عصره
بقلم: سمير عطا الله

النشرة الدولية –

المسألة الأوكرانية أعقد بكثير من أن نفهمها خلال عملية التصعيد المخيفة الجارية، وبالتالي من أن نبني موقفاً موضوعياً في نزاع سياسي بهذا الحجم. لكن عندما تحتدم الأزمات إلى هذه الدرجة، لا تعود الموضوعية ضرورية أو قادرة على لجم الانقسام.

لذلك، ينقسم العالم إلى فريقين: واحد مع فلاديمير بوتين وأسلوبه وعسكريته وتعاليه وتصغيره للأوكرانيين، وواحد ضده وضد سلوكه العنفي، لكنه الفريق الضعيف في الصراع. فالرجل في الكرملين يعرف تماماً أن أقصى ما سيواجهه هو العقوبات الاقتصادية، بينما هو يفتت دولاً، وينشئ أخرى، ويغير الخرائط، ويلغي المعاهدات، ويتهم أوكرانيا بالعدوان.

أن يكون الغرب مخطئاً أو طامعاً، أو عازماً على محاصرة «المجال الحيوي الروسي»، فهو أمر لا شك فيه. وأن يكون قليل المشاعر وكثير المصالح، فهذه حقائق قديمة، لكن في المقابل يتعامل بوتين مع هذا العالم، وكأنه جناح في الحزب الشيوعي قرر التمرد ولا بد من تأديبه. هكذا أخذ منذ 2014 يقتحم الدول المجاورة أو يضم بعضها، مثل القرم، أو يعلن من وراء مكتبه إقامة دول جديدة في أكره صيغة عرفها العالم: الانفصال والتقسيم.

حتى لو كانت الدولة في وضع سوريا، المعتمدة على دعم موسكو، لا يجوز أن تبارك خطوة الانفصال، لأنها سابقة شديدة الخطورة. الانفصال وباء أكثر من يعرف مآسيه رجل الاتحاد السوفياتي. إنه تماماً مثل الطلاق وفصل الأم عن أبنائها. وليس هناك أي بطولة في ملامح بوتين القاسية والخشنة والخالية من أي مشاعر، وهو يعلن قيام جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك، وإلى جانبه رئيسان لا دور ولا أهمية لهما سوى التوقيع على خيانة معلنة لبلديهما.

العالم أمام ساحة من الضعف والهزال والاضطراب، والرجل بوتين يستغل التخبط الأميركي الملازم لإدارة جو بايدن حول العالم، لكي يحيي – كما ورد في خطابه – لينين وستالين والثورة البلشفية. كل هذه نذائر شؤم لوضع عالمي شديد الضعف والتردي. وقد أعاد بوتين تجزئته إلى قسمين، بحيث أرغم فرنسا – مثلاً – على التخلي عن موقف الوسيط المحايد إلى موقعها في الكتلة الغربية. وكذلك ألمانيا، الأكثر انخراطاً في القضية تاريخياً، لكي تتخذ موقعاً كاملاً مع الغرب.

شن الرجل بوتين على الشيشان حرباً حارقة لأنها أرادت الانفصال عن روسيا. وها هو ينشر دباباته على مسافة آلاف الأميال لكي يمكن الحركات الانفصالية عند جارته الأوكرانية. وفي الطريق يبلبل الوضع العالمي برمّته، غير مبالٍ بما يحدث.

كل ما يستطيعه هذا العالم أن يدعوه إلى «احترام ميثاق الأمم المتحدة بالكامل» وفقاً للأمين غوتيريش. يا سعادة الأمين العام. دعه أولاً يعترف بك وبه.

 

Back to top button