“مانيفستو” السنيورة و”أخي سعد”
بقلم: فارس خشان
النشرة الدولية –
عندما كان زوّاره يسألونه عن الخطوة التي سوف يتّخذها، في ضوء إعلان الرئيس سعد الحريري مقاطعته و”تيّار المستقبل” للانتخابات النيابية، بدا الرئيس فؤاد السنيورة مصرّاً على أنّ أيّ اتجاه يمكن أن يسلكه يجب أن يكون على قاعدة ما قاله للحريري بعد “المقاطعة”: “أخي سعد، معك رغماً عن قرارك”.
لم يكن جواب السنيورة “أحجية”، بل تعبيراً حقيقياً عن علاقته، على مدى السنوات الأخيرة، مع الرئيس سعد الحريري، بحيث إنّ اختلاف الرؤى بينهما حول المسار السياسي، لم يُبعد السنيورة عن الحريري، بل أبقاه، باستمرار، مستنفراً لتلبية نداءاته.
في سجل السنيورة أنّه أقدم، منذ انتخاب العماد ميشال عون، خلافاً لرأيه، على جملة خطوات أغضبت الحريري أحياناً وأزعجته أحياناً أخرى، ولكن، سرعان ما جرى وضع نتائجها في خدمته، كما هي عليه الحال عند تأسيس “نادي” رؤساء الحكومة السابقين، وعند إيجاد إطار تشاوري بين هذا “النادي” ورئيسي الجمهورية السابقين ميشال سليمان وأمين الجميل.
ولا يحيد المؤتمر الصحافي الذي عقده السنيورة، أمس، عن شعار “معك رغماً عن قرارك”، إذ إنّ الروحية التي بنى عليها الرئيس السابق للحكومة، والذي طالما شكّل ركناً أساسياً في “الحريرية” الوطنية والسياسية والحزبية، تقوم على وجوب الحيلولة “دون إخلاء الساحة السياسية للطارئين والمغامرين”، على أن “نكون الى جانب” الحريري “متى يتّخذ قراره بالعودة الى لبنان، حيث مكانه ومكانته كبيران وأساسيان” على اعتبار “أنْ لا أحد إطلاقاً يرث الرئيس سعد الحريري الذي هو زعيم لبناني”.
وليس سراً أنّ السنيورة حاول، على مدى أشهر، ثنيَ الحريري عن قراره بمقاطعة الانتخابات وتعليق المشاركة في الحياة السياسية اللبنانية، لكن من دون أن يتوصّل الى أيّ نتيجة إيجابية، كما أنّ كثيرين من المقرّبين من الحريري سعوا إلى إقناعه بتسليم السنيورة “مرحلياً” القيادة، ولكنّهم عادوا من اجتماعاتهم به خائبين.
ومن يتعمّق في وقائع المؤتمر الصحافي الذي عقده أكثر مسؤول سياسي لبناني كرهه “حزب الله”، يكتشف أنّ السنيورة أظهر، بأسلوبه الخاص، الأسباب الموجبة التي تجعله على خلاف “تكتيكي” مع الحريري، فهو، وإن اتّفق معه على أنّ الخلاص الوطني لا يمكن أن تنتجه الانتخابات النيابية، إلّا أنّه يختلف معه لجهة أنّ المقاطعة من شأنها أن تُنهي آمال اللبنانيين بغد أفضل، لأنّ “الدعوة إلى مقاطعة الانتخابات تنطوي على شبهة أنّ لبنان فقد قواه الحية ورضخ للهيمنة(…) ولذلك، فإن الاقتراع هو تعبير عن الاستنكار والرفض لممارسات الهيمنة والفساد والإفساد، وذلك ليصل صدى الاعتراض إلى كل اللبنانيين وإلى الأشقاء والأصدقاء حول العالم، وإلى جميع المنظمات الإقليمية والدولية”.
وهذا يعني أنّ السنيورة يرى وجوب أن يلاقي “السياديون” اللبنانيون المجتمع الدولي، بعدما وضع تطبيق القرارات الدولية وشروط إنقاذ لبنان على السكّة، بناءً على جهد سعودي كبير تجسّد في أكثر من مناسبة.
وهذا ما يمكن تحقيقه من خلال ما تحمله المشاركة الفاعلة في الانتخابات النيابية من رسائل عن التوجّهات الحقيقية لدى أكثرية اللبنانيين.
من الواضح أنّ السنيورة، في مؤتمره الصحافي، أعلن “المانيفستو” السياسي، فهو يدعو الى تحالف انتخابي وطني عريض تحت عنوان “إنهاء النفوذ الإيراني في لبنان”، وهذا يعني أنّ المشاركة في الانتخابات “اقتراعاً وترشّحاً” يجب أن تأخذ في الاعتبار “الحاجة الى رص الصفوف لدى كل المؤمنين باستقلال لبنان وسيادته، فهذا ليس وقت الغرق في وحول الخلافات، بل الوقت الذي يجب فيه أن تجتمع كلمة من يؤمنون بلبنان من أجل الدفاع عنه ومن أجل تحقيق صموده”.
نظرياً، إنّ خطوة السنيورة هذه ستترك ارتياحاً كبيراً، ليس لدى مجموعة من الشخصيات السنية المقرّبة من الحريري وغير المقتنعة بالمقاطعة، فحسب، بل لدى حزبي “القوات اللبنانية” و”التقدّمي الاشتراكي” أيضاً.
ونظرياً أيضاً، إنّ خطوة السنيورة سوف تزعج قوى متعارضة كبهاء الحريري الطامح الى استعادة الزعامة، وسنة “حزب الله” الذين يريدون الاستفادة من فراغ كبير أحدثه انسحاب “المستقبل”، و”حزب الله” نفسه الذي سوف يجد، في مواجهته، قوّة لبنانية وازنة تحمل خططاً سبق أن سفح دماء من أجل وأدها.
ونظرياً أيضاً وأيضاً، فإنّ ما أقدم عليه السنيورة، وإذا لم تصح نظرية الانسحاب الخليجي العام من لبنان، فسوف يُرضي الدول التي توافقت على “الورقة الخليجية – العربية – الدولية”، لأنّ هذه النوعية من المواجهة الانتخابية تُظهر أنّ “حزب الله” يأسر لبنان ولا يمثّله.
وفي مطلق الأحوال، إنّ “تيّار المستقبل”، كإطار تنظيمي، غير معني بخطوة السنيورة، لأنّها، في ظاهرها، تذهب عكس ما قرّره الرئيس سعد الحريري، ولكن، بما أنّ هناك مسافة زمنية تفصل بين مؤتمر السنيورة الصحافي، من جهة، والتوجّه الى صناديق الاقتراع، من جهة أخرى، فإنّ مقولة “معك رغماً عن قرارك”، بالاستناد الى الأسبقيات، يمكن أن تنتج مفاجأة لدى “أخي سعد” لمصلحة “مانيفستو السنيورة”.