بالصور والخرائط كيف وأين أصبح التوغّل الروسي في أوكرانيا

النشرة الدولية –

الثائر –  اكرم كمال سريوي –

استعمل الجيش الروسي أسلوباً جديداً في عملياته العسكرية في أوكرانيا ، فهي لا تشبه إطلاقاً عمليات الهجوم التي نفّذها في الشيشان، عندما قاما بتدمير شبه كامل لمدينة غروزني، ومناطق الانفصاليين الشيشان آنذاك.


بدأ الهجوم الروسي على أوكرانيا الساعة الخامسة صباح يوم الخميس في 2022/2/24 وكان سبقه هجوم سيبراني مساءً على المناطق الاوكرانية، ثم بدأ قصف صاروخي وغارات كثيفة للطيران الحربي، استهدفت 11مطاراً و3 مراكز قيادة و 36 محطة رادار وصواريخ مضادة للطائرات، ووفق التقارير العسكرية الروسية تم خلال الساعات الأولى تدمير 95% من الدفاعات الجوية الأوكرانية، مما فرض سيطرة روسية كاملة على الأجواء، فتقدمت القوات البرية من ثلاث اتجاهات، ضمّ كل اتجاه محورين رئيسيين:

١- الاتجاه الشمالي: انطلقت فرقة مشاة ميكانيكية مدعومة بلواء مدرع من الحدود البيلاروسية باتجاه تشرنوبل، وتابعت جنوباً فتجاوزت مدينة ايفانكيف، ووصلت على مشارف العاصمة الأوكرانية كييف من جهة الشمال الغربي. في الوقت عينه انطلقت فرقة ثانية من الأراضي الروسية نحو مدينة تشيرنهيف، وتابعت تقدمها لتطويق العاصمة كييف من جهة الشرق. ثم تم إنزل قوات مضلّية عزلت المدينة من جهة الغرب.

٢- الاتجاه الشرقي: انطلقت فرقة ميكانيكية مؤللة مدعومة بالمدرعات من مدينة كورسك باتجاه مدينة سومي، وفرقة ثانية من مدينتي سولوتي، وفرقة من فولغا غراد باتجاه مدينة خاركيف، وأفادت المعلومات أن القوات الروسية لم تدخل المدينتين اللتين أصبحتا بحكم الساقطتين عسكرياً، ويسيطر عليهما الهدوء اليوم ولا تسمع أي اشتباكات، رغم أنه ما زالت توجد وحدات أوكرانيا داخل المدينتين.

٣- من الجنوب تقدّمت فرقتان ميكانيكيتان، انطلقتا من شبه جزيرة القرم، الأولى اتجهت غرباً باتجاه مدينة خيرسون، والثانية انحرفت شرقاً باتجاه مدينة مليتوبول
فيما تمت محاصرة مدينتي أوديسا وماريوبل من قبل البحرية الروسية، التي كانت قد أغرقت البحرية الأوكرانية في بَحري؛ أزوف، والأسود، بشكل شبه كامل .

في الوقت عينه اندفعت قوات مقاطعتي دونيتسك ولوغانسك الانفصاليتين لتحرير أراضي الأقليمين، اللذين اعترفت بهما روسيا كجمهوريتين مستقلتين، وهذا الاعتراف دفع روسيا الى تبرير تدخلها في أوكرانيا، بما أسمته عملية خاصة لدعم جمهوريتي لوغانسك ودونيتسك المستقلتين، بفرض الأمن على الحدود مع القوات الأوكرانية. ومن الجدير ذكره أنه منذ عام 2015 كان قد استقر خط التماس بينهم هناك، واحتفظ الجيش الأوكراني بمساحة واسعة من أراضي الأقليمين .

يتم تداول أنباء في الإعلام عن وقف اندفاعة الجيش الروسي وعدم تمكّنه من تحقيق نجاحات هامة، إضافة إلى تكبّده خسائر فادحة، بفضل صمود الجيش الأوكراني. لكن وزارة الدفاع الروسية تنفي الأنباء والفيديوهات التي تنتشرعبر وسائل التواصل عن خسائر لقواتها .

وفي الحقيقة أن روسيا تواجه مشكلة فعلية في غزوها لأوكرانيا الشاسعة، التي تبلغ مساحتها 603,550 كلم مربع، أي ما يفوق بثلاث مرات مساحة دولة كسوريا. هذا إضافة إلى عدم رغبة روسيا بإحداث دمار شامل في المدن الأوكرانية، على غرار ما حصل في برلين وهيروشيما أبان الحرب العالمية الثانية، أو في المدن السورية كحلب وحمص في الحرب السورية الأخيرة .

لذلك ارتكزت الخطة الروسية على عدة نقاط:

أولاً: دعم الانفصاليين في دومباس لاستعادة سيطرتهم على مناطق الإقليم، التي باتت تعتبرها روسيا أراضٍ مُحتَلة من قبل الجيش الأوكراني، بعد الاعتراف بهما كجمهوريتين مستقلتين.

ثانياً: تدمير البُنية التحتية للجيش الأوكراني، من مطارات ومخازن اسلحة ومصانع وسلاح بحرية ودفاع جوي، وجَعلِه عاجزاً عن القتال الكلاسيكي.

ثالثاً: أحتواء المدن الأوكرانية وتجنّب دخولها، كي لا يدخل الجيش الروسي في حرب شوارع، ستكون مكلفة للغاية، وتحتاج إلى عدد كبير من القوات.

رابعاً: قطع أواصل القوات الأوكرانيا ومنع إمدادها، وشلّ حركتها، والضغط على كييف لاسقاط سلطة الرئيس زيلنسكي، مما يدفع بالجيش الأوكراني إلى التوقف عن القتال وإعلان الاستسلام.

يوجد في أوكرانيا نسبة كبيرة من القوميين الذين يرون في روسيا عدواً لهم، وهناك قسم آخر لا يريد معاداة روسيا، لكنه يرغب بالالتحاق بالغرب لاهداف اقتصادية، وهؤلاء باتوا يساندون جماعة القوميين، ويرفضون الاجتياح الروسي لبلادهم. ولهذه الأسباب سيواجه الروس معركة طويلة الأمد في أوكرانيا، وهم يدركون ذلك جيداً، ويسعون إلى تحقيق أهدافهم والخروج من أوكرانيا بأسرع وقت .

لا يستطيع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بعد كل ما فعله بغزوه لأوكرانيا، أن يعود مهزوماً أو خالي الوفاض، مهما كلّف الأمر. وهذه حقيقة يجب أن يفهمها الأوكرانيون أولاً، لتجنيب بلادهم مزيداً من الخسائر. فها هو الغرب تركهم وحيدين في ساحة المعركة، ولا قيمة فعلية لهذا الصراخ والضجيج الاعلامي الذي يمارسه الغرب، فلا العقوبات على روسيا (التي ما زالوا يختلفون حولها) ويصفونها بالقاسية جداً، ولا بيانات الشجب والإدانة، تكفيان لوقف المآسي وشلال الدم الذي ينزف في أوكرانيا.

لم يُجرّب الأمريكيون منذ أمد طويل الحرب في بلادهم، ولم يتعرّفوا على مآسيها جيداً، فهم صحيح أنهم غزوا دولاً عِدّة؛ من فيتنام إلى كوريا وصربيا والعراق وأفغانستان، وتدخلوا في 51 دولة أُخرى، لكن كل ذلك بقي على أراضي الغير، وفتَك جيشهم بشعوب تلك الدول دون رحمة، أما خسائرهم فلم يتم الإعلان عنها، سوى في بعض الأفلام السينمائية التي تروّج لبطولات وهمية، وإنسانية كاذبة زائفة مفقودة.

لقد دفع الرئيسان الأمريكي جو بايدن والبريطاني جونسون بالرئيس الأوكراني زيلنسكي إلى أتون الحرب، وأفشلوا اجتماع النورماندي حول دونباس، ومنَعوه من الحوار مع بوتين، وأغرُوه بالوعود، وبعض المال والسلاح، الذي يُشبه ما تم تقديمه من قِبَلهم سابقاً إلى جماعة القاعدة في أفغانستان، من أجل محاربة السوفيات، وها هم الآن يريدون محاربة روسيا، بدماء الشباب الأوكرانيين.

لقد أدرك الرئيس الأوكراني زيلنسكي هذه الحقيقة المُرّة متأخراً، وطلب الحوار مع روسيا وبوتين، فلربما ما زال الوقت سانحاً لتجنيب الشعب الأوكراني وحتى الروسي مزيداً من الخسائر،
فقد يكون الحياد مفيداً لأوكرانيا، أكثر بكثير من الدخول إلى حلف الناتو، لتشكّل رأس حربة أمريكية في مواجهة روسيا.
فهل تنجح لغة العقل قبل فوات الآوان؟؟؟

هذا ما ستجيب عليه الأيام القليلة القادمة، قبل أن يجد بوتين نفسه مجبراً على دخول كييف عنوةً، بكل ما يملك من أسلحة مدمّرة فتاكة، فيكون زيلنسكي قد ضحّى بعاصمته الجميلة، إرضاءً للغرب، وقدّم هدايا مُكلفة للعم سام، الذي لا يهمه سوى كم سيجني من الأرباح والأموال، مهما اشتعل في العالم من حروب، ومات من ابناء الشعوب الفقيرة.

 

زر الذهاب إلى الأعلى