ثروة لبنان النفطية بين التفاوض و”المصالح الشخصية”
بقلم: سوسن مهنا

ترددت معلومات عن لقاء بعيد من الأنظار بين جبران باسيل والموفد الأميركي آموس هوكشتاين في ألمانيا

النشرة الدولية –

اندبندنت عربية  –

لم تهدأ تصريحات المسؤولين اللبنانيين المتناقضة في شأن ملف ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، منذ الزيارة الأخيرة للمبعوث الأميركي لشؤون الطاقة، آموس هوكشتاين، إلى بيروت، في التاسع من فبراير (شباط) الحالي. لقد شكّل ما تناوله الإعلام اللبناني عن حذف الرسالة التي وجهها لبنان إلى الأمم المتحدة مادة للتجاذبات السياسية بشأن ملف شائك أصلاً وخاضع لمبدأ الابتزاز السياسي، منذ إعلان رئيس مجلس النواب نبيه بري عن “اتفاق الإطار”. واعتبر حذف الرسالة التي أشارت فيها الدولة اللبنانية إلى حقها وتمسكها بالخط 29 في مفاوضات ترسيم الحدود، بمثابة “فضيحة”. وذهب البعض إلى اعتبار أن التنازل عن الخط 29 هو “خيانة عظمى”، ما دفع بوزارة الخارجية والمغتربين اللبنانية إلى إصدار بيان ردت فيه على ما اعتبرته إشاعات تناولتها وسائل الإعلام المرئي والمسموع والمواقع الإلكترونية، عن حذف المكتبة الرقمية التابعة للأمم المتحدة الرسالة التي وجهتها بعثة لبنان الدائمة لدى المنظمة الدولية في نيويورك، ونؤكد أنه لم يتم حذف الرسالة ويمكن الاطلاع عليها. وأرفق ذلك برابط الرسالة (عندما حاولنا النقر على الرابط دخلنا صفحة blank blocked).

بدوره، وزير الخارجية عبد الله بو حبيب قال في دردشة مع الصحافيين، “إننا لم نطلب سحب الرسالة الموجهة إلى الأمم المتحدة بشأن الترسيم، ولا يمكن لأي طرف أن يسحب الرسالة”، لافتاً إلى “أننا كلفنا سفيرتنا متابعة الموضوع، وإن كان يريد أي أحد سحبها فنحن نريد أن نعيدها”. وتابع، “لم يتبنّ لبنان الخط 29، وحكومة عام 2011 حددت الخط 23 والحكومة الحالية مستمرة بالتفاوض على الخط 23، ويمكن أن يكون هناك hacker عمل على إزالة الرسالة، وعلينا انتظار فارق التوقيت مع نيويورك للوصول إلى إيضاحات بشأن الموضوع”.

الصفقة

ودار في الأيام الماضية كلام عن لقاء جرى بين رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل والموفد الأميركي هوكشتاين، في العاصمة الألمانية. وكان عنوان البحث ملف الترسيم والتنقيب عن النفط والغاز. وتقول المصادر إن باسيل أبدى رغبته في تسهيل مهمة الوسيط الأميركي في ملف ترسيم الحدود واقتناعه بضرورة إنهاء الملف والبدء بمسارات التنقيب. ونقلت وسائل إعلام لبنانية تأكيد مساعد وزير الخارجية الأميركي السابق ديفيد شينكر اللقاء، وأن الهدف منه هو عقد صفقة بين واشنطن التي تدعم موقف إسرائيل وبين باسيل، وأن يتراجع لبنان عن الخط 29 لمصلحة إسرائيل في نزاع ترسيم الحدود مقابل رفع عقوبات “ماغنيتسكي” عن باسيل، هذا الأمر دفع بشينكر إلى أن يوضح في حديث إعلامي ما نسب إليه. وقال “كلام نسب إلي وأنا لم أقله إطلاقاً في مقابلتي الأخيرة مع “Ici Beyrouth”. وأضاف مستغرباً، “هذه الإشاعة ستعجب جبران باسيل، خصوصاً أن إدراجه على لوائح العقوبات الأميركية يجعل وصوله إلى الرئاسة في لبنان معقداً”. ودعا إلى الانتباه إلى أن ملفي “عقوبات باسيل” و”ترسيم الحدود البحرية” غير مترابطين على الإطلاق. وسأل، “كيف يمكن أن يكونا مرتبطين؟ إدراج باسيل على لوائح العقوبات هو بسبب فساده وليس بسبب الترسيم”. وتابع: “على الرغم من أن باسيل قد يعرض خدماته في هذا الملف مقابل رفعه عن لوائح العقوبات، فإن هذا الأمر لا يصب حقيقة في محاربة الفساد، بل سيشرعه، ولهذا لا أعتقد أن هكذا صفقة قد تتم”.

يقول الكاتب حسين أيوب، إن “الأميركيين أبلغوا من يعنيهم الأمر بأن سلاح العقوبات ينتظركم إذا لم تضعوا تواقيعكم على الوصفة الأميركية الأخيرة (الخط المتعرج الذي يضمن حقل قانا للبنان مقابل حقل كاريش لإسرائيل). ويمكن تعميم نموذج معاقبة جبران باسيل في أكثر من اتجاه. ثلاث رحلات جوية خاصة متتالية إلى ثلاث عواصم، هي برلين وباريس والدوحة، واجتماعات بعيدة من الأضواء (وما أدراك ما جرى في الدوحة وبين من ومن؟) ومن بعد هذه المجالس والعواصم كلها صار المستحيل ممكناً. طار الخط 29 من قاموس ميشال عون والتيار البرتقالي، ما هو الثمن؟ حتماً، يتصل بالعقوبات التي فرضت وبات ممكناً البحث عن مخارج لها، بالتالي حماية آخرين من السلاح نفسه، وبعضهم يلعب أدواراً استشارية قديمة ـ مستجدة في محيط الرئيس القوي… وبالطبع، هذا موسم رئاسي يحتمل جوائز معنوية من عيارات مختلفة، فضلاً عن حسابات قوى أخرى تتصل بترتيب أوضاع الإقليم، في ضوء ارتفاع احتمالات التوصل إلى تفاهم نووي”.

ويقول مرجع حكومي سابق لـصحيفة “الشرق الأوسط”، إن رفع العقوبات الأميركية المفروضة على باسيل، دونها صعوبات، لأن القرار لا يعود إلى الإدارة الأميركية، وإنما إلى وزارة الخزانة، وهذا ما يطرح سؤالاً حول الانقلاب في الموقف اللبناني حيال ترسيم الحدود البحرية جنوباً بتخليه عن الخط 29 الذي يشكل الحدود البحرية للبنان وتراجعه إلى الخط 23 بذريعة افتقاده إلى الأفق القانونية والبراهين لتثبيت الحقوق اللبنانية فيه. وأبدى هذا المرجع تخوفه من أن يكون الهدف من تراجع لبنان عن الخط 29 الدخول في مقايضة مع واشنطن لتسهيل مهمة الوسيط الأميركي بين لبنان وإسرائيل في مقابل رفع العقوبات المفروضة على باسيل، خصوصاً أن رفعها كان طرح سابقاً بين مساعد وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأوسط ديفيد هيل قبل أن يترك منصبه مع انتخاب جو بايدن رئيساً للولايات المتحدة وبين عدد من النواب المنتمين إلى تكتل “لبنان القوي” برئاسة باسيل.

في هذا الموضوع، يقول الكاتب حسن الدر لـ”اندبندنت عربية”، “دخل ملف ترسيم الحدود البحرية مرحلة حساسة وخطيرة مع التسريبات التي سبقت انقلاب رئيس الجمهورية على نفسه بتراجعه عن موقفه بتبني الخط 29 بدلاً من 23 على مدى أكثر من سنتين. فقبل توقيع اتفاق الإطار بين رئيس مجلس النواب، تعالت أصوات كثيرة محيطة برئيس الجمهورية تدعو إلى تعديل المرسوم 6433 واعتماد الخط 29 بدلاً من 23، لأن الخرائط والدراسات اللبنانية والبريطانية تؤكد حق لبنان في الـ29. وعلى هذا الأساس، فوض الرئيس عون الوفد العسكري التفاوض غير المباشر مع الجانب الإسرائيلي، لكن الرئيس نفسه تمنع عن توقيع تعديل المرسوم 6433 وفاجأ الجميع بتصريحه لصحيفة “الأخبار” بأن الخط 29 لا أسس تقنية تبرهنه وبأن لبنان يتبنى الخط 23.

تأكيد لقاء باسيل – هوكشتاين

ويتابع الدر، “سبق هذا الإعلان المفاجئ تسريبات قريبة من “حزب الله” عن لقاء بعيد من الأنظار بين باسيل والموفد الأميركي هوكشتاين في ألمانيا، وأن صفقة ما أبرمت تقضي بتسهيل إجراءات رفع العقوبات الأميركية عن باسيل في مقابل تخلي عون عن تبني الخط 29. وهذا ما دفع برئيس الوفد المفاوض (العميد بسام ياسين) إلى كسر حاجز الصمت ورفع الصوت ضد خطوة عون، وفند بالأرقام والخرائط والوقائع مسار التفاوض الذي يناقض ما صرح به عون لصحيفة “الأخبار”، وتلا ذلك حملة إعلامية مساندة لموقف ياسين وصلت إلى حد اتهام عون بالخيانة العظمى”.

ويقول الكاتب، إن “حزب الله وجه رسالة إلى عون عبر أطر التواصل بينهما مفادها أنه صحيح أن موقف الحزب واضح بالوقوف خلف الدولة اللبنانية في مسألة ترسيم الحدود مع العدو الإسرائيلي، لكن ذلك لا يعني القبول بأي صفقة على حساب الحق اللبناني، وأن مسار الأمور لا يوحي بالخير”. وعليه، يضيف الدر أن “مفاوضات الترسيم قد تجمد حتى تتضح الصورة ويدرس الملف بشكل تقني ومهني بعيداً من المزايدات والحسابات الضيقة”.

وكان رئيس الوفد المفاوض العميد ياسين علق على حديث الرئيس عون لصحيفة “الأخبار” اللبنانية بالقول إن المفاجأة جاءت بما نقلته الصحيفة عن الرئيس عون بالتخلي عن الخط 29 لمصلحة الخط 23، “ما يعني أننا رمينا كل شيء أنجزناه”.

من جانبه، رد النائب باسيل بالقول إنكم “حرضتوا قبل على العقوبات واليوم على الحدود. شو سهلة عندكم المقايضة، لأنكم قايضتوا استقلالكم على مواقعكم”، مشدداً على أنه “يا أذكياء، أنا لو بدّي أعمل مقايضة على العقوبات، كنت عملتها قبل ما آخدها، مش بعد… قبل، كنت قبضت ثمن عالٍ مقابل عدم وضعها. بعد، بدّي أدفع ثمن غالي لرفعها”، ومؤكداً “أنني مش غبي ولا عميل متلكم”.

وقد نقل عن مصادر “حزب الله” أنه من المبكر أن يعطي رأيه بالمسألة، بخلاف الأحاديث الجاري تناقلها بشأن موقف الحزب من ملف الترسيم. من الواضح أن “حزب الله” يتعاطى بعدم اكتراث حيال الملف، وليس من زاوية عدم أهميته، وإنما لترك الجميع يقولون ما لديهم، وعند حلول الساعة سيكون الموقف جاهزاً”.

عقوبات باسيل

في نوفمبر (تشرين الثاني) 2020، فرض مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأميركية عقوبات على باسيل، رئيس “التيار الوطني الحر”، بموجب الأمر التنفيذي (E O) 13818 لدوره في الفساد في لبنان”. وجاء في القرار “شغل باسيل مناصب عدة رفيعة المستوى في الحكومة اللبنانية، بما في ذلك منصب وزير الخارجية والمغتربين، ووزير الطاقة والمياه، ووزير الاتصالات. اشتهر طوال حياته الحكومية بالفساد وارتبط بشراء النفوذ داخل الأوساط السياسية اللبنانية. وعندما كان وزيراً للطاقة، شارك في الموافقة على مشاريع عدة كان من شأنها توجيه أموال الحكومة اللبنانية إلى أفراد مقربين منه من خلال مجموعة من الشركات الواجهة”. وأشار المكتب إلى أنه “إضافة إلى فرض عقوبات Global Magnitsky على باسيل، تم إخضاعه للمادة 7031 (س) من قانون اعتمادات وزارة الخارجية والعمليات الخارجية والبرامج ذات الصلة لعام 2020 بسبب تورطه في فساد كبير”. وبما أن قانون “ماغنتسكي” مخالف لأهم مبادئ القانون الدولي ولا يطبق قانونياً خارج الأراضي الأميركية وغير مصدق عليه في المعاهدات الدولية، لا يوجد أمام باسيل إلا السبل القانونية، ولكن على الأراضي الأميركية كي يستطيع أن يُقدم على نزع هذه العقوبات عنه. وكان باسيل قال، “سأكلف مكتب محاماة بهدف إبطال القرار لفقدان الأساس القانوني وطلب التعويض المعنوي والمادي، وموعدي يكون عندها مع القضاء الأميركي”. ولم يعلن رئيس “التيار الوطني” أنه أقدم على أي خطوة قانونية في هذا الاتجاه.

سؤال عن صحة التصريح المنسوب إلى الرئيس

وكانت الدائرة القانونية في “مجموعة الشعب يريد إصلاح النظام”، قد تقدمت باستدعاء عبر بريد القصر الجمهوري سجل أصولاً، إلى المديرية العامة لرئاسة الجمهورية، تطلب فيه أفادتها خطياً – سنداً لقانون حق الوصول إلى المعلومات – عن صحة التصريح المنسوب إلى رئيس الجمهورية في صحيفة “الأخبار” في قضية ترسيم الحدود البحرية، وكذلك إفادتها عن السند القانوني المتذرع به الخاص بعدم إمكانية تعديل المرسوم الناظم للحدود البحرية رقم 6433 الذي يضمن رسمياً حقوق لبنان البحرية في هذا الشأن.

وردت الرئاسة اللبنانية عبر حسابها على “تويتر”، وكشفت عن أنها تلقت طلباً من “مجموعة الشعب يريد إصلاح النظام” بشأن الحصول على معلومات “تتعلق بالتفاوض الرامي إلى ترسيم حدود لبنان البحرية الجنوبية”. وأكدت الرئاسة أن المعلومات عن التفاوض حول ترسيم حدود لبنان البحرية الجنوبية من أسرار الدفاع الوطني الذي يمنع القانون الإفصاح عنها. وشددت على أن “الأعمال المتصلة بالمفاوضات غير المباشرة تحاط بالسرية لحفظ الأمن القومي لئلا ينفد العدو إليها ويستخدمها لتقوية موقفه بوجه لبنان”.

حسم موضوع الترسيم في غضون شهرين

وكان مستشار رئيس مجلس النواب للشؤون الدبلوماسية علي حمدان قد أكد أن نتيجة الترسيم هي التي تحدد الخط، وقد يكون الخط 23، وإذا كان الخط 29 أو قبله أو بعده فإن الترسيم يحدد ذلك. ورداً على سؤال عن تحديد الرئيس عون النقطة 23 ذكر حمدان أنه لا شك في أن الحكومة اللبنانية في فترة 2010 – 2011 أرسلت مرسوماً إلى الأمم المتحدة تقول فيه إن خطها هو 23. أما عن الخط 29، فقال حمدان في حديث تلفزيوني، إن هذا الخط هو احتمال ولا يمكن الركون إلى احتمال والقول أنا أتشبث به، ولهذا السبب هناك طاولة مفاوضات برعاية الأمم المتحدة والوسيط الأميركي. وأكد حمدان أن “حزب الله” سيقبل بالنتائج مهما كانت إذا قبلت بها الحكومة اللبنانية حتى ولو كان على أساس الخط 23. وتوقع حمدان حسم موضوع ترسيم الحدود البحرية في غضون شهرين. وتوقع عودة الوسيط الأميركي هوكشتاين إلى لبنان بعد شهر ونصف الشهر على أبعد تقدير، وربما قبل ذلك.

زر الذهاب إلى الأعلى