معركة الأنثوي والذكوري في الثقافة العربية!
بقلم: محمد الرميحي
النشرة الدولية –
في الفضاء العربي الثقافي تشكل الأنوثة مشكلة سالبة في المجتمع، فقد أقعدت خلف الأبواب عقوداً، بل قروناً طويلة. وعندما أطلت برأسها في الفضاء العام تطوع كثيرون لردها خلف الأبواب من جديد بطرق وأشكال مختلفة، ولا تزال المعركة قائمة حتى اليوم.
فالمرأة العربية في الفضاء العام شبه محرمة ويضع السياسيون على وجوههم ابتسامة عريضة عندما يعلنون أنهم أدخلوا في العمل العام نساء أو وزيرات، وصارت المرأة شبه ديكور، فهي تتقدم في الهرم العملي في القطاعين العام والخاص بسبب جنسها لا بسبب قدراتها وكفاءتها الشخصية، على رغم أن دراسات حديثة كثيرة أثبتت لنا أن المرأة في العمل العام أكثر صدقية وأقل كثيراً جنوحاً الى الفساد.
ما يلفت أن ثقافتنا العامة والمعاصرة لا تزال تخضع الأنثوي للذكوري، وتطارد المرأة في الكثير من النشاطات، ذلك لأن الثقافة العامة كانت ولا تزال على غير قناعة موضوعية بأحقية المرأة كشريك في الفضاء العام بكل نشاطاته المختلفة. دعونا نستعرض كيف رسخت تلك الثقافة وقبلت كمعطى لا نقاش حوله من خلال استعراض بعض من نصوص الأغاني العربية الشائعة.
فيروز الرائعة تغني: “بكتب اسمك يا حبيبي عل الحور العتيق… تكتب اسمي يا حبيبي على رمل الطريق، ولكن عندما يبدأ الشتاء يمسح اسمي ويبقى اسمك”!! وتذهب الأغنية الى القول إنها تتحدث عنه لأهل القرية، وهو يحدث مجرى الماء عنها كناية عن عدم الاعتراف بها. وفي أغنية أخرى تقول: “شايف البحر شو كبير كبر البحر بحبك”، هو بالطبع لا يحبها (أد كبر البحر). أما السيدة أم كلثوم فتشدو بالقول: “خذ عمري… عمري كله… إلا ثواني أشوفك فيها”، تضحي بعمر كامل من أجل ثوانٍ للرجل الذي تحب، أو “بعيد عنك حياتي عذاب”، فكل الحياة بعيدة عن الرجل عذاب. أما فايزة احمد فتقول أكثر من ذلك بكثير “أمرك يا مالكني”، أي أنها مستعدة لأن تسمع الأوامر ممن يملكها!
وهكذا تذهب الأغاني العربية في معظمها في تعظيم الرجل وتضخيم الوله الأنثوي للذكوري. اللافت أن كل تلك النصوص كتبها رجال مشحونون بتفوق الذكورة وفي النادر أن تجد أغنية تغنيها امرأة إلا وفيها تذلل للذكر ربما إشباعاً لتفوقه المفترض.
على مقلب آخر يفاخر البعض في أيامنا هذه وليس في زمن سابق بأن والدته كانت تغطي وجهها عن رؤية “الجبال” وهي مارة بهم في السيارة، نعم الجبال، لأنها لا تريد أن ترى في الخارج طوعاً أي شيء تقريباً. في الوقت نفسه يصر البعض على نساء متقدمات في السن أن يغطين وجوههن على عكس ما جاء في الأثر من أن القواعد من النساء ليس عليهن حرج أن يتركن “الحجاب”، سواء عند المحارم أم غير المحارم كما ذهب عدد كبير من المفسرين وهو المنطقي والعقلاني، فلا هو حق ولا إنساني أن تجبر امرأة كبيرة في السن أن تضع على وجهها الأغطية التي تجعلها تتعثر في مشيتها!! بل يذهب البعض من المفسرين الى أن ملابس المرأة لم يأتِ فيها نص، بل هي من العادات الاجتماعية، ولو كان لها نص لكان لتاركها عقاب واضح!
لو حكمنا العقل سنجد أن حجاب المرأة في أفغانستان غيره في اليمن وغيره في المغرب وحتى في إندونيسيا أو إيران، معنى ذلك أن الحجاب الذي نراه حولنا هو نتاج عملية اجتماعية بتقاليد وأعراف مختلفة، فلو كان إسلامياً مثلاً لكان على الأقل متقارباً، فالمسلم يصلي خمسة فروض في اليوم، أكان في أفغانستان أم في اليمن! دليل على أن الملابس هي جزء يسير من ما يعرف في الفقه بالمعاملات وهي تتغير بتغير الأزمان والعصور! ما نواجهه هو أن “الإسلام الحركي” في العقود الأخيرة أدخل في ذهن العامة ومنها النساء أن الحجاب ركن من أركان الإسلام وهو أبعد من ذلك بكثير.
نشب صراع على وسائل التواصل الاجتماعي في الكويت أخيراً حول مقطع أغنية بثته إحدى الشركات احتفاء بالعيد الوطني الذي يصادف هذا الأسبوع، وفي المقطع ثوانٍ سريعة لفتيات يلعبن ما يشبه اليوغا، فثارت عصبية القلة من الذين يفهمون الإسلام بطريقتهم المتشددة، وبدأوا حملة تهديد للشركة التي خضعت لذلك التهديد وأزالت، كما قالت، تلك الثواني القليلة، إلا أن الأغنية زاد انتشارها بين الجمهور. طبعاً الشركة من المنظور التجاري حققت مرادها في الحالتين، واعتقدت تلك القلة أنها انتصرت، وهي في الحقيقة حققت نصراً هوائياً، لأنه بمجرد أن تطلق محتوى على الشبكة العنكبوتية يصبح من الصعب استرداده حتى لو أطلقت محتوى محرراً أو منقوصاً، ذلك الفهم العلمي غير موجود لمن نظم الحملة، لأن الحملة ضد الأغنية كلها هي عملية “إثبات وجود” لا أكثر.
تُنشر أيضاً في الفضاء السيبراني العربي أشكال من التنمر، ولكن الأكثر إزعاجاً هو التنمر على الفتيات والنساء، وقد فقدت أكثر من واحدة حياتها بسبب ذلك التنمر درءاً لما اعتبرت أنه قد يسبب فضيحة، إلا أن بعض من تحلين بالشجاعة منهن قاومن ذلك التنمر وظهرن على وسائل التواصل الاجتماعي مفندين ومتحدين. بالطبع ذلك هو المطلوب، إلا أن معركة الذكوري ضد الأنثوي ومقاومة الأخير لها لا تزال طويلة جذورها مغروسة في التربية المنزلية وفي التعليم وفي الإعلام، وهي جزء لا يتجزأ من معركة التنمية التي تخوضها شعوبنا ضد الجهل والخرافة، بل ضد الاستعباد.