سوريا و”ثورتها” بعد 11 عاما… حلم مجهض والحكم للميليشيات

تجاوزت خسائر الاقتصاد السوري ما قيمته 650 مليار دولار أميركي

النشرة الدولية –

اندبندنت عربية – سوسن مهنا –

ما الذي تغير منذ كتب الأطفال الـ 15 على حيطان مدرستهم في مدينة درعا السورية، شعارات نادت بالحرية وطالبت بإسقاط النظام؟ ما الذي تحول في قلب السوري الذي أصبح نازحاً ومعتقلاً ومواطناً كادحاً يعاني الأمرين؟ وهل كان يعلم أولئك الأطفال أن ما كتبوه على حيطان مدرستهم سيغير وجه سوريا التي نعرفها، وسيكون لتلك الكلمات البريئة التي خطتها أياد صغيرة، ارتدادات عظيمة على الشعب السوري، وأنها ستكون شرارة اندلاع الثورة، بعدما اعتقلوا وتم تعذيبهم بأساليب وحشية من قبل الأمن، في 26 فبراير (شباط) 2011؟ ماذا بقي اليوم من “الثورة السورية”؟ متغيرات كثيرة دولية وإقليمية، مرت خلال 11 عاماً، حولت الملف السوري من خبر أساسي يتصدر الإعلام إلى ملحق بملفات المنطقة والإقليم. بعدما تحولت الأراضي السورية إلى ساحات لتصفية حسابات وملفات دولية وإقليمية، والسوري صاحب الأرض، هاجر أو نزح أو تشرد أو قُتل. أين المجتمع الدولي الذي ناصر “ثورة السوريين” حالياً ولماذا تخلى عنهم؟ حلم أُجهض واستُبدل بحكم ميليشيات مدعومة من دول، وكل دولة حسب مصالحها، فهل تتحول الثورة إلى ذكرى؟ أسئلة كثيرة قد يكون من الصعب الإجابة عنها، بخاصة أن مَن تحدى يوماً نظام بشار الأسد، فقد الأمل بمَن تسلموا دفة “ثورته”، سواء كانوا من أبناء الوطن، أو من مجتمع دولي مارس “معايير مزدوجة” في مقاربة ملف الحرب السورية.

الأمن أولاً

في 31 يناير (كانون الثاني) 2011، بعد اندلاع ما سُمي بثورات “الربيع العربي، أجرت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية مقابلة مع رئيس النظام السوري بشار الأسد، فسُئل حينها، ما الذي يعنيه “الربيع العربي” بالنسبة إلى سوريا؟ وأجاب، “يعني أن عليك تطوير نفسك، وتطوير المجتمع… إن الإصلاح الحقيقي يبدأ بجعل المجتمع منفتحاً، وبدء الحوار. لقد مررنا بظروف أكثر صعوبة، لكننا ما زلنا مستقرين. لماذا؟ لأننا مرتبطون عن كثب بمعتقدات شعبنا”. وتابع “لا يوجد احتمال أن تنتشر الاحتجاجات التي شهدتها تونس ومصر إلى سوريا”، التي يحكمها حزب البعث منذ أكثر من 50 عاماً. وأكد أنه لا يوجد في سوريا سخط على الدولة، ولذا فلا داعي أن تغير سياساتها. وحين سُئل عن أولوياته في حكم البلاد، أجاب الأسد أن الاقتصاد هو ما كان يشغله عند وصوله إلى السلطة، لكن أحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) 2001، ثم حرب أفغانستان والعراق وما خلفتاه من فوضى ودمار، جعلا الاستقرار والأمن يحلان قبل الاقتصاد. وقال “هذا هو الموضوع الجوهري، فعندما يكون هناك اختلاف بين السياسات التي تتبعها الحكومة وبين مصالح الشعب، يتولد فراغ قد يؤدي إلى اختلالات. لذا يأتي الأمن في المرتبة الأولى، من أجل ضمان الاستقرار وتحصين المجتمع ضد التطرف، ثم الجانب الاقتصادي في المرتبة الثانية”.

بعد 11 عاماً لا أمن ولا اقتصاد

في بيان الأمم المتحدة بمناسبة ذكرى مرور 11 عاماً على اندلاع الحرب السورية، يقول الأمين العام أنطونيو غوتيريش، “إن عاماً آخر مر مع إحياء مأسوي آخر لحرب مروعة عصفت بسوريا وشعبها. تسببت الإحدى عشرة سنة الماضية من الصراع الوحشي في تكبد خسائر بشرية باهظة. ويكافح الملايين من النازحين داخلياً واللاجئين من أجل البقاء على قيد الحياة في أصعب الظروف. ظروف تعرض فيها السوريون لانتهاكات حقوق الإنسان على نطاق واسع ومنهجي. الدمار الذي عانى منه السوريون واسع النطاق ومميت لدرجة أنه ليس له مثيل في التاريخ الحديث”.

وشدد على وجوب عدم “الإفلات من العقاب” للمرتكبين.

ويقول فريق “منسقو استجابة سورية” في تقرير، بتاريخ 14 مارس (آذار) الحالي، إن عدد السوريين الذين نزحوا داخلياً بلغ 6.9 ملايين نسمة، وإن 6.6 ملايين سوري لجأوا إلى الخارج، سواء إلى “دول الجوار” أو الدول الأوروبية، وإن عدد النازحين في المخيمات والملاجئ بلغ 1.9 مليون، وعدد الأطفال المنقطعين من التعليم بلغ 2.65 مليون طفل. ويؤكد الفريق أن “خسائر الاقتصاد السوري تجاوزت 650 مليار دولار أميركي منذ الثورة، كما أن أسعار المواد الأساسية ارتفعت أكثر من 140 مرة، وتضاعفت خسائر العملة المحلية أكثر من 98 مرة منذ بداية 2011. كما أن أكثر من 78 في المئة من المستشفيات والعيادات مدمَّرة أو خارج الخدمة، إضافة إلى دمار أكثر من 42 في المئة من المدارس”. وأكد التقرير أن “نسبة السوريين المعرضين لخطر الفقر تبلغ 91 في المئة، وعدد السوريين الذين وصلوا إلى مرحلة المجاعة بلغ 3.3 ملايين، وتسببت العمليات العسكرية بإصابة أكثر من 1.8 مليون مدني، وخلفت أكثر من 232 ألفاً من ذوي الاحتياجات الخاصة. هذا عدا عن عشرات آلاف المدنيين المفقودين والمختفين قسراً”.

حان الوقت لوقف الهجوم على الشعب السوري

كذلك صدر بيان مشترك يوم الثلاثاء 15 مارس الحالي، عن الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وبريطانيا، أكد على “رفض التطبيع مع نظام الأسد وأهمية تفعيل آلية المحاسبة للجرائم المرتكبة في ظل النزاع السوري”، معتبرين أن “ما حدث في سوريا وما يحدث الآن في أوكرانيا يبرز سلوك روسيا المدمر”. وجاء في البيان، “يصادف اليوم مرور 11 عاماً على نزول الشعب السوري بشجاعة وسلمية إلى الشوارع للمطالبة بالحرية والإصلاح السياسي، وحكومة تحترم حقوق الإنسان وتدعمها، وقابل نظام الأسد تلك المطالب بهجوم وحشي مستمر على الشعب السوري”. وأضاف البيان “بعد 11 عاماً من الموت والمعاناة حان الوقت للنظام وداعميه بمَن فيهم روسيا وإيران، لوقف هجومهم الوحشي على الشعب السوري”. ودعا البيان إلى وقف قتل الشعب السوري، وتوعد بإحالة مجرمي الحرب إلى القضاء الدولي. وكانت “الشبكة السورية لحقوق الإنسان”، أعلنت في بيان، أنه “لا يمكن أن يقبل السوريون بعد كل تضحياتهم خلال 11 عاماً، بأقل من محاسبة مرتكبي الانتهاكات وتحقيق مطالبهم المشروعة”.

تحرك المعارضة السورية في واشنطن

وكان الائتلاف السوري المعارض دعا في الـ 14 من مارس (آذار) الحالي الولايات المتحدة إلى فتح ملف “جرائم النظام وروسيا في المحكمة الدولية بالتوازي مع الملف الأوكراني”، وطالب الائتلاف الأمم المتحدة بنزع الشرعية الدولية عن الحكومة السورية وطرد ممثلها منها.

وصعّدت المعارضة السورية تحركاتها السياسية في واشنطن لإعادة الملف السوري إلى واجهة الاهتمام الأميركي، وإقناع إدارة جو بايدن بالامتناع من التطبيع مع النظام في دمشق.

جاء ذلك خلال اللقاء الذي جمع وفداً من الائتلاف برئاسة سالم مسلط مع نائب مساعد وزير الخارجية لشؤون المشرق العربي في مكتب شؤون الشرق الأدنى إيثان غولدريتش، في القنصلية الأميركية في إسطنبول.

ودعت الهيئة السياسية للائتلاف في بيان المجتمع الدولي إلى “منح مقعد سوريا في الأمم المتحدة للائتلاف، باعتباره “الممثل الشرعي للشعب السوري”.

وأشار البيان إلى أن مسؤوليه “اتخذوا قراراً بالتواصل مع الأمم المتحدة من أجل استعادة المقعد السوري وإعطائه لصاحبه الحقيقي”.

وفي إطار تحرك المعارضة السورية شاركت شخصيات بارزة منها عبر ندوة في الكونغرس الأميركي حضرها عدد من النواب وأعضاء مجلس الشيوخ للحديث عن “مستقبل الوجود العسكري في سوريا وسبل إرساء الديمقراطية ومحاسبة منتهكي حقوق الإنسان”.

وقال الكاتب السوري المعارض في واشنطن أيمن عبد النور، لـ”اندبندنت عربية”، إن المعارضة لمست إجماعاً ورغبة لدى القيادات المسؤولة عن السياسات الخارجية في الحزبين الجمهوري والديمقراطي “في محاسبة الرئيس السوري بشار الأسد على جرائم الحرب التي ارتكبها نظامه”. وأضاف “يُخشى أن تتحول سوريا إلى مكان للمناوشات السياسية والعسكرية بين الولايات المتحدة وروسيا”.

مؤامرة لتسليم المنطقة لجماعة “الإخوان”؟

في المقابل، رأى طارق الأحمد، عضو المكتب السياسي في “الحزب السوري القومي الاجتماعي”، أنه “بعد 11 عاماً من الحرب، استطاعت سوريا أن تصد الهجمة الكبرى، التي كانت مؤامرة”. وأضاف، “الدول الكبرى تتآمر أو ترسم مخططات من أجل الهيمنة على دول أصغر، منذ مؤامرة سيزانوف-سايكس-بيكو، لكن روسيا خرجت حينها من بعد الثورة البلشيفية. ووضِع المخطط من أجل تسليم أحزاب الإخوان المسلمين الحكم في كل منطقة الشرق. بدأ الأمر من تونس إلى مصر ثم سوريا، من دون الأخذ في عين الاعتبار، ما إذا كان النظام موالياً أو معارضاً للولايات المتحدة. فبدأوا بأنظمة موالية لهم حينها، كتونس ومصر، وهو ما يتحدث به المصريون، الذين يقولون إن الولايات المتحدة كانت خلف، وتشجع ما عُرف حينها بالثورات الملونة، وكان المخطط أن يستلم “الإخوان المسلمون” بقيادة حزب العدالة والتنمية التركي بزعامة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، حكم هذه الدول”. وأكد الأحمد أن “سوريا نجحت في صد هذه الهجمة، بمعنى أنها منعت احتلال دمشق وتمكنت من تحرير العاصمة الثانية حلب، واستطاعت تحرير أكثر من ثلثي الأراضي السورية”.

 الجامعة العربية

على صعيد آخر، تحدث الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، عن استعادة سوريا عضويتها في القمة العربية المقبلة في الجزائر، راهناً ذلك بتجاوب نظام الحكم في دمشق مع المواقف العربية المطروحة. وفي تصريحات صحافية أدلى بها خلال زيارته إلى الأردن في فبراير الماضي، قال أبو الغيط إنه “حتى هذه اللحظة، لا يبدو أن سوريا ستشارك في القمة العربية”. وأضاف “لكن من هنا إلى حين انعقاد الأمر، وإذا ما حدث تشاور بين الدول الأعضاء على منهج محدد، وإذا ما توافقت على التحدث إلى الحكم في سوريا وقيام الحكم في سوريا بالتجاوب أيضاً مع المواقف العربية المطروحة، عندئذٍ أتصور أنه لن يكون هناك ما يمنع عودتها، ولكن إذا لم يتحقق، لا أقول مشروطيات، ولكن أقول إن الإطار التوافقي بين المجموعة العربية المتمثلة في 21 دولة من ناحية وسوريا من ناحية أخرى”، مشيراً إلى وجود “دول لا ترى عودة حالية لسوريا، وأطراف أخرى تدعو إلى التفاعل مع الحكم في سوريا”.

في هذا الخصوص، صرح عضو المكتب السياسي في “الحزب السوري القومي الاجتماعي”، أنه “أصبح من المهم الإشارة إلى أن ما يتعلق بالجامعة العربية لا يتعلق بسوريا فقط. الدول العربية أخذت خياراً بخاصة بعد فتح السفارات الإماراتية والبحرينية، بينما مصر أصلاً تمثيلها الدبلوماسي قائم ولم ينقطع، والجزائر موجودة، وهي تدفع بقوة في هذا الخصوص”. وربط موضوع عودة سوريا إلى الجامعة العربية، “بسلسلة الحروب والصراعات غير معروفة النتائج، بخاصة الصراع في اليمن، الذي يؤجل كل ترتيب الأمن العربي”.

وزاد، “إن سوريا تدفع ثمن صراعات أخرى، بعضها تتعلق بها وأخرى لا تتعلق بها، بسبب موقعها الجيوسياسي، وليس لها علاقة بالنظام. هناك صراعات في المنطقة يجب أن تُحسم. ولا أعتقد أنه من الوارد أن يُعقد قبل ذلك، اجتماعاً للجامعة العربية. الاجتماع المقبل إذا لم يكن محورياً لإعادة تشكيل نظام أمن عربي شامل يحفظ أمن المنطقة ولا يجعلها عرضة للهزات والخضات باسم ثورات أو غيرها، لا أعتقد أنه سيُعقد”. ولفت إلى أن “سوريا ليست وحدها المعنية بهذا الأمر، بل لبنان ودول الخليج وليبيا، حتى العراق أيضاً. كما أن موضوع “داعش” لم يُحسم، أو تم التصدي له. وعلى الجامعة العربية إذا ما عقدت اجتماعها أن تتصدى للإرهاب، عملياً وليس بالقول فقط، لأنها معنية، والإرهاب قد يطالها”.

زر الذهاب إلى الأعلى