برنامج الأخ «زيد»!
بقلم: أحمد الصراف
النشرة الدولية –
«.. الشعب الذي ينتخب الفاسدين لتمثيله ليس ضحية، بل شريك في الجريمة»!
(جورج أوريل)
***
قرر زيدٌ السفر لجزيرة بعيدة سبق أن سمع بجمالها، من دون أن يعرف شيئاً عنها.
فوجئ عند وصوله بأنه لا يتقن لغة أهلها، ولا لغة مشتركة تجمعه بهم، وأن طعامهم لا يتفق ومزاجه، ولا توجد لديهم مطاعم أجنبية، وفوق ذلك طقسهم شديد الرطوبة وممطر طوال العام تقريباً! فلم يجد مفراً غير قضاء الوقت في غرفته، بلا برنامج ولا خطة، وهو يكلم «حوائطها وسقفها»!
***
تنص المادة 98 من الدستور الكويتي على:
«تتقدم كل وزارة فور تشكيلها ببرنامجها إلى مجلس الأمة، وللمجلس أن يبدي ما يراه من ملاحظات بصدد البرنامج»!
أثبتت التجارب أن هذه المادة من الدستور لا معنى لها، فالثقة لا تمنح للوزارة بناء عليها، وبالتالي يمكن للحكومة صياغة نصها وقت ما شاءت، وبالكلمات التي ترغب فيها، وغالباً بتكرار ما سبق ذكره من برنامج سابق، وليس من حق النواب الاعتراض عليها، أو محاسبة الحكومة في نهاية الفترة إن تقاعست عن تنفيذ بعض أو كل ما تعهدت به في برنامج عملها، وبالتالي هي والعدم سواء!
ومن الطبيعي جداً، كما حصل في مناسبات كثيرة، أن تحضر الحكومة للمجلس، فور تشكيلها، من دون برنامج حقيقي، خصوصاً أن بعض من أصبحوا وزراء لم يعلموا بذلك إلا قبلها بأيام قليلة، وقد يكونون خارج البلاد، وأحياناً يعلمون بالتكليف قبلها بساعات، فكيف يمكن اتفاق الحكومة على برنامج عمل في مثل هذه الظروف، وهي السائدة في الغالب. وما زلت أتذكر ما نقله لي قبل سنوات صديق قريب من مركز القرار، عندما اعتذر وزير في اللحظات الأخيرة عن قبول حقيبة وزارية، فطلب الرئيس، باستعجال واضح، البحث عن أحد أبناء القبائل، ذاكراً اسم قبيلة معينة، للحلول محل من اعتذر!
وبالتالي من المهم الالتفات إلى موضوع البرنامج الحكومي، فليس من المعقول أن تشل الدولة لما يقارب الخمسين يوماً مثلاً، كما حصل في التشكيلة الوزارية الحالية، ثم تأتي بطلب نيل ما يشبه الثقة من المجلس وليس لديها برنامج عمل واضح، وتصبح، مثل صاحبنا «زيد» أعلاه! حيث نجد مثلاً أن شخصًا ما، ولا أقصد أحدا معيناً هنا، أصبح وزيراً ، فذلك ما هو مطلوب منه أن يكونه، ثم يكتشف تالياً أن الطيران المدني أو ديوان الخدمة يتبعانه، فكيف بإمكانه، خلال يوم أو أسبوع، أو حتى قبلها بشهر، أن يصوغ برنامجه لكيفية إدارة تطوير كل هذه الجهات، هذا إذا سمح له أصلاً القيام بذلك!
وإلى أن يأتي يوم نرى فيه تغييراً حقيقياً، وحكومة ببرنامج واضح وملزم، فإننا سنستمر في مشاهدة مسرحية الاستجوابات المملة والمكلفة والكئيبة، التي أحزنتنا مجرياتها بحق.
وهج وطن النهار المستمر في الخفوت، ولا من مُكترث!