قلت أوقفي لي وارفعي البوشية
بقلم: أحمد الصراف
النشرة الدولية –
تضمحل الدول ويقل شأنها وتنكسر نفسياتها عندما تدوس فئة متطرفة منها على جزء من تراثها، أمام سمع وبصر السلطات، التي تختار السكوت أمام هذا التخريب.
***
اطلع الصديق المستشار «عبدالمجيد» على مقال كتبته في نوفمبر 2005 بعنوان «من الغناء الكويتي المحظور سماعه»، وهو يبحث في موقعي الإلكتروني www.kalamanas.com، فطلب مني إعادة نشره لارتباطه بأحداث الساعة:
***
ظللنا لعقود طويلة نستمع ونستمتع بسماع مجموعة كبيرة من الأغاني الكويتية الجميلة، التي أصبحت مع الزمن جزءاً من الموروث الثقافي والفني للأمة، ولكن مع «تشريف» عهد التخلف قبل عقود ثلاثة، بدأت الأعمال الإبداعية، ومنها أغان محددة، بالاختفاء تدريجياً من السوق ومن برامج الإذاعة والتلفزيون حتى كاد الجميع ينساها، خصوصاً مع استمرار سيطرة التيارات المتحجرة على مقدرات الكثير من أمور البلاد، واستمرار صمت الجهات الحكومية المعنية بالتراث والفن عنهم، في ما يشبه الموافقة على نسيان تلك الأعمال، وعدم الممانعة حتى لو ضاعت أو تلفت تلك الأشرطة التي سجلت عليها تلك الأغاني والمسرحيات، وربما هذا ما هو جارٍ بصمت من دون أن يعرف عنه أحد!
***
من الأغاني التي توقفت وسائل الإعلام الحكومية عن بثّها أغنية «يا علي» من كلمات الشاعر المبدع محمد بن لعبون، والتي يقول في مطلعها:
يا علي صوت بالصوت الرفيع للمرة لا تذبين القناع
قل لها المهرة الصفرا الصنيع سنها عندكم وقع الرباع
نشتري منك جان انك تبيع بالعمر مير ما ظني تباع
سايمين الهوى يا من يبيع تشتري الهوى يا أهل الرفاع.
إلى أن يقول:
وجدعيني على ظبي تليع عندكم كن في خده شماع
وانت يا لايمي جعلك تضيع ما تماري بها مثل الشعاع
ودي اسلاه والكون الفنيع سلوتي يا علي ما تستطاع
شيبتني وانا توي رضيع جاهل تو في سن الرضاع.
كما توقفنا كذلك عن سماع الكثير من أشهر الأغاني التي كتبها الفنان الكبير عبدالله الفرج مثل: مر بي واحترش، وصابني بالغي طفل ما عدل.
كما أن أشهر ألحان الفرج اختفت، وكأنها لم تكن يوماً مصدر سرور وشجن الكثيرين، مثل «ملك الغرام عنانيا» والتي سبق أن لحنها صالح عزرا الكويتي، وأغنية «جلا في الكاس جالية الهموم»، وأغنية «يا من يعاوني على الونة» التي سبق أن غناها عبداللطيف الكويتي.
ومن أشهر أغاني الشاعر فهد بورسلي أغنية «يا الله تجبر خاطر العشاق»، وأغنية «سلموا لي على اللي سم حالي فراقه»، وأغنية «ياناس دلوني درب السنع وينه»، إلا أنها لا تكاد تبث، هذا إذا لم تمنع جميعها تماماً من السمع والرؤية في الإذاعة والتلفزيون الرسميين.
أما أغنية «قلت اوقفي لي وارفعي البوشية»، للشاعر خميس الشمري، التي غناها باقتدار الفنان الراحل «محمود الكويتي»، وآخرون، والتي يقول فيها:
قلت أوقفي لي وارفعي البوشية خليني أروي ضامر عطشاني
شفت الجدايل واحسبك رومية اتاري الزلوف مقرضة يا اخواني.
فربما تعتبر في أيامنا الكالحة هذه من الأدب «الفاسق»، الذي يجب ألا يبث أصلاً، في الوقت الذي لا تعارض فيه جهات المنع نفسها من نشر أو رؤية صور جوارٍ عاريات معروضات «للبيع» في سوق النخاسة، التي تملأ كتب التراث القديمة!
وهناك أغنية «فز قلبي» للشاعر عبدالله القحطاني التي يقول في مطلعها:
فز قلبي فز قلبي يوم شاف الغاويات
طول ليلي واتقلب صابني حب البنات
كدرن نومي عليه يوم مرن رايحات
الثنايا نظم لولو بالمبيسم شارعات
فلا داعي لذكر سبب التوقف عن بثها، فخيال العقول المتحجرة لا حدود له، ولكن فقط في البائس من الأمور!
أما الأغنية الشهيرة «لي خليل حسين» للشاعر والأديب الراحل أحمد العدواني التي غناها شادي الخليج في مطلع تألقه، فلا تسمع من الإذاعة إلا نادراً!
***
نكتفي بهذا القدر من الشعور بالألم، متمنين أن يكمل أحد الأخوة المهتمين بالتراث، من أمثال الأستاذ أحمد الصالحي، والأستاذ فيصل خاجة، الكتابة في هذا الموضوع المهم، والدعوة إلى المحافظة على تراثنا الفني الأصيل، فتراث الأمة ليس فقط «كشك الشيخ مبارك»، ومنطقة المباركية، وقصر نايف، بل وأيضاً فن وشعر وغناء وموسيقى كبار فنانيها ومؤلفي مسرحياتها ورواياتها، ورساميها ونحاتيها!