الفنان عمر فاخوري وسيرة الأشياء التي لا تنتهي
اللوحات شاهدة على عامين من تاريخ لبنان
النشرة الدولية –
العرب – ميموزا العراوي –
يستمر الفنان اللبناني متعدد الوسائط عمر فاخوري في استنطاق الأشياء من حوله، حيث يقدم في معرضه الجديد المقام تحت عنوان “أشياء وأشياء أخرى” رؤية فنية لأشياء وأحداث حصلت في لبنان خلال العامين الماضيين لعل أبرزها انفجار المرفأ وتداعياته على الحياة في بيروت وما خلفه من جرحى ودمار هائل.
تعرض صالة المرفأ اللبنانية مجموعة أعمال للفنان المتعدد الوسائط عمر فاخوري تحت عنوان “أشياء وأشياء أخرى”. معرض الفنان لا يخرج عما قدمه إلى الآن من حيث انشغاله بعوالم الأشياء القادرة على سرد حقائق قد لا يقوى على سردها أحد غيرها بكل الصدق الممكن، ويستمر حتى التاسع والعشرين من مارس القادم.
وكانت للفنان عدة معارض سابقة أهمها في صالة أجيال إذ أسست لعالمه الفني بشكل ثابت. وباختصار شديد شكل معرضه السابق في صالة أجيال تبيانا للمنطق الذي يسير عمله الفني حيث قدم جملة من القاعدات الحجرية تشبه إلى حد بعيد شواهد على قبور. قبور للذاكرة الجماعية الموحّدة. وشواهد تتسيد الساحات العامة وتجعل من الماضي البعيد شتات أحلام ومُبعثرات وطن فقد بوصلته، فعاث في أرضه كل من طاب له ذلك.
ولم تكن لوحات الفنان وليست هي اليوم أضرحة للذاكرة العميقة فقط، بل هي أيضا صروح للفراغ وتصوير لسلسلة من تمارين لا تنتهي، هدفت ولا تزال إلى اجتراح معنى واحد قد يتفق عليه وطن ما انفك يُدمّر ويُعيد تشييد ذاته من دون الوصول إلى قرار.
عالم عمر فاخوري هو أكثر من أي يوم مضى مبني على جمع المتكسرات العامة والخاصة، المادية وغير المادية
وأظهرت مجموعة “أشياء وأشياء أخرى” فصلا جديدا من التدمير الذاتي وهو المتعلق ليس بالماضي البعيد بل بما جرى منذ سنتين وهو انفجار مرفأ بيروت وتدمير المناطق المجاورة له.
وكما يشير عنوان معرضه فإن الفنان خرج عن تسمية الأشياء التي رسمها سابقا في معارضه الماضية عن خاصية الغموض. هو اليوم، وكما يقول التعبير الرائج “يسمي الأشياء بأسمائها”. فما يرسمه ليس “الأشياء” بقدر ما هي الأخرى التي تتحدث عنا أكثر من خلال سيرتها الشخصية المُتمثلة خصوصا بما تعرضت له من عنف المحيط المتمثل بفعل البشر أكثر مما هو متعلق بعوامل الطبيعة.
ويعرض عمر فاخوري أمام الجمهور أشياءه الأخرى وهي تستعرض الألم وكأنه عادة يومية وتفصح عن الاختلال وكأنه أمر عادي جدا. وخلافا لما قدمه في صالة أجيال يستخدم الفنان الألوان الزيتية وليس الأكريليك ولكنه يحافظ ويطور من براعته التقنية والفنية على السواء.
وتضم الصالة مجموعة كبيرة من الأعمال تشي بالغزارة التي أراد فيها الفنان التقاط كل الأشياء التي تسرد قصة واحدة هي امتداد لقصص سابقة. أما هذه القصة المأساوية التي يسردها الفنان اليوم فهي انفجار مرفأ بيروت.
ولعل خصوصية تناول الفنان لهذا الحدث المأساوي تكمن في أن هذا الانفجار أصبح أشبه بأسطورة مرعبة ومعلنة عن موت الضمير والإنسانية على السواء لأنه منذ حصول الفاجعة وسلسلة من أعمال التعتيم تجري لطمس الحقائق المتعلقة بظروفها وبأسماء الشخصيات المتورطة فيها. ربما لأجل ذلك تبدو الأشياء التي رسمها الفنان في معرضه تحدق بالمُشاهد وليس العكس.
إنها تقول إنها تخطتنا بأشواط بمجريات التحقيق الذي لم يحدث أصلا. هي تقول إن السيارة المدمرة، أنا الإناء المشعور، وأنا القدم الاصطناعية التي فصلت عن جسد لابسها شهدت على ما حصل لي. أنا الشاهد وأنا الضحية.
ويلعب الفنان هنا دور الناطق باسم تلك الأشياء والموثق لحقيقة ما جرى. فكل ما يجري على أرض لبنان هو تتمة لما سبق البارحة فلا حاجة لأي تحقيق عندما تكون الحقائق جلية كعين الشمس. لذلك ربما بدت أعماله يلفها صمت غرائبي لأنها تتبنى الفجيعة، وتعيشها كأي يوم من أيام حياتها العادية.
ولعل أكثر ما صنعه الفنان تأثيرا في النفس هو شمله للأشياء التي تحطمت جراء الانفجار مع أشياء أخرى بسيطة انكسرت في منزله كما تنكسر الأشياء العادية عن طريق الخطأ.
ويقول الفنان في الحديث عن معرضه الجديد هذا “نقلت بيوتا وأستوديوهات منذ نحو عام، وعثرت في صناديق النقل على أشياء مكسورة، إما قبل عملية النقل، أو خلالها وصرت أرسمها قطعة وراء قطعة. ثمة أغراض أخرى تكسرت بينما كنت أرسم الأشياء الأخرى، فرسمتها أيضا”.
وعالم عمر فاخوري الفني هو اليوم أكثر من أي يوم مضى مبني على عملية جمع المتكسرات العامة والخاصة، المادية وغير المادية. في لوحاته عندما تظهر ضمن مجموعات تبدو كأنها تشد أزر بعضها البعض لتنشأ نصا وتاريخا خاصا بها وحدها.
هذا ما يجرى في لوحات الفنان: اختلط الخاص مع العام وضاعت الحدود بينهما. وكيف لا وكل أمر في هذا الوطن تخطى الخاص ليصل إلى العام والعكس بالعكس؟ الأشياء في لوحات الفنان تقول لمُشاهدها: أشبع نظرك، لا يهمني رأيك. ثم هيا، اذهب من هنا.
ويذكر أن الفنان هو متعدد الوسائط وقد عمل في فنون التجهيز والفيديو والنحت إضافة إلى الرسم على القماش بمواد مختلفة. وهو من مواليد “بيت شباب” اللبنانية. حاصل على باكالوريوس في الفنون والرسم من الجامعة اللبنانية. وحاصل على ماجيستير في الفنون الجميلة من جامعة السوربون في باريس وهو اليوم إضافة إلى انشغاله بمحترفه الفني هو أستاذ في الفنون في الجامعة اللبنانية.
ولعمر فاخوري مشاركات فنية عديدة في معارض جماعية داخل وخارج لبنان كما له معارض فردية عديدة أهمها المعرض الذي قدمه في صالة أجيال في مدينة بيروت.