قراءة متواضعة في كتاب: «قراءات فلّاح» للكاتب يوسف طراد؟

 

النشرة الدولية – رنا سمير العلم –

هل تريدون قراءة ٦٥ من كتاب لبنانيين وتونيسيين وجزائريين في كتاب واحد ؟

هل تريدون قراءة ٩٧ من مطالعات كاتب؟

هل تريدون قراءة كاتبٍ فلّاح ؟

عن اي فلاح يتكلّمون ؟

عن فلاح يهزّ المعول بيمينه والكتاب بيساره ؟

عن فلاح يرتقي الى مرتبة كاتب مفكّر، عن ناقد واديب جعل من القلم سلاحه ومن الحرف علمه ومن الحب زاده ومن النّشاط الفكريّ سبيله؟

قرأتُ لكم كتبا عدة في كتاب :”قراءات فلّاح” للكاتب يوسف طراد الصادر عن منتدى شاعر الكورة الخضراء بطبعته الاولى عام ٢٠٢١.

تأخذك صورة الغلاف الرائعة للفنان مارون رزق، الى رحب الكتب، الى صدر عقل الكاتب الموهوب والناقد المؤدب.

يحتوي الكتاب على نصوصٍ نقدية لكتبٍ قرأها الفلّاح يوسف بين عامي ٢٠١٩ و٢٠٢١. نُشِرَ منها ٣٦ مطالعة في جريدة النهار و٦١  في موقع mon Liban.

مجموعها ٩٧ نص، حصّة الاسد فيها للكاتب ملحم الرياشي (٦ نصوص) لماري القصيفي(٥) و٣ نصوص لكل من الكتّاب انطوان سعد ، سوزان عكاري، ناتالي الخوري غريب وايلي صليبي

نصان لكل من الكتّاب ناجي النعمان، مارلين سعادة، جنان خاشوف، منصور عيد، إميل منذر ،عمر سعيد، ليندا نصّار، رشيد درباس نصر الظاهر، شربل شربل وميشال الشماعي .

تنوّعت الكتب ما بين الرواية الادبيّة والتاريخية والادب الحديث وادب الحرب والتهجير وادب الميليشيات والادب الريفي والسياسي والادب التراجيدي والادب الكوميدي وادب الهجرة والسيرة الذاتية والدواوين الشعرية والخواطر الوجدانية والكتب المترجمة والقصص العاطفية وقصص الحرب والقصائد الشعرية والمقالات الصحفية….

اما المواضيع، فكان للحرب اللبنانيه الحصة الكبيرة منها ومن ثم الحياة الاجتماعية والسياسية والدينية والثقافية والفن والمقاومة ودور المرأة  الشرقية العصرية والحب والحرب والاقطاع والانتداب والهجرة والقيود الفكرية والحياة الرهبانية والصوفية والزمن الجميل واضطهاد الارمن والحنين وحرية التعبير والصراع بين الخير والشرّ والمرض والعيش المشترك والانسان والحرية والمعاناة والمرض ….

هل تعلمون من هو يوسف طراد؟

يلفتك تعريف الأستاذ ناجي النعمان الذي  قدّم للكاتب  وابدع في اختيار عنوان الكتاب وما كتبته الشاعرة  ميراي شحادة فيه بقلم من حبّ.

قرأ يوسف طراد لعدة كتّاب منهم على سبيل المثال لا الحصر :

ميراي شحادة، جورج عقيص، الكسندر نجّار، جوزيف ابي ضاهر ، حكمت حسن، الاب يوحنا الحلو، إقبال الشايب غانم، أمين ألبرت الريحاني، سمير ذكي، جورج يرق، جوزيف مخلوف، جبّور الدويهي، الشهيد سليم اللوزي، مجيد طراد، ماري عنداري، بطرس عنداري، ريزا ميشال داوود، رمزي توفيق سلامة، ميشال ابو راشد، غابرييل شليطا، مروان ابو فرّاج،  شبل عيسى الخوري ، مالك ابي نادر ، عبد الوهاب عيساوي ، فتحيّة دبش، مارلين مسعد، جان توما ، مازن عبّود، جان نعّوم،  سامي معروف، عبد الحليم حمّود، بطرس حبيقة، كلوفيس الشويفاتي، ايلي مارون خليل وروي ابو زيد.

وللكتاب عبير عربيد ، تريز اجريس، ميشلين مبارك، جورج الشوفاني، كارولين زعرب،  عائشة بنّور،  نورما عبد الباقي …

لكن من هو يوسف طراد ليكتب عن كلّ هؤلاء؟

يوسف طراد هو ذلك الطفل الذي عاش فقيرًا بالثياب فأصبح غنيّاً بالأدب، هو ذلك الفتى الذي لم يأكل الموز قبل سنّ السابعة عشرة لكنّه ذاق التربية الاخلاقيّة العالية، واحبّ الارض التي جبلها بعرق جبينه واحبّ الوطن الذي اهداه سنوات شبابه واحبّ التمريض لخدمة جيش وطنه.

هو لم يأكل فاكهة الموز بل فاكهة الكتب التي قرأها، فقرأتُها بعينيه وفهمتُها بقلبه، هو الذي اصبح ضليعًا بكل مكوّنات الكتب من سرديّتها الى نقدها،فأصبح يلجأ اليه الناشر والكاتب ليقرأ فيه وعنه، لان لا تُخفى عليه ايّ قطبة فيها.

شعرتُ بعطر كلماته يفوح عبر نقده، هو الذي عمره من عمر ال ٩٧ كتابًا التي قرأها بشغف حروفه ومن كهف مكتبته،وجدران كلماته ومن رموز نقده لانّ الكتاب لغّة وجوده.

رغم وداعة “برحليونه” اصيب كاتبنا بعاصفة الادب فشرد بين اسرارها يُقلّبُها ويكتب فيها، يُجمّلُها بحبرِهِ، ويعانقُها بقلمِه، ويسكَرُ بمضمونها ويشربُ نبيذَ كلماتها ويصنعُ منها نجوماً تليقُ بهِ.

لم يعرف سوى النقد البنّاء لا الجارح، كتبَ بألوان قوس قزح الزهيّة، حاملاً لنا معجماً عن قراءاته التي حوّلتْ تراب الكلمات الى حروفٍ ذهبيّة.

حملَ الكتب واعطاها قيمةً لا يعرفها سوى الكاتب نفسه والقارئ. ملأَ قلمُه صفحات زمانه بالحروف المنيرة فسطعَتْ شمسُهُ في عالم الادب وتألّقَ قلمُهُ بمضمون كتابه، وهلّلَ المثقّفون لنتاجه حيث كشف مكامن الجمال في كلّ نصٍّ قرأهُ.

كرّس وقته خدمة للأدب وللثقافة اللبنانية التونسية الجزائرية خصوصاً والعربية بشكل عام وللإنسانية بشكل خاص.

حلّق بنا بأجنحته الفكرية ليُطلعنا على رؤيته في كلّ كتاب او نتاج فكريّ فكان قلمه معبره الحقيقي الى النور الفكري على مصراعية، محرّراً مُطلقاً احرفه عبر سيل مذابح الورق فيشفي غليله من عطره.

صرنا نطوف معه من كتاب الى آخر وقلمه ينسابُ على درب النقد والحكمة ليصبح حارساً لشعلة الخبر الراقي والايمان بنور الكتب التي ترتقي بنا الى اعلى مراتب الإنسانية.

لم يولد كاتبًا بل صار عميد الكتاب عبر عصارة فكره على الورق من خلال الزّرع الذي حصد حبوبه حبّة حبّة، فحصدَ جميعنا محصوله .

كتبَ خمر الكلام فشربناه من عينيه. حملنا يوسف طراد عبر مراكب الكتابة واوصلنا الى شاطئ ترسو عليه المراكب الفكرية حيث الملاذ للحرية فقط، من رحلة من عمر الكِتاب.

كيف لا والكتابة كانت منطلقاً لنهضة الشعوب في العالم ؟

يوسف طراد يكتنِزُ علماً وثقافة وانفتاحاً وتجرّداً

هو جسر عبور القارىء الى فحوى الكتب، هو نبع لا ينضب منذ اكتشافه الحرف والقلم في غياب الحصاد الثقافي.

بنى كل حجر بمحبة واتقان من سرد الفكر عبر حبر قلبه وروحه الى القلم فنقل زبد الكتابة الى صفحات كتابه بروح محمّلة بأريج النقد السّاحر حين يكتب الحقيقة العارية من التّصنّع بكل دقة وامانة وحبّ.

يعشقُ الكتاب ويدركُ سرّ فحواه لا يدور ولا يلف ولا ينظر الى القشور بل يكتب في الصميم .

تختلط كتاباته بعبق الارز، يعيش مع ابطال الروايات يرسم ملامح الشّعر عبر سمفونيّة الحبّ، يبتسمُ وينشُدُ فيرتفع صوت الحب من مساكنه الى العلياء والحرب من اتونها والدراسات من عزلتها ( العنبر اللبناني) والموت من قبره والحنين من محبرته فيبدّدُ بحبره الظلام عن كتبٍ قرأناها ولم نلتفتْ اليها فيعيدها الينا بنظرة الكاتب بألوانٍ زهيّة ويبدّد عنها غبار الايام.

إنّه الكاتب المعجزة -يوسف طراد-

بين الحجارة والكتب خيط رفيع عمّرها بعينين ثاقبتين بعيني الاب الرّوحي للكتب التي قرأها، لا عنوان لها سوى جنون محبرته.

هو لقاء ازليٌّ بين الحبر والفكر لاقاه يوسف طراد على الورق بين موج الفكر وصخورالمعرفة وحجارة الثقافة فوصلتْ القراءة الى شرايينه واصبحت الاوكسجين في حروف كتابه يُغذّيها عبر كل حرف تقع عليه عينه.

القراءة اعطته الحياة الابدية، لكاتبٍ تليقُ به سماوات الابداع الكتبي وكل الابواب المشرّعة عليها من حروف فكره ورياحين قلبه وعطر روحه .

حملنا الكاتب عبر قطاره في رحلة في كل محطة لا تُشبِه غيرها من محطّات الكتب.

لقد صدقت الشاعرة ميراي شحادة حين كتبت عنه :” الفلاح الزّاهد في سماء وتربة هذا الوطن .”

يوسف طراد ركب موج الكتابة عبر يراع القلم الى سفينة الحلم فالحقيقة.

هنيئا لنا هذا الكاتب المبدع.

الف شكر على الهديّة القيّمة.

دام قلمك الراقي

زر الذهاب إلى الأعلى