واحد يفكّر… واحد يفسِّر
بقلم: سمير عطا الله
النشرة الدولية –
من أشهر القواعد الفلسفية قول أبي الفلسفة الفرنسية رينيه ديكارت (1596 – 1650): «أنا أفكر، إذن أنا موجود».
وقد بُنيت على هذه الجملة دراسات ونظريات وإشادات. وما زلت أحاول أن أعرف من الصديق ديكارت ماذا يريد أن يقول تماماً، وبعد كل محاولة أستسلم لجهلي وأقول: دعه يفكر يا رجل، فلا علاقة لك بالفلسفة.
ثم أعود وأحاول وأنا أتساءل: هل إذا لم أكن أفكر لست موجوداً؟ أو هل الفيل والحمار الوحشي وشجرة الجميز لا وجود لها لأنها لا تفكر؟ بل أليس من الأفضل للإنسانية أن هذا العدد من البشر لا يفكر ولا يخطر له أن يفكر ولا يمكن أن تطاله شبهة التفكير؟
قرأت في متعة وسلاسة وبساطة فلاسفة كثيرين، بينهم آباؤها، القدامى والمحدثون، وفي طليعة هؤلاء برتراند راسل. فقلت في نفسي مرة (سلسلة عبقرياتي): ما دمتَ يا هذا تقرأ اللورد راسل وتفهم عليه تماماً، واللورد راسل قرأ ديكارت وقال إنه فيلسوف عظيم، فلماذا لا تكون أكثر ذكاءً من الاثنين؛ تقرأ شرح راسل لنص ديكارت وجملته العجائبية، وتعثر على حل نهائي لعقدتك المتأتية عن أنْ لا وجود للإمباير ستايت وبرج إيفل وشجرة البلوطة، لأنها لا تفكّر؟
انظروا ما حدث له (ولنا) وهو يحاول شرح ديكارت:
يقول ديكارت، كما يعلم الجميع: «أنا أفكر، إذن أنا موجود»، ثم يستطرد مباشرة كأنه لم يأتِ في ذلك بجديد، إلى القول: «أنا كائن مفكر»، ولقد يصعب جداً أن نجمع كل هذا العدد الضخم من الأخطاء في هذا العدد النزر من الكلمات. ولنبدأ بقوله: «أنا أفكر». لقد حُشرت كلمة «أنا» لتتماشى مع النحو، والنحو هو تجسيد الميتافيزيقا التي آمن بها أجدادنا. وإذن فينبغي أن نستأصل كلمة «أنا» تاركين كلمة «أفكر» بغير فاعل ما دام الفاعل تجسيداً للاعتقاد في الجوهر الذي يجب أن نغلق دونه أبواب أفكارنا. أما كلمات «إذن فأنا موجود» فإنها لا تكتفي بإعادة الخطأ الميتافيزيقي المتمثل في كلمة «أنا»، بل تزيد عليه. فإني حينما أقول: «أنا موجود» أو «سقراط موجود» أو أي قضية مشابهة، فإنني في الحقيقة أقول شيئاً ما عن كلمة «أنا»، أو كلمة «سقراط». تقريباً في كل حالة تكون فيها هذه الكلمة اسم علم، لأنه من الواضح أنك إنْ فكّرت في كل الأشياء، الموجودة في العالم، لَوَجدتَ أنها لا يمكن أن تنقسم إلى طائفتين: طائفة «الموجود» وطائفة «غير الموجود».
دافع راسل، ودوّخنا، ودوّخ جميع الموجودين.