واشنطن إذ «تتودّد» لفنزويلا و«تُغازِل» إيران.. إنّه «النفط» يا غبِيّ
بقلم: محمد خروب
النشرة الدولية –
تذكرون الشعار الشهير الذي أطلقته حملة بيل كلينتون لانتخابات الرئاسة الأميركية عام 1992، في مواجهة الرئيس – حينذاك – جورج بوش/الأب, وكيف رجّحت استطلاعات الرأي فوز بوش لولاية/ثانية, لأسباب أهمّها خبرته السياسية وانتهاء الحرب الباردة في ولايته/الأولى كذلك قيادة واشنطن حرب تحرير الكويت، إلى أن اهتدى «استراتيجِّيو» حملته إلى فكرة ذكية, وهي أنّ بوش رغم الهالة السياسية والشخصية التي تحيط به, إلّا أنّ الاقتصاد الأميركي كان يعاني كساداً واضحاً, وأنّ إدارة بوش لم تُوله أولوية على جدول أعمالها, فأطلقوا عبارة/شعاراً يقول:«إنّه الاقتصاد يا غبي». وكان أن ارتفعت أَسهم المرشح/المغمور ونجح في الوصول إلى البيت الأبيض لأولّ مرّة (تمّ التجديد له لاحقاً لولاية ثانية).
حال الرئيس بايدن لا تختلف كثيراً الآن, رغم أنّ الانتخابات الرئاسية ليست على جدول الأعمال والظروف الدولية مختلفة. إذ تعيش الآن على وقع الأزمة الأوكرانية والتوتر المتصاعد بين روسيا وحلف الأطلسي/بقيادة أميركية, لم يشهد العالم له مثيلاً حتّى في أزمة الصواريخ الكوبية/عام 1962، ناهيك عن الهستيريا التي تعصف بالمعسكر الغربي هذه الأيام, وإقدامه على فرض عقوبات غير مسبوقة في عدوانيتها وانتقامها، وخصوصاً شموليتها على روسيا، في الوقت ذاته الذي ورّطت فيه أميركا/وحلف الأطلسي.. أوروبا, إذ تولى الأوروبيون/وإدارة بايدن توريط أوكرانيا في حرب خاسرة, بإصرارهم رفض مطالب موسكو بضمانات أمنية, ما أوصل الأمور إلى هاوية الحرب الدائرة الآن. خاصّة بعد «إثبات» القيادة الأوكرانية انعدام خيالها السياسي وخضوعها لكتائب النازيين الجُدد/كتيبة آزوف على رأسها, فضلاً عن ميليشيات القوميين المتطرفين.
إدارة بايدن..التي تستعد لانتخابات الكونغرس النِصفية/تشرين الثاني المقبل, على كامل مقاعد مجلس النواب و34 من مقاعد مجلس الشيوخ، في ظلّ مخاوف من فقدان الحزب الديمقراطي لأغلبيته البسيطة الراهنة في مجلس النواب وخصوصاً مجلس الشيوخ، حيث يتقاسم الحزبان مقاعده الآن, لكن المؤشرات تشي بأنّ الجمهوريين سيرفعون عدد مقاعدهم في هذا المجلس. وهو أحد الأسباب التي تزيد من هستيريا عقوبات فريق بايدن على روسيا.
ما علينا..
مع فشل واشنطن في استصدار قرار أوروبي مُوحد بحظر «فوري» للغاز والنفط الروسِييْن، اضطر بايدن إلى حظره فقط أميركياً/تستورد أميركا 700 ألفَ برميل روسي يومياً/أي 3% فقط من حاجتها، لكن ذلك الرقم رغم ضآلته يُسهم في رفع أسعار النفط أميركياً وعالمياً, ما دفع بايدن إلى إرسال وفد للعاصمة الفنزويلية/كاراكاس, لـ”مُساومتها» على توريد هذه الكمية أولاً, قبل التفكير برفع «جزئي» من العقوبات القاسية التي فرضها هو ومن قبله ترمب, على دولة تمتلك أكبر احتياطي نفطي في العالم، بل وأزيد من تودّده المُخادع لفنزويلا, التي قيلت في حقّ رئيسها أوصاف مُهينة ولم يتمّ الاعتراف بشرعيته رئيساً, بل اعترفوا بـ«دمية» من أتباعهم/غوايدو, سارعت نحو 50 دولة أوروبية وغير أوروبية للاعتراف به بديلاً عن الرئيس الشرعي/مادور، ثم «أضافوا» فنزويلا ورئيسها إلى قائمة دول «محور الشر» الجديد الذي يضمّ روسيا، الصين، كوريا الشمالية, إيران وسوريا. لم تكتفِ إدارة بايدن بإرسال «وفد» إلى فنزويلا, بل ذهبت وفي عجلة من أمرها وعلى نحو لافت لتسريع مفاوضات فيينا النووية في جولتها الثامنة/الحالية، والإعلان عن أنّ إحياء الاتّفاق النووي مع إيران بات جاهزاً وينتظر التوقيع، ضاربة عرض الحائط باشتراط روسيا أن يتمّ ضمان مصالحها والدور المُناط بها في الاتّفاق مع إيران الذي وقّعته دول 5+1(أي الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن زائد ألمانيا)..أضِف إلى ذلك كلّه.. ما ذكرته صحيفة «وول ستريت جورنال/الأميركية» أمس/الأربعاء من أنّ قادة دولة الإمارات والسعودية يرفضون التحدث إلى بايدن..في شأن أوكرانيا و«النفط».
كلّ تلك «التنازلات» الأميركية, تعكس أزمة عميقة في فلسفة النهج البراغماتي, الذي تسير على هديه الدولة الإمبريالية الأولى في العالم خدمة لمصالحها الأنانية, حتّى لو جاءت بالضدّ من مصالح حلفائها الأوروبيين, التي تزعم أنّ الأزمة الأوكرانية (التي تُتهَم روسيا بافتعالها) أسهمت في تماسك الشراكة الأميركية/الأوروبية, وخصوصاً تقوية وتمتين ورصّ صفوف الدول الأعضاء في حلف الأطلسي.
«إنّه النفط يا غبي».. شعار إدارة بايدن الآن, التي لو لم تُواجه برفض حازم من الاتّحاد الأوروبي لحظر «فوري» للنفط والغاز الروسِييْن، لكانت «لو» نجحت في استصدار قرار منهم في هذا الإتّجاه, ما كان بالتأكيد سيُفضي ضمن أمور أخرى, إلى «انفجار» اقتصادي وركود/كساد وربما اضطرابات اجتماعية.. لا يعلم أحد المدى الذي يُمكن أن تذهب إليه.