“البحث عن علا”.. يحلل أزمة منتصف العمر والانقلاب المفاجئ في حياة الإنسان
الجمهور يبحث هو الآخر عن علا ومجتمعها الذي كان يشبهه
النشرة الدولية –
العرب – حنان مبروك –
عادت الممثلة هند صبري بعد عشر سنوات من مسلسلها الشهير “عايزة أتجوز” لـ”البحث عن علا” في مسلسل جديد يحمل اسم الشخصية التي لعبتها منذ عقد، وفيما تحاول علا استرداد شخصيتها التي غابت بفعل الزواج ومشكلاته، مستمدة من الطلاق قوة تدفعها نحو التغيير، حاول جمهور المسلسل الذي يتابعه منذ جزئه الأول البحث عن علا ومجتمعا الذي كان يشبهه إلى حدّ كبير.
عرضت منصة نتفليكس منذ الثاني من فبراير الجاري مسلسل “البحث عن علا”، الذي يأتي على شكل دراما قصيرة امتدت على ست حلقات وتقوم على شخصيات المسلسل التلفزيوني الشهير “عايزة أتجوز”، فهي بمثابة جزء ثان منه.
واشتهر المسلسل الكوميدي “عايزة أتجوز” بشخصية علا عبدالصبور، الشابة التي تسارع الزمن باحثة عن أيّ فرصة للزواج قبل بلوغها الثلاثين من العمر ووصمها من المجتمع بلقب “عانس”.
وضم المسلسل شخصيتين فقط من الجزء الأول وهما هشام زوج علا (هاني عادل) وأمها سهير (سوسن بدر)، أما باقي فريق العمل فتغير تماما مع تغير الأحداث، حيث ظهرت ندى موسى التي تلعب دور صديقة علا، ومحمود الليثي، شريكهما في المشروع، وأحمد طارق نور الذي لعب دور مروان، دكتور القلب وصديق العائلة، بالإضافة إلى ضيوف توزعوا على حلقات مثل خالد النبوي وبيومي فؤاد وفتحي عبدالوهاب، والمسلسل في جزئه الثاني من تأليف غادة عبدالعال وإخراج هادي الباجوري.
قصة ضد التوقعات
انتظر جمهور الممثلة هند صبري عشر سنوات بأكملها لتقدم لهم جزءا ثانيا من “عايزة أتجوز” ولطالما طالبها عدد كبير من محبيها باستكمال القصة الكوميدية التي لا يزالون إلى اليوم يعتمدون مشاهد منها للسخرية من التعامل العربي مع المرأة ومسألة الزواج، وبينما ابتهج محبو المسلسل بإعلان عرض جزء ثان منه، متوقعين أن تظهر لهم علا بعد زواجها من أحد أبناء الطبقة المتوسطة من المجتمع أو لمَ لا الطبقة الكادحة الشبيهة بالكثير من العائلات العربية التي فقرتها الأوضاع الاقتصادية، إلا أن هند صبري قدمت صورة مختلفة تماما، قد تكون منطقية ضمن السياق الدرامي للمسلسل لكنها لم تلق استحسان الجمهور.
تحكي القصة الجديدة لعلا عبدالصبور امرأة تقترب من سنّ الأربعين، تعيش حياة هادئة روتينية، تمتلك وزوجها منزلا وسيارة في إحدى الأحياء الراقية، تدرس ابنتهما في مدارس خاصة ويعيشون حياة مترفة نسبيا بفضل الاقتراض من البنوك وتقسيط كل ما يمكن.
وأثناء ذلك يقرر زوجها الانفصال دون منحها أسباب منطقية من وجهة نظرها، سببه الوحيد وراء ذلك أنه يشعر بالملل وغير سعيد، خاصة بعد مروره بأزمة صحية عنيفة، جعلته يشعر أن عمره يُسرق منه، لذلك رأى أن الابتعاد قليلا عن مسؤولياته كزوج وأب سوف يمنحه سعادة جديدة وحياة مختلفة، وبالفعل بمجرد تركه لمنزله والبدء في إجراءات الطلاق، يتعرف على فتاة تصغره بسنوات كثيرة وينغمس في تحقيق أحلامه التي كانت مؤجلة بفعل الزواج.
الزوج يرى أن كل ذلك من حقه، رغم تغيّر موقفه في آخر المسلسل، إلا أن زوجته علا كانت تصر على وصف تصرفاته هذه بأزمة منتصف العمر وأنه ينفذ ما جاء في كتاب يحمل العنوان نفسه.
وفي رحلتهن للبحث عن علا، انقسمت المشاهدات إلى مجموعات متضادة، فمنهن من رأت في الفتاة علا نموذجا للمرأة الانهزامية التي تخلت عن أحلامها وطموحاتها وحتى عن عملها صيدلانية في سبيل الزواج، ومنهن المطلقات اللواتي حلّلن قصة المسلسل من وجهة نظرهن الواقعية فاعتبرن أنه يبالغ في إظهار الطلاق على أنه مسألة طبيعية يتعامل معها المجتمع بقبول وتسامح، فطلاقهن لم يتقبله مجتمعهن وتعرضن للاتهامات والتحرش والوصم ولم يتمكنّ بسهولة من تغيير حياتهن والبدء من جديد، على عكس علا التي بمجرد طلاقها فتحت أمامها الأبواب لبدء علاقات عاطفية جديدة وتحقيق كل رغباتها المؤجلة وإنشاء مشروعها الخاص الذي نجح من المرة الأولى وبسرعة قياسية.
لكن العمل ككل لا يحتاج كل هذا السخط، فإن تعاملنا معه باعتباره مسلسلا كوميديا جديدا، فبالإمكان ملاحظة نقاط القوة فيه، فمستوى الحوار بين الشخصيات يؤسس لعلاقات اجتماعية متوازنة وصحية سواء بين علا وأمها أو علا وابنتها، أو علا وبقية الشخصيات، كما أن العمل يعرّج في جزء منه للتحذير من مخاطر الألعاب الإلكترونية على الصحة النفسية والعقلية للأطفال، ويقدم منتجو العمل كل ذلك بديكورات وأزياء وصور ممتعة بصريا، ومصحوبة بموسيقى تصويرية مناسبة للعمل العربي.
من ناحية أخرى، خضع العمل لتقييمات “أخلاقية ودينية” كما هو السائد في الآونة الأخيرة تجاه أيّ منتج فني يعرض للجمهور المصري والعربي، فاتهمت هند صبري بالاستهتار في التعامل مع “المحرّمات”، فلم تلتزم بإتمام عدتها قبل التعرف على رجال آخرين أو الخروج للسهر أو حتى شرب الكحول للمرة الأولى.
لقد استنكر عدد كبير من المشاهدين كيف تقبلت علا فكرة رسم وشم على جسدها والسفر في رحلة إلى الصحراء وتعلم الرقص الشرقي، استنكروا عليها القيام بكل ذلك دون التفكير في الحلال والحرام والعيب والمسموح. فأخضعوها لمحاكمة أخلاقية اجتماعية رغم عدم وجود مشاهد صادمة أو خارجة عن السائد في الدراما المصرية، أو حتى من منظور نتفليكس المتهمة بمحاولة “تغريب” المجتمعات العربية.
أزمة تهدد الجميع
تكلمت علا عبد الصبور صراحة عن أزمة منتصف العمر، ورغم أن المسلسل تناولها سطحيا فلم يتعمق كثيرا في شرحها وتفسيرها، وربما يعود ذلك للعدد القليل من حلقاته، إلا أن هذه الأزمة النفسية هي فعلا تهددنا جميعا دون استثناء، وكانت سببا في تغير حياة الكثير من الأفراد والأزواج بطريقة قطعية.
وأزمة منتصف العمر هي فترة في الحياة يبدأ فيها المرء في تقييم جميع جوانب الحياة، من الإنجازات والوظيفة والأسرة والشخصية، غالبًا ما يعاني منه فرد يتراوح عمره بين 35 و60 عامًا، ويختلف النطاق العمري للرجال والنساء، وهذه هي الفترة التي يمكن أن يعاني فيها الشخص من الإرهاق أو الحزن أو التوتر لفترة طويلة، ويفضل بعض الناس في هذه المرحلة أن يعيشوا حياة طيبة وخالية من الهموم، بدلاً من القلق بشأن المسؤوليات.
ويعاني الأزواج في هذه المرحلة كثيرا لدرجة أنهم يفكرون في الطلاق، وتتملكهم رغبة في الحصول على شريك جديد، أو مهنة جديدة، أو منزل وسيارة أفضل، ويبحث أغلبهم عن حياة جديدة بشكل عام، تشبه ما كانوا يحلمون به قبل الزواج وتكوين الأسرة والدخول في دوامة المسؤوليات الحياتية، وبشكل عام يعتقد أغلب الأشخاص في هذه المرحلة العمرية أن الطلاق هو الحل السحري الذي سيؤدي إلى الشعور بتحسن، واختفاء المشاكل.
وتجعل هذه التغيرات النفسية الأشخاص يصابون بعدم اتزان في تصرفاتهم، ورغبة عارمة في التغيير ظنا منهم أن حياتهم شارفت على الانتهاء، ويتخذ أغلبهم قرارات غير صحيحة سرعان ما يرغبون في تصحيحها.
ويقول موقع “ويب طب” إن أزمة منتصف العمر هي باختصار عبارة عن فترة من حياة الإنسان يشعر فيها بأنه يرغب في العودة إلى عمر الصبا والشباب مرة أخرى ويدخل في حالة إنكار بأنه حقًا قد تجاوز منتصف العمر.
ومن أبرز الأعراض التي قد تدل على أن الرجل أو المرأة اللذين بلغا سن الأربعين ويعانون من هذه الأزمة، شعور الشخص باللامبالاة سواء في الحياة الشخصية أو العمل، حتى أن بعض الأشخاص يفقدون القدرة على التحكم بحياتهم العملية والشخصية ويشعر هؤلاء الأشخاص بأن حياتهم أشبه بالطائرة التي لا يقودها أحد. وبينما يقوم بعض الأشخاص بالجدال في ما يرغبون القيام به مستقبلا لكنهم لا يقومون بعمل أيّ شيء متعلق بذلك الأمر ولا يقومون باتخاذ خطوات حقيقية.
ويشعر الإنسان في هذه المرحلة بالرغبة في البقاء على السرير طوال الوقت وفي تغيير الحياة بشكل كبير، ويفقد هدف الحياة وقيمتها، كما يشعر بعدم وجود أيّ جدوى لما يقوم به، ويقوم الإنسان بتصرفات غريبة لا تشبه شخصية الإنسان الحقيقية على الإطلاق، في حين قد يشعر بالغيرة من الأشخاص المحيطين به.
ولحماية نفسه من تداعيات هذه الأزمة، ينصح بضرورة أن يتبع الإنسان الحوار سبيلا لفهم نفسه وأهدافه، وعدم أخذ قرارات متسرعة، ومحاولة المشاركة في أنشطة جديدة وإقامة صداقات جديدة والتفكير بواقعية في المشاكل، مع تذكر أن هذه الأزمة تطال الجميع بدرجات متفاوتة، فلا أحد في عمره سعيد وراض تمام الرضا عن حياته وتفاصيلها.