انتصار أميركا في الحرب الباردة… من الماضي
بقلم: خيرالله خيرالله

النشرة الدولية –

تواجه إدارة جو بايدن اختبارات عدّة في أماكن مختلفة دفعة واحدة. هناك، قبل أيّ شيء، اختبار داخلي أميركي. تفصل مسافة تسعة أشهر من موعد انتخابات الكونغرس النصفية التي يمكن أن تفضي الى خسارة الديموقراطيين الأكثريّة في مجلسيه، مجلس الشيوخ ومجلس النوّاب.

في حال وقوع مثل هذه الخسارة في الكونغرس، ستكون إدارة بايدن بمثابة بطّة عرجاء، بحسب التعبير الأميركي، الى حين حلول موعد الانتخابات الرئاسيّة في خريف 2024. معنى ذلك نهاية عهد بايدن قبل الأوان وترجيح عودة الجمهوريين الى البيت الأبيض، عبر مايك بنس نائب الرئيس السابق أو مايك بومبيو وزير الخارجية في عهد دونالد ترامب… أو شخص ثالث ينتمي الى اليمين الأميركي. الثابت أن ترامب نفسه صار ورقة خاسرة بعد كلّ الملاحقات القضائية التي تعرّض لها أخيراً.

سيعتمد الكثير على ما إذا كان في استطاعة الإدارة الحاليّة تحسين الوضع الاقتصادي الأميركي. يبقى الاقتصاد العامل الأوّل في تحديد ما إذا كان الديموقراطيون سيبقون مسيطرين على مجلسي الكونغرس أم لا. لذلك، يبدو الوضع الداخلي الأميركي مرتبطاً الى حدّ كبير بتحقيق نجاحات داخليّة وخارجيّة في الأشهر القليلة المقبلة. الاقتصاد في الداخل… أوكرانيا وإيران في الخارج.

ثمّة ارتباط بين الداخل والخارج في ما يخص إدارة أعطت كلّ الإشارات الخطأ في الوقت الخطأ في ضوء الطريقة التي انسحبت فيها من أفغانستان الصيف الماضي. كشفت الإدارة الأميركيّة، وقتذاك، أنّها عاجزة عن  التعاطي مع الواقع الأفغاني. لم تقدّر السرعة التي ستستولي بها حركة “طالبان” على السلطة في أفغانستان وما سيترتب على ذلك من نتائج على صعيدين. الأوّل الداخل الأفغاني نفسه والآخر نظرة العالم الى أميركا وما تمثّله.

بعد الانسحاب من أفغانستان، وهو انسحاب ارتدى طابعاً فوضويّاً، بات طبيعيّاً أن تنظر روسيا ورئيسها فلاديمير بوتين الى الإدارة الأميركيّة بطريقة مختلفة. قبل ذلك، اكتشفت “الجمهوريّة الإسلاميّة” في إيران أن في استطاعتها الاستخفاف بإدارة جو بايدن، خصوصاً بعد رهانها على أن رفع الحوثيين عن قائمة الإرهاب الأميركيّة سيساعد في دخولهم عمليّة سلمية تساعد في إيجاد تسوية سياسية في اليمن. كلّ ما تلا ذلك كان مخالفاً للتوقعات الأميركيّة. لجأ الحوثيون (جماعة أنصار الله)، الذين ليسوا سوى أداة إيرانيّة، الى مزيد من التصعيد من دون ردّ فعل يُذكر، أو على الأصحّ ردّ فعل ذي طابع جدّي، من إدارة جو بايدن. تبيّن أن الإدارة الأميركيّة مرتاحة الى أبعد حدود كون التصعيد الحوثي تجاه دولة الامارات لم يؤثّر في مفاوضات فيينا التي أجريت ولا تزال تُجرى بينها وبين “الجمهوريّة الإسلاميّة”.

من الطبيعي أن ينتهز فلاديمير بوتين الفرصة لتأكيد أن روسيا شريك في تحديد مستقبل أوروبا وأن ليس مسموحاً أن تكون أوكرانيا في حلف شمال الأطلسي. ربح بوتين حرب أوكرانيا قبل خوضها. قد يلجأ الى خوض هذه الحرب على طريقته. يعرف الرئيس الروسي في نهاية المطاف إن إدارة بايدن تحتاج الى تسوية. وهذا ما تعرفه إيران أيضاً التي استخدمت أوراقها التفاوضيّة في المنطقة، أي ميليشياتها المذهبيّة، بشكل جيّد.

استخدمتها في العراق، حيث عطلت البلد في ضوء رفضها الاعتراف بنتائج الانتخابات النيابيّة الأخيرة، واستخدمتها في سوريا حيث تابعت عملية تغيير الديموغرافيا، واستخدمتها في لبنان الذي تحوّل، بفضل “حزب الله” مجرّد مستعمرة إيرانيّة.

هل لدى إدارة بايدن ما تردّ به على التحدّيات التي تواجهها حالياً؟ الجواب أن ليس ما يشير الى ذلك. كلّ ما في الأمر أن الإدارة الأميركيّة الحاليّة تبدو أكثر من مستعدّة لقبول أن عالماً جديداً بات قائماً، وهو عالم يشبه الى حدّ كبير عالم الحرب الباردة مع وجود قطبين أو أكثر. من أجل إنقاذ وضعه الداخلي، سيكون جو بايدن مستعداً لكلّ أنواع التسويات السيئة مع روسيا وإيران… ومع الصين في مرحلة لاحقة.

لن تكتشف الإدارة الحاليّة، إلّا بعد فوات الأوان، أنّها لا تعرف شيئاً لا عن الصين ولا عن روسيا ولا عن إيران ولا عن الخليج والشرق الأوسط تحديداً. لا تعرف خصوصاً كيفية التعاطي مع حلفائها الذين راهنوا على وقوفها الى جانبهم لدى تعرّضهم لأيّ تهديد من أي نوع كان.

الأهمّ من ذلك كلّه، أنّ أميركا في عهد جو بايدن استمرار لأميركا في عهد باراك أوباما. لا تعرف الإدارة الحاليّة أن السير في خطّ يتعارض كلّياً مع ذلك الذي اتبعتّه إدارة ترامب ليس سياسة بمقدار ما أنّه دعوة الى الاستخفاف الروسي والصيني والإيراني بأميركا وبقدرتها على بناء نظام دولي جديد في أعقاب انتصارها في الحرب الباردة قبل ثلاثة عقود…

 

مثل هذا الانتصار الأميركي بات من الماضي في ظلّ إدارة تتميّز بسياسة حائرة. حائرة الى درجة لا تعرف أن “الجمهوريّة الإسلاميّة” في إيران ليست جمعيّة خيريّة وأن بوتين ليس في نهاية المطاف أكثر من ضابط في جهاز الاستخبارات السوفياتيّة (كي. جي. بي) لا همّ لديه سوى إثبات أن الاتحاد السوفياتي لم يمت وأنّ في الإمكان إعادة الحياة إليه يوماً…

 

 

Back to top button