الحالة الفلسطينية وشبيهاتها
بقلم: ماهر أبو طير
النشرة الدولية –
كثيرا ما كنا نسمع تشويها لسمعة الفلسطينيين، عبر توجيه الإهانات المبطنة، بسبب مغادرة بعضهم بلادهم في حروب 48 و67، ولم يقفوا في وجه الحرب، وويلاتها، والكلام يحمل غمزا مبطنا، ما بين من يقول انهم باعوا ارضهم، وبين من يقول انهم فروا عند اول رصاصة.
هذه الادبيات الصهيونية راجت حتى بين بعض العرب، لأن من يكرهك يريد اي تبرير ليخذلك، ومن يحبك لا يقرأ المشهد بهذه الطريقة بل يقول لك ان الشعب الفلسطيني كان اعزل وبلا سلاح، وان العصابات الاسرائيلية قتلت قرى بأكملها، فوق الاشاعات والروايات المتعلقة بمس الشرف، فاضطر كثيرون ان يغادروا مواقعهم الى داخل فلسطين، او حتى الى دول الجوار الاقرب اليهم.
مناسبة هذا الكلام، ليس أسطرة الشعب الفلسطيني وجعله اسطورة بلا نقاط ضعف، اذ فيه ابطال وفيه من جبنوا، وفيه شهداء، وفيه عملاء، وفيه ندرة باعت ارضها، وفيه غالبية لم تبع ارضها، وربما اكثر من يفهم تعقيد هذا المشهد هم الشعب الجزائري، كونهم خاضوا تجربة شبيهة من حيث الاحتلال، كان فيها الشهداء يتفوقون عددا على العملاء، فلا يصح تكبير الخيانة والعمالة، مقابل نماذج البطولة والفداء والصبر التي عاشها الاشقاء من الشعب الجزائري.
يقال هذا لمن يريد ان يواصل القول ان الفلسطينيين تركوا بلادهم وخرجوا، من باب مس السمعة والكرامة والتخوين، وذات من يقولون ذلك، يصمتون امام تجارب انسانية ثانية، من الطبيعي فيها ان يغادر المرء موقعه صونا لعرضه ودمه وبيته، وليس ادل على ذلك من الهجرات التي عشنا وشهدناها في العراق بعد الحصار، وبعد حرب 2003 حيث غادر مئات آلاف العراقيين الى كل دول العالم، ولم يخوّنهم احد، فهم يحمون دمهم، وهذا حقهم، على الرغم من كونهم مسلحين، وبإمكانهم مقاومة الاحتلال الاميركي، لكن الانسان بطبيعته حريص على روحه ودمه.
الامر ذاته تكرر في سورية، حيث غادرها الملايين، برغم ان السلاح متوفر في سورية، لكن الملايين اختاروا النجاة بأولادهم، ولم يخوّنهم احد، ولا يجوز تخوينهم، فهذه حرب دموية، والامر ذاته رأيناه في اوكرانيا حين يغادرها يوميا وتجنبا للحرب مئات الآلاف، والتوقعات تتحدث عن ملايين الأوكران والعرب والاجانب، برغم ان السلاح متوفر ايضا في اوكرانيا ولم يخوّنهم احد، أو يقول لهم انكم تركتم بلادكم للروس، لأن الهجرة واللجوء هنا، تعبير عن حالة انسانية معقدة، لايجوز توظيفها لاحقا لأغراض رخيصة، تتعامى اصلا عن طبيعة النفس البشرية.
اللجوء من بلد الى بلد، امر سيئ جدا، ولا يريده احد، لكنه ظرف اضطراري، عانت منه شعوب كثيرة في العالم، وما يثير الاعصاب حقا، اننا نتفهم كل حالات اللجوء من حيث كونها اضطرارية، فيما بعض العرب يتحدث بلغة مختلفة في الحالة الفلسطينية، على الرغم من كونها اصعب بكثير، كونها جاءت في ظروف مختلفة، لا توجد فيها رصاصة في فلسطين، فيما من ملكوا السلاح آنذاك حاولوا، واستشهد بعضهم، وتم سجن بعضهم الآخر، وملاحقة الآخرين والادلة كثيرة.
الانسان هو الانسان في كل مكان، بل لربما الانسان العربي، بقوميته ودينه، اكثر تمسكا بكل ما يخصه مقارنة بأمم ثانية، لكنها لحظة الضعف الانساني حين يخاف الانسان على والده ووالدته، واطفاله، فلا يجد حلا سوى مغادرة موقعه، حماية لكل هؤلاء، فلا يلامون ولا يتم تشويه سمعتهم، بطريقة تتبنى الرواية الصهيونية التي تريد ان تقول لك…لا تتعاطف معهم، فقد باعونا الارض، وفروا عند اول رصاصة، وهي الرواية التي تتسلل الى ادبيات كثرة من القراء والناقلين.
حمى الله ما تبقى من بلاد العرب، سالما، من شر الحرب، وشرور اللجوء.