بين الضحية والجلاد والتفاصيل
بقلم: أ.د. غانم النجار
النشرة الدولية –
لا يعرف الاحتلال الظالم إلا من عايشه، وعانى منه، وفقد الأحبة لأنهم صمدوا وواجهوا الغزاة، وتعرضوا للأسر، والترويع، والتسلط.
فما إن يتعرض بلد للاحتلال، حتى يخرج النقاش عن معاناة الضحايا المظلومين، ومعاناة اللاجئين، ليبدأ الحديث عن مبررات الجلاد في الغزو، ومناقشة أسبابه ودوافعه، ومرجعياته التاريخية، وإن كان حقاً أو باطلاً، أما الضحايا فهم ليسوا إلا تفاصيل في خضم القتل والتدمير.
حدث ذلك أثناء غزو العراق للكويت، وحدث ومازال يحدث في احتلال إسرائيل لفلسطين، ويحدث كذلك في أماكن أخرى، بشكل يكاد يكون مكرراً. وبطبيعة الحال لا يوجد غزو كغزو آخر في تفاصيله وسياقاته، ولكنه في نهاية الأمر، ومن حيث المبدأ ليس إلا غزواً واحتلالاً، لا عملية عسكرية خاصة.
وعندما تحدث الاصطفافات الدولية، مؤيدة للغزو أو معارضة له، فهي، في أغلبها، تبحث عن مصالحها، وتدافع عنها، وبالتالي قد تمارس انتقائية ملحوظة لا تخطئها العين؛ فالغزو والاحتلال مقبول ومحمود، في مكان، ومرفوض في مكان آخر، تنطبق عليه متطلبات القانون الدولي في حالات، ولا تنطبق عليه تلك المتطلبات في حالات أخرى، و”بالناقص” الضحايا والدماء السائلة، إن كانت لبشر نناصبهم العداء، ومرفوض سفك تلك الدماء إن كانت لأناس نؤيدهم، أما بالنسبة للضحايا المستضعفين، فسيكون من حسن طالعهم، أن تكون مصلحة الأقوى في الدفاع عنهم، وإلا فسيتم تدميرهم عن بكرة أبيهم.
المبدأ هو رفض استخدام العنف والقوة في حل النزاعات بالمطلق، والحفاظ على سيادة الدول كما هي، والالتزام بمبادئ القانون الإنساني الدولي، وحماية المدنيين في كل الحالات، دون تبرير، ودون “ماذا لو” أو “حيث إن” أو “بما أن”… الغزو غزو حتى وإن بدا كأنه شيء آخر.
الحرب الدائرة حالياً في أوكرانيا، لا يبدو أنه سيكون فيها منتصر، أياً كانت النتيجة، فقد فتحت أبواباً جديدة، في مفاصل القوة في العلاقات الدولية، منها استخدام غير مسبوق لأدوات الحصار من قبل الغرب، وفشل ذريع في التعامل مع النظام الأمني الدولي بحصافة، كما أن الأمر المستحدث هو أن الحديث عن السلاح النووي أصبح أمراً اعتيادياً، فلا اعتراضات ولا مسيرات عالمية تدعو إلى خفض التسلح والانتهاء منه.
هناك مآلات وسيناريوهات عديدة للحرب الدائرة حالياً، بعضها شنيع للعالم، وبعضها وسطي، إلا أن المخرج الواضح هنا هو وقف إطلاق النار، وانسحاب القوات الغازية، واللجوء إلى التفاوض، بضمانات لمصالح الجميع، وهي قابلة للتنفيذ.