سعادة السفير… عراب الاتفاق النووي
بقلم: حمزة عليان
النشرة الدولية –
على وقع ما يجري في مدينة فيينا النمساوية من مفاوضات ماراثونية بين إيران والغرب، وبروز المفاوض الإيراني علي باقري كني، كانت قراءتي لكتاب صادر حديثاً من “مركز أوال للدراسات والتوثيق” في بيروت وهو عبارة عن حوار أجراه محمد مهدي راجي مع وزير الخارجية الإيراني والسفير السابق في الأمم المتحدة محمد جواد ظريف وترجمة د. محمد العطار.
حظي “سعادة السفير” بألقاب عدة من بينها “عراب الاتفاق النووي”، ووصفه جو بايدن عندما كان نائباً للرئيس الأميركي “بالمدافع الشرس”، والكتاب يتجاوز سرد السيرة الشخصية لمحمد جواد ظريف، ليحيط بالكثير من المعلومات والمعطيات التاريخية على مدى ربع قرن، فهو يمثل وجها للشخصية الإيرانية وما يحيط بها وما يثار حولها، بعدما أنجز الاتفاق النووي عام 2015 بقوله: “إن فن الدبلوماسي يكمن في أن يخفي دهاءه كله خلف ابتسامته”.
في مقدمة الكتاب يشرح المترجم المضمون، فالكتاب ثمرة حوار بين محمد مهدي راجي وظريف أثناء إعداد دراسة راجي لشهادة الماجستير بين شتاء 2010 وربيع 2012 وقد منع من النشر حتى نهاية عهد أحمدي نجاد في أغسطس 2013 لما أثاره من جدل وصل حد اتهامه بالخيانة، والكتاب طبع ست مرات حتى صدور الطبعة العربية.
أهم الانتقادات التي وجهت للكاتب من القارئ الإيراني بحسب مقدمة المترجم أنه لم يتطرق للشأن الداخلي إلا بمقدار ارتباط الحدث مع الجانب الدبلوماسي الذي يتناوله، فلماذا الكلام عن هذا الكتاب؟ سؤال مشروع إجابته موجودة في الصفحات الأولى، فهو يساعد في فهم السياسة الخارجية الإيرانية، وكذلك العلاقات الدولية من وجهة نظر النظام الإيراني.
القصد الأساسي من الكتاب، وكما جاء في “مقدمة الطبعة الفارسية” هو فهم السياسة الخارجية لإيران من خلال تجربتها التي تبدو أحياناً متضادة أو مبهمة، فهو يلفت النظر إلى أن السياسة الخارجية لأي بلد ترتبط بشكل وثيق بسياسته الداخلية، وأشهر رئيسي وزراء أيام محمد رضا شاه هما، أحمد قوام والدكتور محمد مصدق اللذان كسبا شهرتهما السياسية بسبب تأثيرهما في الدبلوماسية والسياسة الخارجية، أما محمد جواد ظريف كما يرد في الكتاب فهو من “جيل الشباب الثوريين” الذين كان لهم دور في إسقاط النظام البهلوي.
حضور “سعادة السفير” انطلق منذ كان طالباً في الدكتوراه بجامعة دنفر ثم موظفا في البعثة الإيرانية في الأمم المتحدة حتى أصبح السفير الأول والمندوب الدائم لربع قرن كل ذلك جعل منه شخصية دولية، جعلت هنري كيسنجر يصفه عندما أهداه كتابه “الدبلوماسية” بالعدو المحترم: “إلى عدوي المحترم محمد جواد ظريف”.
يعترف صاحب رسالة الدكتوراه الذي أجرى الحوار مع ظريف أنه اشترط عليه “عدم تناول الوثائق السرية وأسرار النظام، خصوصاً ما يتعلق بالمناقشات المرتبطة بالشأن النووي”، وفي سيرته الذاتية، أن والده من كبار التجار في طهران وأصفهان، وكان سفره للالتحاق بإحدى الجامعات الأميركية وهو في السابعة عشرة من عمره “طوق نجاة له، من الاعتقال”، كما كان والده مخالفاً للثوريين وللجمهورية الإسلامية قبل الثورة وبقي مخالفاً لها حتى وفاته، جدّه من أنصار د. محمد مصدق وساعده اقتصادياً وكان قريباً من “الإمام كاشاني” ووالده قريب من العلماء التقليديين.
كان وراء مقاطعة جلسات مجلس الأمن لست سنوات أثناء الحرب مع العراق، وهذا القرار قبله المسؤولون في الداخل الإيراني وأصبح استراتيجية للدولة واستمرت المقاطعة حتى 3 يوليو 1988، كما أنه يعترف بجرأة عن “الثمن الباهظ” الذي دفعته بلاده بسبب السياسات التي كان وفدها يتبعها في الأمم المتحدة ولو “كنا نمتلك خبرة، ونتصرف بعقلانية”، لما كان موضوع اللجنة الخاصة بحقوق الإنسان يدين إيران وينتقدها، فقد “كنا مخطئين”، ولا يرى أي أفق لتغيير العلاقة مع أميركا وفقدان الثقة بينهما وسيحتفظ البلدان بخلافاتهما في الرؤى دائماً، ولكن مستوى التوتر سيكون متغيراً ومستمراً وستبقى العلاقة مظلمة لكن “بعيدة عن الصدام”.