كارثة تُهدد أوروبا، وتسريع للاتفاق النووي، لِتجنُّبِ آثار الحرب!
النشرة الدولية –
اكرم كمال سريوي
الثائر
أمس قال المستشار الألماني أولاف شولتز: طلبت اليوم من الوزارة الفيدرالية للاقتصاد، إلغاء التقرير، الخاص بأمن الطاقة، من وكالة الشبكة الفيدرالية. يبدو الأمر وكأنه عمل تقني، لكنه خطوة ضرورية حتى لا يتم اعتماد وتشغيل خط أنابيب الغاز نورد ستريم-2 الآن.
وأضاف المستشار الألماني “بدون هذه الشهادة، لا يمكن إطلاق العمل في نورد ستريم2”.
لم يكد المستشار الألماني يُنهي كلامه، وبعد قرارات لعدة دول بفرض عقوبات قاسية على روسيا، والتهديد بفرض ستار حديدي عليها، حتى قفزت العقود الآجلة للغاز بحوالي 60% ، وسجّلت رقماً قياسياً صباح اليوم، بلغ 1636 دولاراً لكل الف متر مكعب، رغم أنه كان أقل من الف دولار قبل الغزو الروسي لأوكرانيا.
إن شركة غازبروم كانت قد عوّضت عملياً خسائرها، بسبب ارتفاع أسعار الغاز.
ففي عام 2021 دفعت أوروبا حوالي 120-130 دولارًا كزيادة على السعر، لكل ألف متر مكعب من الغاز، إضافة عن السعر في العام السابق.
وإذا احتسبنا الكمية التي تم تسليمها إلى أوروبا (175.7 مليار متر مكعب)، فإن الزيادة الإجمالية بلغت حوالي 22 مليار دولار ، وهذا يقارب ضعف تكلفة نورد ستريم 2 البالغة (11 مليار دولار).
وعلى مدار الشهرين الماضيين ارتفعت الأسعار وفاقت 1035 دولاراً لكل الف متر مكعب من الغاز، ورغم أنها انخفضت قليلاً، لكنها عادت إلى الارتفاع، وذلك بسبب توتر الأوضاع حول أوكرانيا، والحملة الإعلاميةالغربية العنيفة على روسيا، والتهديد بفرض عقوبات قاسية عليها، ووقف شراء الغاز الروسي.
تضاعفت الأرباح لدى الشركات والموردين، ومع الحفاظ على الديناميكيات الحالية، فلقد حققت روسيا أرباحاً من السوق الفورية، أكثر بمرتين من تكاليفها في خط انابيب نورد ستريم-2، والعملية الربحية ما زالت مستمرة.
في الحقيقة فإن وقف العمل بخط السيل الشمالي 2 لم يعد بمثابة مشكلة لشركة غازبروم فقط، بل هذه باتت مشكلة للاتحاد الأوروبي بأكمله، ستُسفر عن موجة غلاء ومعاناة، يدفع ثمنها مواطنو أوروبا. ولقد أعلن الرئيس الأمركي جو بايدن عن حزمة عقوبات ضد روسيا لكنه استثنى قطاع الطاقة وقال: إن بعض شركائنا الأوروبيين يرفضون ذلك.
ما هو سبب استثناء قطاع الطاقة الروسي من العقوبات الغربية؟
واليوم في حال قرر الاتحاد الأوروبي فرض عقوبات شاملة على روسيا، بسبب الأزمة الأوكرانية، سيضع نفسه في مأزق صعب. فهناك حوالي 40% من ألغاز الذي تستهلكه أوروبا مصدره روسيا، وفي حال التوقف عن استيراد هذا الغاز، لا يمكن للولايات المتحدة أو الشركاء الآخرين تعويض النقص الذي سيحصل، وبالتالي ستقفز أسعار الغاز من جديد، هذا إضافة إلى افتعال أزمة اقتصادية، ستنعكس على كافة القطاعات والصناعات الأوروبية. وهذا ما أكّده رئيس مجموعة توتال الفرنسية باتريك بويانية أمس حين قال: “إذا لم يصل الغاز الروسي إلى أوروبا، فلدينا مشكلة حقيقية لأسعار الغاز في أوروبا” وأضاف “ليس لدينا محطات كافية لتحويل الغاز ، وإن بناء محطة يحتاج من سنتين إلى ثلاث سنوات”.
لهذا السبب بات الجميع مستعجلاً على توقيع الاتفاق النووي مع إيران، لتعزيز إمدادات النفط والغاز إلى أوروبا، لكن طهران تحتاج لفترة لا تقل عن ستة أشهر لبدء التصدير التجاري، لأن معظم حقولها تحتاج إلى صيانة المعدات، وبعض حقول النفط والغاز يلزمه حوالي ٣-٥ سنوات لتجهيزه وبدء العمل فيه، هذا إضافة إلى حاجتها لتمويل، يُقدّر بنحو 150 مليار دولار، وبالتالي فإن الاعتماد على إيران حالياً، لن يحل مشكلة الأوروبيين، ولن يُجنّبهم آثار الحرب الاقتصادية، ومخاطر استخدام سلاح العقوبات ضد روسيا.
أما إمدادات الغاز القَطري فهي تعمل الآن باقصى طاقتها، وخطة رفع الانتاج لسد العجز الذي سينتج عن توقف استيراد الغاز الروسي، تحتاج إلى 3-4 سنوات على أقل تقدير لتنفيذها.
ستتضرر روسيا من العقوبات الغربية طبعاً، لكن أوروبا ستُصاب بالشلل، وستكون خسائرها أكبر من خسائر روسيا، فيما ستُحقق الدول الأخرى، وفي مقدمتها؛ الولايات المتحدة الأمريكية، واليابان، وكوريا الجنوبية، وأستراليا، ارباحاً كبيرة، على حساب التراجع الأوروبي، وهذا هو السبب الرئيسي في اختلاف المواقف بين أميركا والاتحاد الاوروبي، الذي تبدو دُوَله رافضة وغير متحمّسة لفرض حصار حديدي على روسيا، وإن كانت أقرّت بعض العقوبات وتُلوّح ببعض العقوبات الأُخرى، ولكنها دون شك، خاصة فرنسا والمانيا وإيطاليا وهنغاريا، يُدركون حجم المخاطرة والخسائر التي يُمكن أن تصيبهم جراء ذلك، ولا يرغبون بقطع العلاقات الاقتصادية بشكل كامل مع روسيا، وهذا ما أوضحه أمس الرئيس الأمريكي أيضاً، عندما تحدث عن أن بعض الدول الأوروبية لا ترغب بوقف كامل لتعاملات سويفت مع روسيا.
هل ستنجح الولايات المتحدة الأمريكية بتحقيق أهدافها، والانتقام بضربة واحدة من مُنافِسَيها الجبارين، روسيا والاتحاد الأوروبي؟؟ إن الأشهر القادمة ستُجيب على هذا السؤال. لكن الخبراء يعتقدون: أن أوروبا تعلم جيداً حاجتها إلى روسيا، ولن تذهب طواعية إلى الانتحار، لأن ذلك سيُشكّل فاجعة حقيقية لمعظم دول الاتحاد.