واشنطن إذ «تتحرّش» بالصين.. هل ثمة علاقة بـِ«الأزمة الأوكرانية»؟
بقلم: محمد خرّوب
النشرة الدولية –
في تطوّر لافت أصدرت الخارجية الصينية الثلاثاء بياناً حاملاً مفردات ومصطلحات نارية, عكست، ضمن أمور أخرى، الغضب الصيني, من تزايد «مرور السفن الحربية الأميركية عبر مضيق تايوان، منذرة واشنطن بدفع «ثمن باهظ» لأفعالها، إذا كانت تقصِد من ذلك إرسال رسالة لدعم استقلال تايوان، مُعتبرة أنّ تلك التصرفات «لن تُؤدّي إلاّ إلى تسريع انهيار قوى استقلال تايوان».
وإذ باتت مسألة «استقلال» تايوان التي لا تكف الإدارة الأميركية كما صقور الكونغرس وجنرالات البنتاغون عن إعلان دعمها, وترجمة ذلك الدعم في عقد المزيد من صفقات الأسلحة والمناورات المشتركة, وإبحار حاملات الطائرات والمدمرات والبارجات الأميركية عبر مضيق تايوان، والقول: إنّ البحرية الأميركية ستواصل المرور في المياه الدولية ملتزمة بالقانون الدولي، فإنّ الصين التي لا تتوقف عن القول بأنّ «تايوان جزء من التراب الصيني»، وأنّها ستعيدها إلى قوام الوطن سلمياً, وإن تعذّر ذلك فـ”بكل ما هو متاح لديها»، فإنّ الولايات المتّحدة بإدارتها الجمهورية وخصوصاً الديمقراطية التي اعترفت بمبدأ «صين واحدة”, تواصِل استخدام لغة مُتلعثمة, عندما تُسأل عمّا إذا كانت ملتزمة بهذا التعهد أم أنّها تنصلت منه؟, لا يلبث مسؤولوها القول في غموض «أنّهم لم يتراجعوا عن ذلك، لكنّهم في الآن نفسه يدعمون حكومة تايوان, ويدعون إلى «هياكل ومؤسسات» منظمة الأمم المتّحدة ويستقبلون بعض مسؤوليها في أروقة الكونغرس ومنظمات أهلية.
مناسبة بيان الخارجية الصيني «الناريّ”, تزامن مع دخول الأزمة الأوكرانية منعطفاً حاسماً مع بدء العملية العسكرية الروسية الخاصة، إذ جاء رداً على زيارة وفد من المسؤولين الأميركيين «السابقين» إلى تايبيه الثلاثاء الماضي, وهي خطوة يُنظر إليها على أنّها «طريقة الرئيس الأميركي/بايدن لطمأنة شعب الجزيرة بعد العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا».
هي إذن مرتبطة ضمن أمور أخرى بتداعيات الأزمة الأوكرانية, والاحتمالات المفتوحة لبروز نظام دولي مُتعدّد الأقطاب ستكون فيه أميركا واحدة بين مُتساويين وليس سيدة للكون أو آمرة باتّباع جدول أعمالها وخدمة مصالحها الأنانية, المتمثّلة في نهب ثروات الشعوب وافتعال الأزمات وشنّ الحروب, والزعم أنّ دولاً «مارقة» تُهدد مصالح الأمن القومي الأميركي الذي لا يعرف أحد في العالم ما هي «حدود» هذه المصالح وأين تقف أو تنتهي، عندما تضرب الترسانة العسكرية الأميركية المهولة, مدعومة بأذرعتها الإعلامية/والمالية.. دولاً وشعوباً في آسيا وأميركا اللاتينية وأوروبا/يوغسلافيا السابقة, وتُشهر سيف العقوبات في وجه كلّ من يقف في وجهها, ودائماً في الزعم بأنّها تقود العالم الحر وتُدافع عن قيم الديمقراطية والحرية وتحارب الإرهاب. فيما الحقائق على الأرض فضلاً عن «الإرث» الأميركي المعروف في القتل والاحتلال وتدبير الإنقلابات والثورات الملوّنة معروف لدى شعوب المعمورة, ومسجّل في كتب التاريخ.
البيان الصيني تحدث بوضوح وتحدٍ لافِتيْن, إن لجهة الصياغة التي انطوى عليها، أم خصوصاً لجهة التلويح بإرادة «السور العظيم/الحديدي» المُكوّن من 1.4 مليار صيني, كـ«تحذير» إذا ما حاولت الولايات المتّحدة «ترهيب» الصين, والضغط عليها بهذه الطريقة (دعم استقلال تايوان)، لأنّ لدينا -أضاف البيان- هذا التحذير الصارم.. ما يُسمّى الردع العسكري، سوف يتحوّل إلى نِفايات حديدية..على ما جاء في بيان متحدّث الخارجية الصينية.
هنا يتوجّب الربط مع ما ذكرته (اقرأ اختلقته) صحيفة نيويورك تايمز الأميركية, في تقرير لها انّ المراقبين (لم تُسمّهم بالطبع, ويُعتقد بأنّها تسريبات استخبارية) في جميع أنحاء العالم (..)، سارعوا -تضيف نيويورك تايمز- للتنبؤ بأنّ الرئيس الصيني/شي جين بينغ سيحاول (قريباً) اتّباع خطوات روسيا ضدّ تايوان».
حملة إعلامية/ضارية ومدروسة تصوّب على الصين لردعها ربما أو إخافتها، ليس فقط في شأن استعادة تايوان عسكرياً, وإنّما خصوصاً في احتمال كسر بكين الحصار والعقوبات التي فرضها المعسكر الغربي على روسيا, دون أن يهملوا نتائج القمة الروسية/الصينية التي عقدت في بكين يوم/4 شباط الماضي, عشية الدورة الأولمبية الشتوية في العاصمة الصينية, والحديث عن «شراكة بلا حدود”, لم تتورّع وسائل الإعلام الغربية وخصوصاً الأميركية عن الدسّ والزعم بأنّ الرئيس الصيني/”شي”, ربما يكون الآن «نادماً» على ما احتواه البيان المشترك مع بوتين, كون الأخير لم يُطلعه على نيّته «غزو أوكرانيا»..مصدقاً أنّ بوتين لن يجتاحها.
في المحصلة..من السابق لأوانه ابتلاع حكاية «خوف» الصين من ردّ الفعل الأميركي والغربي، في حال قررت بكين عدم التزام/كسر العقوبات الغربية على موسكو، إلّا أنّ ما وصلته علاقات الشراكة (حتّى لا نقول التحالف) بين بكين وموسكو, والاتفاقيات التي تمّ توقيعها لعقود مُقبلة, ورفع قيمة التبادلات التجارية الى 200 مليار دولار، تزيد من القناعة بأنّ الصين لن تخذِل روسيا, لأنّها تعلم ما بنته وتبنيه واشنطن من تحالفات «عسكرية» في المحيطين الهادئ/والهندي، وما تضخّه من أسلحة لتايوان وفيتنام واليابان وأستراليا إنّما يستهدفها أولاً وأخيراً.