«شيطنة» بوتين مسؤولية الأميركيين و«الناتو»
بقلم: حمزة عليان
النشرة الدولية –
المناصرون لحلف الناتو والغرب عموماً يصورونه كأنه “حمامة سلام” بعد أن قام بتغيير بدلته الأولى وأعاد نفض البنية التحتية له وأهدافه التي قامت على أساس مواجهة حلف وارسو والمحور الشيوعي في العالم، فيدّعون أنه “حلف مسالم” إلى درجة تخال نفسك أمام مخلوق إنساني في غاية الكمال ينافس الجمعيات الخيرية الإسلامية المنتشرة في أماكن الفقر والحاجة! ويذهبون إلى أبعد من ذلك فيقولون إنه لولا حلف “الناتو” لما كانت البوسنة وكوسوفو ولا حتى ألبانيا ومقدونيا حيث يتجاوز عدد المسلمين في البلقان عشرة ملايين نسمة.
يترافعون عن “نظافته” وعدم تدخله في المناطق الساخنة، فهو، على سبيل المثال، لم يتدخل في أي بلد عربي، وما حصل في ليبيا كان التدخل من دولتين أوروبيتين هما فرنسا وإيطاليا وبدعوة من “الثوار” الليبيين وبقرار من مجلس الأمن وموافقة ضمنية من روسيا في حينه، أما في العراق عام 2003 فكان قراراً أميركياً- بريطانياً وخارج الأمم المتحدة.
الموضوع ليس في الحاضرة العربية والإسلامية فقط، بل في المحيط الجغرافي لروسيا الاتحادية، والسؤال الذي يرفعون فيه الصوت عالياً: لماذا لم تحتج روسيا تحت قيادة بوتين على انضمام ثلاث دول سوفياتية إلى “الناتو” وهي على خاصرتها تماماً، منذ 14 سنة؟
لقد غاب عن رافعي هذه “الراية” أن “الناتو” ليس جمعية خيرية، ولم يكن يوماً داعية سلام كما يدّعون، صحيح أن روسيا كانت لها مشاركة في برنامج الشراكة من أجل السلام، مثلها مثل أوكرانيا منذ عام 1994، وأن هناك تنسيقاً بينها وبين الحلف في ملفات وأزمات متفجرة، لكن لماذا هذا الخلط والتضليل وتسويق فكرة “الناتو” على الشعوب المغلوب على أمرها.
هناك أسئلة تستدعي نفسها في هذه المرافعة وهي: لماذا نشر الحلف صواريخه على أراض في الجهة التي تهدد أمن بولندا المجاورة لروسيا؟ ولماذا لم يتغير جلده العسكري بعد أن تم حل حلف وارسو منذ تسعينيات القرن الماضي؟ ولماذا يتم بناء قواعد عسكرية في مدن أوروبية منها خمس قواعد جديدة أنشئت بعد عام 2014؟
كان عدد أعضاء “الناتو” 12 دولة اليوم أصبح 30 دولة تحت هذا الجناح العسكري، لم تبق دولة من الجمهوريات السوفياتية إلا أدخلتها الإدارات الأميركية المتعاقبة في عضوية الحلف، افتحوا الخرائط الجغرافية والعم “غوغل” كفيل بأن يأخذ بأيديكم، فما تراه العين لا يكذبه العقل، هناك أكثر من 51 قاعدة ووحدة عسكرية منشرة في أوروبا الشرقية والغربية، ونحن لا نقترب من ألمانيا وإيطاليا وإسبانيا وهولندا، بل نتكلم عن أوروبا الشرقية.
اليوم باتت البوسنة ومقدونيا تمنيان النفس وتسعيان جاهدتين للانضمام إلى “الناتو”، وهاتان الدولتان على لائحة الانتظار، لقد أطبق الحلف قواعده وصواريخه على روسيا الاتحادية، ولم يترك لها نافذة أو متنفساً إلا أغلقه في وجهها، فالحصار العسكري الذي يفرضه الحلف بزعامة أميركا أجبر بوتين على إعادة النظر والانقضاض على جاره الذي تعاملت معه أوروبا وإدارة بايدن كأنه عضو بخمس نجوم، وأغدقت عليه أسلحة لم ينلها عضو رسمي يتعرض للاعتداء، فعملياً لم تعد أوكرانيا بحاجة إلى الانتساب وتقديم أوراق الاعتماد، فقد قبلت عملياً، وها هي الأساطيل والعتاد والدروع والصواريخ تصل إلى أوكرانيا وبالمليارات، وهذا أقصى ما تتمناه وتحلم به!
المراقب والمحايد والملم بقليل من المعرفة يقرأ المواجهة بواقعية، فروسيا الاتحادية تعيد تموضعها في القارة الأوروبية وتعمل وفق مصالحها الاستراتيجية وأمنها القومي، وهذه دولة عظمى لا جمعية خيرية، والعالم ما بعد أوكرانيا ليس كما قبله، لننتظر قليلاً فهذه الحرب ستحدث تغييراً جذرياً في موازين القوى والتحالفات الدولية، وستفرض نمطاً جديداً بإدارة العالم بخلاف ما هو قائم منذ سقوط جدار برلين وتفكيك الاتحاد السوفياتي.