اشتعال المواجهة بين عمالقة “التواصل” والكرملين.. وتساؤلات حول حرية التعبير
النشرة الدولية –
الحرة –
بينما تدخل الحرب الروسية على أوكرانيا أسبوعها الثالث، تشتد المواجهة بين عمالقة وسائل التواصل الاجتماعي وموسكو، خصوصا بعد إعلان يوتيوب الجمعة حظر بث وسائل الإعلام التابعة للكرملين على المنصة في جميع أنحاء العالم.
وتأتي قرارات وسائل التواصل في وقت سبّبت فيه روسيا أزمة جيوسياسية دولية كبيرة باجتياحها قبل أكثر من أسبوعين الأراضي الأوكرانية، ما أدى إلى مقتل مئات المدنيين الأوكرانيين حتى الآن، وتهجير ملايين آخرين داخل أوكرانيا وخارجها.
وتثير الإجراءات التي اتخذتها شركات التواصل ضد مكائن الدعاية الروسية جدلا حول حدود حرية التعبير والمساحة الممنوحة للاختلاف في الفضاء الافتراضي.
“نحن في حالة حرب”
يرى الكاتب والباحث العراقي في الشأن السياسي، عقيل عباس، في حديث لموقع “الحرة” أن “المقاطعة التي تقوم بها شركات الإنترنت الغربية للدعاية الروسية والآراء القادمة من روسيا بخصوص الحرب مع أوكرانيا، تقوض حرية التعبير، وهي ضد القيم الديمقراطية والليبرالية القاضية بوجود حيز يستطيع فيه المختلفون أن يبدو آراءهم”.
لكن المحلل السياسي في معهد هدسون، في العاصمة الأميركية واشنطن، ريتشارد وايتز، يشدد في حديثه مع موقع “الحرة” على أن تلك الإجراءات مبررة لـ”أننا في حالة حرب” ولأن القنوات الإعلامية المملوكة للدولة الروسية تضلل الناس بمعلومات زائفة، لذلك “أنا مرتاح لقرارات وسائل التواصل الاجتماعي”، يضيف.
وأعلنت غوغل تعليق قدرة وسائل الإعلام الروسية التي تمولها الدولة على جني الأموال على منصاتها، وحظر يوتيوب وفيسبوك استقبال بث قناتي “سبوتنيك” و”روسيا اليوم” اللتين انخرطتا منذ بداية الحرب على أوكرانيا، في الترويج لذرائع الكرملين.
في المقابل، قالت الحكومة الروسية، الجمعة إنها بصدد حظر تطبيق التواصل الاجتماعي إنستغرام، واتخاذ مزيد من الإجراءات ضد “ميتا” ـ الشركة الأم لفيسبوك، وإنستغرام وواتسآب ـ بسبب تقارير أفادت بتعليق فيسبوك، الخميس، مؤقتا قواعد خطاب الكراهية لكي تسمح بالمشاركات التي تدعو إلى موت الزعيم الروسي، فلاديمير بوتين.
ويرى أستاذ العلاقات الدولية في جامعة واشنطن، وليام لورانس، أن “هناك حدودا على حرية التعبير تخرق عندما تنخرط قناة ما مملوكة للدولة في نشر المعلومات المغلوطة للناس عن الحرب”.
ويضيف لورانس لموقع “الحرة” أن قناتي سبوتنيك وروسيا اليوم مملوكتان للدولة، وعندما تنخرط دولة في حرب غير قانونية فإن مثل هذه القرارات تبقى مبررة”.
ويذكُر لورانس بأن وسائل التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك تبقى شركات خاصة، في إشارة إلى أن الشركات الخاصة تتمتع بحرية تقديم خدماتها أو حظرها.
ويتفق الباحث العراقي، عباس، في حديثه للحرة مع لورانس في أن الشركات التي قامت بمنع وسائل الإعلام الروسية هي ليست شركات حكومية، ويضيف مستدركا “لكنها تصرفت في إطار ضغط شعبي عام تعرضت له، والصواب ألا تنقاد لهذا الضغط”.
وتزامنا مع الغزو الروسي، شددت موسكو بدورها قيودها في الداخل على وسائل الإعلام، ووقّع الرئيس الروسي، بوتين قانونا ينصّ على أحكام بالسجن تصل إلى 15 عاما لنشر أخبار كاذبة عن الجيش الروسي، في الوقت الذي تواصل فيه موسكو غزوها لأوكرانيا.
ومن أجل ضبط الرواية التي تقدمها عن النزاع إلى الشعب الروسي، عززت السلطات الضغط على وسائل الإعلام الروسية المستقلة القليلة التي تمكنت من العمل في السنوات الأخيرة على الرغم من المناخ العدائي.
في المقابل، شددت وسائل التواصل الاجتماعي من رقابتها على “الدعاية” الحربية الروسية، التي تصاعدت مستوياتها منذ دخول القوات الروسية إلى أوكرانيا، خاصة في ظل الغضب الشعبي الدولي من الصور ومقاطع الفيديو التي تظهر ضحايا مدنيين للقصف الروسي.
وبعد أن اقتصر الحظر على الاتحاد الأوروبي وأوكرانيا، أعلن موقع “يوتيوب” المملوك لشركة “غوغل” الجمعة، توسيع الحظر ليشمل العالم بأكمله، مشيرا إلى أنه سيزيل مقاطع الفيديو حول الغزو الروسي التي تنفي أو تقلل من شأن “أحداث العنف الموثقة جيدا”.
مخاوف حول حرية التعبير
ومع إقراره بأن إجراءات فيسبوك وغوغل تثير “قلقا مشروعا” بشأن حرية التعبير، يؤكد الباحث ريتشارد وايتز أن “قضية وسائل الإعلام الروسية المملوكة للدولة لا تتعلق بحرية التعبير”.
لكن الباحث العراقي، عقيل عباس، يلفت إلى أنه “عموما في إطار القيم الديمقراطية الليبرالية، المنع على الرأي يكون فقط في حالة التحريض والدعوة إلى القتل أو التحريض لمعاقبة مجموعة بشرية معينة، لأنها في هذه الحالة لن تكون رأيا وإنما دعوة إلى فعل”.
وأعلن فيسبوك، الخميس، أنه قرر استثناء الخطاب المناهض “للغزاة الروس” في أوكرانيا من قواعده المتعلقة بحظر أي محتوى يدعو إلى العنف والبغض، مشيرا إلى أنه لن يحذف بالتالي المنشورات المعادية لجيش روسيا وقادتها، مضيفا أنه لن يسمح، في المقابل، “بأي دعوات للعنف ضد المدنيين الروس”.
ويشدد أستاذ العلوم الدستورية في جامعة “ابن طفيل” في المغرب، رشيد لزرق، على رفض “أي استهداف يرمي إلى التعتيم كيف ما كان”، مضيفا بقوله لموقع “الحرة”: “من المفروض ضمان كل السبل لضمان حرية التعبير و احترام المواثيق الدولية التي تكفل بصورة واضحة وصريحة الحق في حرية الرأي والتعبير”.
ومنذ بدأت القوات الروسية غزو أوكرانيا قطعت غالبية شركات التكنولوجيا الأميركية العملاقة علاقاتها مع موسكو. وعلقت “مايكروسوفت” و”آبل” مبيعات منتجاتهما في روسيا، في حين علقت “نتفليكس” و”إنتل” و”إير بي إن بي” أنشطتها في هذا البلد.
وتعد روسيا من البلدان التي تشهد تراجعا كبيرا لحرية التعبير والصحافة، وتصف المنظمات غير الحكومية روسيا بانتظام بأنها واحدة من أكثر الدول تقييدا في العالم عندما يتعلق الأمر بحرية الصحافة، لكن الوضع ازداد سوءا منذ غزو أوكرانيا.
وتشن روسيا غزوا عنيفا على جارتها أوكرانيا منذ أسبوعين، كلفها عزلة دولية وعقوبات اقتصادية كبيرة حتى الآن، فيما يتوعد الغرب والولايات المتحدة بمزيد من العقوبات لدفع الرئيس الروسي، بوتين إلى وقف عملياته العسكرية التي أعلنها ضد كييف.