قصة شبكات تهريب المخدرات من سوريا إلى الأردن… الطرق والأساليب والمتَّهَمون!

النشرة الدولية –

النهار العربي –

صارت الحدود الأردنية – السورية بمثابة ثقب أسودَ يجتذب إليه شبكات تهريب المخدرات المنتشرة في الداخل السوري. وخلافاً لما كان متوقعاً بعد التقارب السياسي بين دمشق وعمّان حيث كان يفترض أن يُترجم ذلك تنسيقاً أمنياً لمحاربة ظاهرة التهريب، زاد نشاط شبكات التهريب كمّاً ونوعاً على ضفتي الحدود، بل اتخذ هذا النشاط منذ مبادرة الملك الأردني للحوار مع النظام السوري حول تغيير سلوكه، أشكالاً أكثر جرأة وأشد مغامرةً.

وفي عملية واحدة أعلن الجيش الأردني، أخيراً، عن قتل 27 مهرباً أثناء محاولتهم إدخال شحنة مخدرات إلى الأردن من سوريا، وهو ما يكاد يوحي أن عمليات التهريب لم تعد مجرد نشاط إجرامي عادي، بل تحولت، لسبب أو لآخر، إلى شكل من أشكال الجريمة المنظمة التي تحتاج إلى بنى تحتية ضخمة للتخطيط والتنفيذ، مع عدم استبعاد وجود استهدافات وغايات سياسية من وراء تنشيط التهريب في هذه المرحلة كوسيلة للتأثير في مصير الجنوب السوري الذي بات بؤرة توتر أساسية في سياق الصراع بين إسرائيل وإيران.

ووسط تبادل الاتهامات بين الأطراف المختلفة عن الجهة المسؤولة عن تهريب المخدرات وتسهيل نشاط شبكاتها، لا يزال الغموض يلف الكثير من تفاصيل هذا الملف سواء لناحية العقل المدبر الحقيقي الذي يقف وراءه أم لناحية الطرق والأساليب التي تتبعها الشبكات في عمليات تصنيع الحبوب المخدرة ومن ثم تجميعها على مقربة من الحدود الأردنية قبل محاولة تهريبها عبر الحدود. وتشير كثافة محاولات التهريب التي تشهدها الحدود الأردنية – السورية وضخامة الشحنات المراد تهريبها إلى وجود نهج مركزي يدير هذه العمليات ويسعى من خلالها إلى تحقيق مآرب تتعدى الربح المادي إلى محاولة التأثير سياسياً واجتماعياً في ملف الجنوب السوري.

العشائر… الحلقة قبل الأخيرة في عملية التهريب

تُعتبر العشائر العربية المنتشرة على ضفتي الحدود الأردنية – السورية الحلقة الأضعف والأكثر انكشافاً في مسار التهريب الطويل الذي لا تزال نقطة انطلاقه الحقيقية محل تساؤلات وشكوك. وكانت صحيفة “النيويورك تايمز” الأميركية قد كشفت في تقرير لها عن أن معظم القتلى والمفقودين في العملية التي أجهضها الجيش الأردني في 27 كانون الثاني (يناير) الماضي ينتمون إلى عشيرة الرمثان. ولكن أي شحنة تهريب يفترض أن تمر بطريق طويل قبل أن تصل إلى حلقة العشائر في الجنوب السوري الذي تشير المعطيات المتوافرة إلى أن هذه المنطقة لا تحتوي على أي معمل لتصنيع الحبوب المخدرة، وهو ما يعني أن الشحنات تصل إليها من محافظات أخرى ليتم تخزينها موقتاً ضمن “نقاط تجميع” تمهيداً لنقلها إلى الضفة الأردنية من الحدود. وأبرز نقاط التجميع هي قريتا الشعاب وأم شامة، جنوب شرقي السويداء. ويتزعم أبرز شبكات التهريب في قرية الشعاب وجيه عشائري يدعى مرعي الرمثان، الذي يملك قصراً في قريته النائية يحيط به حرسٌ مسلحون، وذلك حسب دراسة أعدها أخيراً مركز “الجمهورية نت” السوريّ المعارض.

ويستقطب الرمثان شباب العشائر في المنطقة ويعمل على زجهم في الشبكة التي يديرها، ومهمتها تقتصر على عملية تهريب المخدرات، من مراكز التجميع في قرية الشعاب إلى الأراضي الأردنية. هذه المراكز عبارة عن بيوت سكنية قريبة من الحدود يجتمع فيها المهربون قبل الانطلاق إلى العملية. وتتشارك عمليات التهريب شبكات منظمة من العصابات والمجموعات المسلحة ذات الارتباطات الأمنية، وتؤدي كل مجموعة أدواراً متعددة رغم أنها محددة، مثل حماية الطرقات وتأمين حمولة المخدرات في مناطق نفوذها.

وتتركز معامل الإنتاج، غالباً، في لبنان وأرياف دمشق وحمص. وبعد الإنتاج تبدأ جماعات مسلحة متعددة الولاءات بنقل الحمولة ضمن مناطق نفوذها، بحيث يحصل تسليم دوري من مجموعة إلى أخرى، وصولاً إلى الوجهة النهائية في مراكز التجميع جنوب سوريا. وتعبر تلك الجماعات نقاط التفتيش بطرق مختلفة، منها عبر الرشوة أو الارتباط المباشر بقوى أمنية وعسكرية تابعة للنظام مثل الفرقة الرابعة وشعبة المخابرات العسكرية. كما يتولى في بعض الأحيان متعاقدون مدنيون مع هاتين الجهتين عملية نقل المخدرات عبر الحواجز الأمنية. وعند دخول محافظة السويداء تنتهي مهمة المتعاقدين، حيث تُسلم الحمولة لجماعات محلية مسلحة ذات نفوذ في مناطقها، وتنقل المخدرات إلى مراكز التجميع لتتولى شبكات جديدة داخلها عملية التهريب إلى الأردن، وفق الدراسة السابقة.

 طرق التهريب عبر الحدود

وذكرت دراسة صادرة عن “الجمهورية نت” وهي مجلة إلكترونيّة تُعنى بالشؤون السياسية والثقافية للمسألة السوريّة، تأسست في آذار (مارس) 2012 كمنصّة نشر تطوّعية بمبادرة من مجموعة من الكتّاب والأكاديميين والصحافيين والمدوّنين المقيمين داخل سوريا وخارجها، وهدفت للمساهمة في النقاش السياسي والثقافي المُرافق للثورة السوريّة، ذكرت أن شبكات التهريب تسلك ثلاث طرقٍ لنقل المخدرات من سوريا إلى الأردن، تختلف عن بعضها باختلاف المنطقة وطبيعة تضاريسها. ففي جنوب محافظة درعا يستغل المهربون حركة التبادل التجاري في معبر جابر – نصيب، لنقل المخدرات داخل شاحنات نقل البضائع عبر إخفائها بمخابئ سرية أو حشوها بين البضائع. وفي 7 شباط (فبراير) الجاري، أعلنت الجمارك الأردنية إحباط كوادرها في مركز جمارك جابر محاولة تهريب حبوب مخدرة من نوع كبتاغون تقدر كميتها بمئتي ألف حبة.

أما المناطق الحدودية جنوب السويداء، حيث لا توجد أي معابر رسمية، “تستغل عصابات التهريب التضاريس الصعبة وانتشار الوديان، مثل وادي خازمة، ولا تتحرك إلا في الأجواء الضبابية التي تضعف الرؤية فيها، وعندها يتسلل المهربون إلى الأردن سيراً على الأقدام، وفي مجموعات يراوح عدد أفرادها بين 15 و20 شخصاً، حيث ينقل كل مهرب حمل مخدرات يزن حوالى 30 إلى 35 كيلوغراماً، ويلبسه كسترة شتوية. وتتألف الحمولة عادةً من الكبتاغون والحشيش والترامادول والكريستال ميث”. ويتقاضى المهرب الواحد ما بين 8-10 آلاف دولار إذا نجح في إيصال حمولته إلى منطقة في الداخل الأردني تبعد من الحدود مسافة كيلومتر تقريباً، حيث يسلمها لأشخاص أردنيين ويعود إلى سوريا. ويرافق كل مجموعة شخصان مسلحان على الأقل، مهمتهما إطلاق النار والتغطية على أفراد المجموعة الذين يتخلصون من حمولتهم في حال حدوث أي اشتباك مع حرس الحدود، ويفرّون باتجاه الأراضي السورية.

الطريقة الثالثة تعتمد على نقل المخدرات بواسطة سيارات دفع رباعي تحمل كميات كبيرة من المخدرات، وأحياناً الأسلحة. تتبع عصابات التهريب هذا الأسلوب في البادية السورية – الأردنية التي تُعد المسافة الأطول للحدود المشتركة، ويسهل فيها هامش المناورة. وفي ليلة 11 شباط (فبراير) الجاري أعلن الأردن عن إحباط المنطقة العسكرية الشرقية، في عمليات متزامنة في مواقع عدة، محاولات تسلل قامت بها مجموعة من الأشخاص الذين يقودون آليات لتهريب كميات كبيرة من المواد المخدرة والأسلحة الآتية من الأراضي السورية. ونشرت القوات المسلحة الأردنية في صفحتها على فايسبوك صوراً لمخدرات وأسلحة وسيارات صادرتها خلال العملية، وقالت لاحقاً إنها اكتشفت جثتين للمهربين بعد تمشيط المنطقة.

الجانب السوري… تورّط أم تقصير؟

على رغم أن حرس الحدود السوري ينتشر في مخافر ونقاط على طول الحدود السورية – الأردنية باستثناء منطقة نفوذ التحالف الدولي، حيث تفصل بين نقاط حرس الحدود مسافة تراوح بين 3 و5 كيلومترات، إلا أن ذلك لم يحقق أية فعالية في التصدي للمهربين. ونقلت الدراسة المنوه عنها سابقاً عن عنصر من حرس الحدود التابع لقوات النظام “أن ضعف الإمكانات وعدم توفر تقنيات رصد ومراقبة يجعلان وجودهم في المنطقة بلا فائدة، على عكس القوات الأردنية المجهزة بتقنيات حديثة”.

ويصف العنصر وضع الجنود السوريين في هذه المنطقة بـ”المعاناة القاسية، إذ يضطرون يومياً للمناوبة في مكامن خارج محارسهم، لا سيما في الأجواء الشتوية، مع تعرض نقاطهم، أسوةً بالبيوت السكنية القريبة، لإطلاق نار عند أي اشتباك بين المهربين وحرس الحدود”. ويتابع: “لا نجرؤ على إطلاق النار من دون تعليمات، وحتى إن طُلب منا التعامل، فإن أيدينا المرتجفة من شدة البرد، قد لا تقوى على تلقيم السلاح”. وفي أواخر العام الماضي 2021، قُتل جندي سوري من حرس الحدود جراء الاشتباكات في المنطقة، وبعد ذلك جالت قوات روسية في النقاط الحدودية للاطلاع على متطلبات الحرس، وقدمت وعوداً لهم بتقديم تجهيزات ومعدات، لكنها غادرت من دون رجعة.

وفي مقابل هذا التقصير، تكشف العلاقات القوية بين متزعمي شبكات التهريب ومسؤولين في أجهزة المخابرات السورية في المنطقة الجنوبية عن تورطها في دعم هذه الشبكات، وفق الدراسة ذاتها. فقد أجرى مرعي الرمثان، أبرز متزعمي شبكات التهريب، احتفالاً داعماً للنظام في قريته العام الماضي، حضره مسؤولون في أجهزة أمنية. ولم يكن هذا الظهور العلني الأول لمسؤولي المخابرات في ضيافة متزعمي شبكات التهريب، ففي عام 2020 تداول ناشطون صوراً لحضور قادة الفروع الأمنية في محافظة السويداء مجلس عزاء لأحد أبرز مهربي المخدرات من عشائر منطقة المقوس في السويداء. وتساهم هذه العلاقات في منح غطاء أمني لمتزعمي شبكات التهريب، وهذا ما يفسر تنقلهم بحرية تامة في مناطق سيطرة النظام.

زر الذهاب إلى الأعلى