والتأكيد على نيته الدفاع عن الأعضاء الشرقيين في الناتو. وقامت الولايات المتحدة بنشر 5000 جندي في بولندا ورومانيا، ووضع حوالي 8500 أخر في تأهب. كما أرسلت بريطانيا مئات الجنود إلى بولندا وسخرت المزيد من السفن الحربية والطائرات. وفي إستونيا تضاعفت أعداد القوات العسكرية، كما أرسلت ألمانيا وهولندا والنرويج قوات إضافية إلى ليتوانيا. وقدمت الدنمارك وإسبانيا طائرات للشرطة الجوية في منطقة بحر البلطيق.
وبينما يستعد الناتو لغزو روسي محتمل، تستعد أوكرانيا أيضا للمواجهة بعد تصاعد التوترات في شرق البلاد حيث يقاتل الانفصاليون المدعومون من روسيا القوات الأوكرانية منذ العام 2014.
وأفادت الحركات الانفصالية في منطقة لوهانسك عن زيادة القصف الأوكراني على طول خط المواجهة المتوتر، ووصفته بأنه “استفزاز واسع النطاق”. وقال المسؤول الانفصالي روديون ميروشنيك إن قوات المتمردين ردت بإطلاق النار.
من جهتها نفت أوكرانيا ما وصفته بـ الادعاءات الكاذبة وقالت إن الانفصاليين قصفوا قواتها التي لم ترد. واتهمت القيادة العسكرية الأوكرانية بأن قذائف الانفصاليين استهدفت مبنى روضة أطفال في ستانيتسا لوهانسكا، وأدت لإصابة مدنيين اثنين وقطع التيار الكهربائي عن نصف المدينة.
ومن المتوقع أن تقدم بعثة مراقبة تابعة لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا تقييمها للوضع في وقت لاحق الخميس.
يشعر الكثير في الغرب بالقلق من أن اندلاع الاشتباكات في شرق أوروبا يمكن أن تستخدمه روسيا كذريعة للتوغل عبر الحدود، على الرغم من عدم وجود أي مؤشر حتى الآن على حدوث ذلك. بدورها، أعربت روسيا عن مخاوفها من أن القوات الحكومية الأوكرانية، بتشجيع من الغرب، قد تشن هجومًا لاستعادة السيطرة على مناطق المتمردين، ما تنفيه السلطات الأوكرانية.
ساعد اتفاق أبرم عام 2015 بوساطة فرنسا وألمانيا في إنهاء أسوأ المعارك في شرق أوكرانيا ، لكن المواجهات المنتظمة استمرت وتعثرت التسوية السياسية. ومن المقرر أن يعقد مجلس الأمن الدولي اجتماعه السنوي بشأن هذه الاتفاقية الخميس.
تنفي روسيا اتهامات غزو أوكرانيا لكنها تقول إنها تنشر قواتها البحرية حيثما ترى ذلك ضروريا لمواجهة تهديدات الناتو. وتريد من الغرب إبقاء أوكرانيا والدول السوفيتية السابقة الأخرى خارج الناتو، ووقف نشر الأسلحة بالقرب من الحدود الروسية ودحر القوات من أوروبا الشرقية، وهي المطالب التي رفضها الحلفاء رفضًا قاطعًا.