إلى ابنتي التي لم أنجبها!
بقلم: هند خليفات

النشرة الدولية –

هات بوست –

أكتب لك هذه السطور وأنا على متن الطائرة، على إرتفاع لا يقل عن 30 ألف قدم عن الأرض، الأرض التي طويتها ذهابًا وأيابا في مطاردة النجاح وال career وبعدتني عنك حتى صار من المستحيل أن تكوني لي .

في هذا الوقت من العمر، وأمك في قمة مجدها الصغير، المجد النظيف الذي بنيته بالكد، والالتزام والانضباط الذي وضعته لي رتبة ذاتية ومسيرة حياتية، تذكرتك.. وتذكرت أن كان لي يوما حلما أن تكوني نسخة من قلبي لا من عقلي..

فعقلي كان دوما يحب الجبال العالية، ويحترف قطع الدروب الوعرة، عقل محموم بالجنون ..

وددت يا بنيتي، أن أخبرك أن لا تمنحي زمام طُهر قلبك لأي إنسان على وجه البسيطة، وأن تحبي بذات الوقت بكافة نقاء روحك، لكن موضوع الزمام والخيط المربوط بالكف إنسيه تماما .

سينظر لك الناس بعمق عقلهم، فهناك من عقله لا يتجاوز 4 ملمتر في العمق ويصطدم بلون بشرتك ومساحيق تجميلك ويتوقف طويلا عند علامات تجارية هزيلة ترتدينها، وهناك من يبحر في عمقك، مثل حوت مغوار يطوي كل المسافات ويستقر في جوهرك العميق، سيكتشف شعاب دماغك ومرجان روحك! أنتي وحدك من يقرر من سيكون معك في هذه الرحلة .. حيث رحلة العمر القصير زمنيا !!

لا يخدعونك ويقولوا لك كوني عاقلة وجادة وبحر كتب وتنسي توازنك الجسدي، بكل كتاب تقرأيه هناك أميال عليك أن تقطعيها مشيًا وهرولة وجريا، فلم أعرف أفضل من المشي اليومي مرشدا نفسيا وطبيبا باطنيا لكافة ما يعبر من جسدك من تحديات أو حتى سعرات !!

إياك أن تصدقي ما يمكن ان يقوله فاشل عن أمك، بأني نجحت أو حتى حاولت، لأني أنثى، فكل ما يقولونه صحيح لحد كبير لو كان حديثهم كاملا عني.، ويكملون أنثى بألف إنسان، رأس مالها الانضباط الذاتي، وعاشت معظم وقت حياتها وحدها،، وحدة مُشتهاة مُختارة ومجتباة..وحدة الاكتفاء لا الانطواء

صغيرتي التي كان أمامك فرصة عظيمة أن تعيشي على جزء مما أنجزته ،وتستخدمي جزءا مما حققته، أعتذر لك أني لم أجد وقتا وظرفا كي أنجبك لهذا العالم ..

هذا العالم الذي فيه من الجمال نفس المقدار من القبح، وهنا مساحتك في الاختيار بينهما.

أمامك خيار عيش دور الضحية المستكينة المستضعفة

وخيار عيش بطلة حياتك .. وبطلة قصتك، في الخيار الأول سيتعاطفون معك دقائق ويِسّنون سهامهم تجاهك العمر كله..

أنه العالم الذي لا يحترم سوى الأقوياء، لقد عاشت أمك الأثيرية بقوة ولم أضع ترسي عني حتى في عز أوقات الراحة، لقد نافست أشرس الفرسان، ولا أنكر أني كنت أستمتع بحروب ومكائد بعض الرجال نحوي، لقد منحوني فرصة استكشاف مدى قدرتي وثباتي ..أما معارك بعض النساء غير المستقرات نفسيا وعاطفيا فلقد ترفعت عن الرد عليهن، فميزان القوى هنا غير متكافىء.. تمنيت لهن القوة ومضيت ..

أوجدىِ حبك، أعيدي اكتشافه، حبي القهوة، الشاي ، الفناجين، الخلاخيل، مستحضرات التجميل لكن قبلها حبي حبك العظيم، روحك ونفسك وكيانك، لا يشغلونك في فوضى التفاصيل أن تنسي حبك الأصيل،، حبي نفسك فهي الوحيدة التي ستجلب لك الحب الحقيقي، فلا يمكنك توقع الحصول على الحب من الآخرين وبينك وبين نفسك حصن من البغضاء وعدم تقدير ذات مكين !!

كان سينتظرك مئات الفساتين والآف الكتب وصناديق من قوارير العطر وقصاصات القصائد التي وصلتني يوما، كان ينتظرك قصص كثيرة عني، كيف أني عانيت من إصابة بليغة بالوضوح، وسواس قهري بالإتقان، وقلب طيب لدرجة الحماقة أحيانا، لكنه تحت سيطرة كلية لعقل حكيم وقالوا عنه يوما لئيم !

بنيتي .. كنت سأترك لك هذه المقال يوما .. لكني أؤمن أن ستصل هذه السطور لفتاة أخرى وتشعر بكل هذه الكلمات وتقتفي شعور هذه الحكايات ..

كوني في عالمك الجميل البعيد .. كوني في رضا من الله

أمك الحياة

Back to top button