ليلة عرس أنا كريمة
الكاتب علي سلطان
النشرة الدولية –
الليلة يتم زفافي على ابن عمي، كل شيء يسير كما رتب له، هناك العديد من السيارات تقطع الشارع نحو ذلك الزقاق الضيق الذي يقع فيه بيت عباس، وعباس هو العريس في التسلسل الخامس بين إخوته.
موسيقى صاخبة وأولاد يتراقصون كالإناث، ونسوة تزغرد، وثمةَ أهازيج تنطلق من حناجر محشوة بالتبغ الرخيص هنا وهناك، (عباس طفي الكلوب، خدها يشع ويه الروب) أنا وجنتي تشع كالمصباح! ليتهم اختاروا أهزوجة أخرى فلا أدري كيف لفتاة سوداء أن تشع بالنور في الظلمة.
كم هائل من الشباب والصبية يتدافعون نحو تلك المنصة التي يتربع في وسطها عباس، في بدلته البيضاء وعنق رباطه الأحمر كأنه ديك هندي مقاد لحلبة مصارعة ومن ثم يُذبح فيما لو خسر النزاع.
هناك شاب يكبره بالسن أطال الهمس في أذنه وكان يأتي بحركات لا إرادية تخدش حياء عباس وحياء تلك الجمهرة من الحضور، فكان هناك لغط متبادل مصحوب بضحكات عالية وإشارات مخجلة.
اقترب شيخ فأبعد الشاب عن عباس وراح هو الآخر يفعل ما نهى الشاب عنه قبل حين!
كان عباس يتصبب عرقاً وقد استهلك كمية كبيرة من المناشف الورقية، وكان كثيراً ما يشرب الماء.
أطال العريس في استحمامه ظهر اليوم في إزالة بقع الشحوم والدهون لمحركات السيارات فذلك عمله، لعله كان حمام العمر كله، حيث لم يتحمم مثل اليوم ولا أظن بعد اليوم.
أنا لا أختلف عن عريسي، لو أنهم تركوني دون تلك الألوان والأصباغ لبدوت أجمل، لكني كثيرة الاعتناء بنظافتي الشخصية.
لم يكن لعباس أي تجربة عاطفية أو خبرة في التعامل مع الفتيات لكني كنت ذات خبرة.
ما يثير الدهشة حقاً ذلك العطر الذي أفرغه عباس فوق جسده وبدلته وتلك اللمعة العجيبة التي سحبت الغبار فوق شعره الكثيف القنفذي.
بعد العشاء المليء بالدهون أدخلوا عباس عليَ، دقائق ولم تخرج تلك المرأة التي تدعى أمي. أطالت المكوث أكثر مما ينبغي لها. ثم ما إن خرجت حتى تقدم العريس نحوي يحاول عنوة ذبح حلمي، لكنني لم أمكنه مني، حاول لمرة ومرتين لكن دون جدوى، ثم لمرة ثالثة فتصاعد بكائي.
كنت هلعة، هو يعلم أنني لست من الفتيات الخجولات، كنت دائماً مرحة ومنطلقة ومنفتحة.
ثم ما لبث حتى دفعني نحو السرير، همهمت بكلمات مبهمة لم يدركها، كنت أبكي حيث كان الجميع يضحك، أبكي خيبتي وانكساري وخذلاني ولوعتي، فلاح بيده وصفعني فوق خدي بقوة حتى ترك أثراً لأصابع يديه.
لم يكن يدري أخائفة أنا أم غير راضية به أو لعلَ ثمةَ أمر آخر من الأسرار الأنثوية يجهله.
خرج عباس أخيراً دون أن يجتاز الحد الفاصل بتحويلي من فتاة إلى امرأة.
ما يقلقني أنه خرج صامتاً بشكل مخيف، شارداً في اللاشيء، لا أدري ما الذي يعتريه. على كف الضياع ألقاني القدر، فلا حبيبي قربي فينقذني، ولا أنا يمكنني إنقاذ نفسي، إنني في منتصف قدري المميت أقبع، إني أغرق والقشة التي أتمسك فيها ما عادت تحملني.
وظلال أيدينا الخجولة طويت في ليالٍ ضبابية معتمة جميع أسرارنا، حكاياتنا، جنوننا واضطرابات شوقنا تضاءلت وكأنها صور سراب من صحراء شاسعة.
ما زلت أتعلق بخيط واهن يكاد كل ساعة أن ينقطع أشده أكثر حتى تدمى روحي دون أن أكترث.
يصمت كل شيء في داخلي إلا التساؤلات الموجعة المتكررة! أين هو الآن مني؟ الاحتراق المستعر كيف يلفه الصمت وأنا أتخبط في الصراخ المدوي! كيف لي أن أبدو بهذا الثبات المريب وكل شيء يهتز بعنف في داخلي؟ في النهاية أسير وحدي بخطى متعرجة، لا شيء معي غير ظلال لأحلام باكية، وبعض الأماني المرهقة، وأنا بعيدة عن حبيبي المعتق في قلبي ووجداني.
خرج عباس، بعد أن ارتدى دشداشة بيضاء جديدة، وعجبي من أين أتت تلك الخطوط السوداء العالقة في أكمامها وإطار رقبتها؟
وانتهى الحفل، وعاد الجميع إلى مساكنهم، وبقي العريس في الخارج هائجاً غضباً.
بعد ساعة متأخرة من الليل، كان عباس يجلس على حافة السرير وسيجارة برائحة كريهة مشتعلة بين إصبعيه، بعد أن أدخلته أمي التي قامت بتوبيخي قبل حين، وكان القلق والشك يحيطان أمه.
تمكن الأحمق مني.
وحدث ما كان يهم الجميع، لكن لا أحد كان يهتم لكريمة، وأنا ألملم شتاتي وحطامي قلت في نفسي ومن بين دموعي: اعذرني يا حبيبي، فقد تحطم حلمي أن تكون أول من يفعلها..