سياسيون لبنانيون لم يسأموا “تكاليف الحياة”… تتصرف معظم الجماهير على قاعدة “أن الزعيم لا يخطئ”
النشرة الدولية –
اندبندنت عربية – سوسن مهنا –
يطالب اللبنانيون كلهم تقريباً بتغيير النظام، أو على الأقل الإتيان بوجوه جديدة ودم جديد لضخه في شرايين الحياة السياسية اللبنانية. ولا تدخل في نقاش مع أي لبناني إلا ويقول لك، إنه مع التغيير، كما أن انتفاضة 17 أكتوبر (تشرين الأول) 2019، خرجت رافعة شعارات تغيير النظام، و”كلن يعني كلن” (أي كلهم يعني كلهم). لكن عندما تحشر مواطناً لبنانياً لأي طائفة انتمى، في السؤال عن تغيير زعيمه، يستهجن ويبدأ بالتبرير للزعيم، ويشرح عن أهمية بقائه في مكانه، وأن الطائفة لا تستطيع الاستمرار من دونه، ويهمس لك قائلاً وحسب منطقته ومناداته للزعيم، “لو ما البيك أو الأستاذ أو السيد، لكانوا أكلونا” أي (لولا وجود فلان). ومع كل المآسي والأزمات التي يمر بها البلد، ما زالت المساحات الافتراضية والواقعية تعج بالهتافات “وبالروح بالدم”، و”لبيك يا فلان”. هتافات تصل في بعض الأحيان إلى حد التأليه والتقديس، فمثلاً نسمع في احتفالات “حزب الله” هتافات الجموع بـ”الله ونصر الله والضاحية كلا”، واعتادت جماهير “تيار المستقبل”، على الهتاف “الله حريري وطريق الجديدة”، ووصل الأمر بجماهير “التيار الوطني الحر” إلى القول، إن “الله في السماء على عرشه، على يمينه (رئيس الجمهورية) ميشال عون وعلى يساره جبران باسيل (رئيس التيار الوطني الحر)”.
نبيه بري
منهجية تقديس صورة الزعيم وعبادة شخصيته، وعدم مناقشة ما يصدر عنه، صواباً كان أم خطأً، بُنيت على قاعدة “أن الزعيم لا يخطئ”. ولعل أبرز شخصية لبنانية رسخت صورة الزعيم الذي لا يخطئ، شخصية الأستاذ أو “الإستيذ” باللهجة الجنوبية، رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري. ربما لطول فترة تولي بري الحكم، وهو قبل أن يصبح رئيساً للبرلمان، استلم قيادة “حركة أمل”، التي كان لها باع طويل في الحرب الأهلية اللبنانية. وقاد بري الحركة خلال الحرب الأهلية، وهو من السياسيين الذين وصفوا بـ”أمراء الحرب”، ومن الذين شاركوا في إقرار “اتفاق الطائف” الذي أنهى الاقتتال في لبنان. وخلال فترة الحرب، تنقل بري بين وزارات عدة. إلى أن وضعت الحرب أوزارها، وانتُخب نائباً ورئيساً لمجلس النواب في عام 1992، ولا يزال يشغل هذا المنصب منذ ذلك الحين.
بري يترشح لانتخابات 2022
وأعلن بري (مواليد 1938)، الأسبوع الماضي، ترشحه للانتخابات النيابية المفترض إجراؤها في مايو (أيار) المقبل. وهو الذي استطاع الصمود في منصبه كرئيس للمجلس، ست مرات على التوالي، ليصبح صاحب أطول ولاية على رأس مجلس تشريعي في العالم العربي (30 سنة) وربما العالم، ومن أكبر رؤساء البرلمانات في العالم عمراً. وهذا ما دفع بعض المعجبين ببري إلى إنشاء موقع “نبيه بري إلى الأبد” في عام 2013، الذي ذُيل بتوقيع “معجبي الرئيس نبيه بري”. وطرح الموقع إدخال بري في موسوعة “غينيس” للأرقام القياسية. ويعود بقاء بري في منصبه بالدرجة الأولى، لعدم وجود منافسين جديين ينافسونه على رئاسة المجلس المخصصة للطائقة الشيعية في لبنان. وفي حال تمت الانتخابات المقبلة، سيتولى رئاسة المجلس للمرة السابعة.
واستدعى ترشُّح بري، حملة تضامن واسعة من قبل أنصار “حركة أمل” على مواقع التواصل، وكتبوا “معك لتخلص الدني”، و”معك إلى ما وراء الشمس”. ومنهم من استبق الانتخابات وبارك لبري ولاية رئاسة المجلس السابعة.
عمر كرامي
عمر عبد الحميد كرامي، من مواليد مدينة طرابلس عام 1935 ابن رجل الاستقلال، المفتي عبد الحميد كرامي. شغل منصب رئيس الوزراء بين عامَي 1990 و1992 واستقال من منصبه حينها بعد التظاهرات الغاضبة التي اجتاحت بيروت احتجاجاً على انهيار الليرة اللبنانية. وكان كرامي يُعتبر من الأعضاء الدائمين في البرلمان حيث عُين نائباً عن طرابلس في عام 1991، وانتُخب نائباً في دورات 1992 و1996 و2000. وكُلف مرة جديدة لرئاسة الحكومة خلال عهد الرئيس الأسبق إميل لحود، خلفاً لرئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري، الذي استقال في أكتوبر (تشرين الأول) 2004.
وليد جنبلاط
ابن الزعيم الدرزي كمال جنبلاط، أحد مؤسسي الحزب التقدمي الاشتراكي اللبناني في عام 1949. تسلم قيادة الحزب والطائفة وزعامة الحركة الوطنية، بعد اغتيال والده في عام 1977. شارك في الحرب الأهلية. وهو أحد مؤسسي تحالف “14 آذار” المناهض لسوريا وشارك في “ثورة الأرز” ضد الوصاية السورية على لبنان.
عُين في البرلمان اللبناني في عام 1991، بعد التوقيع على “اتفاق الطائف”، لملء المقاعد الشاغرة بفعل الوفاة، بدلاً عن والده. وانتُخب بعد ذلك نائباً بانتخابات 1992 و1996 و2000 و2005 و2009. هذا إضافة إلى مناصب وزارية عدة خلال الحرب وبعدها.
حسين الحسيني
ولِد في محافظة البقاع قضاء زحلة، في عام 1937، ترأس مجلس النواب منذ عام 1984 وحتى 1992 بعد نهاية الحرب الأهلية. وكانت له مساهمة كبيرة في التوصل إلى اتفاق الطائف (ما زال يحتفظ بمسودة الجلسات). شارك في تأسيس “حركة أمل” في عام 1973، والتي كانت تعرف في ذلك الوقت بـحركة المحرومين وتولى رئاستها في الفترة ما بين 1978 و1980 وذلك بعد اختفاء المؤسس الإمام موسى الصدر. انتُخب عضواً بالبرلمان اللبناني منذ عام 1972 وبكل الدورات التي تلت، حتى تاريخ استقالته من البرلمان في 12 أغسطس (آب) 2008.
عبد اللطيف الزين و6 عقود من النيابة
عبد اللطيف الزين، من مواليد بلدة كفررمان (1932) توفي عن عمر يناهز 87 عاماً، ولُقب بعميد البرلمانيين اللبنانيين، من عائلة برلمانية بامتياز، فوالده الزعيم السياسي في جبل عامل (جنوب) يوسف إسماعيل الزين، كان نائباً، وكذلك شقيقيه عبد الكريم وعبد المجيد. وبقي نائباً نحو 60 عاماً متصلة من النيابة. هو البرلماني المُمارس الأعتق على وجه الأرض.
انتخب نائباً عن دائرة النبطية في دورات: 1960 ـ 1964 ـ 1968 ـ 1972.
أعيد انتخابه عن قضاء النبطية في الأعوام 1992، 1996، 2000، 2005 و2009. وكان رئيس السن في البرلمان اللبناني (أي أكبر الأعضاء سناً) عن دورة 2009.
ميشال المر “صانع الرؤساء”
ميشال المر (1932 – 2021)، نائب منذ عام 1968، ومن ثم ترشح في دورة عام 1972 لكنه لم ينجح. أثناء الحرب الأهلية كان يُعد من المقربين من “القوات اللبنانية”، تحت قيادة الرئيس الراحل بشير الجميل، ثم إيلي حبيقة. أسهم في عام 1985 بتوقيع “الاتفاق الثلاثي” في دمشق (بين حبيقة وجنبلاط وبري). بعد اتفاق الطائف، عُين نائباً عن مقعد الروم الأرثوذكس في قضاء المتن (شمال بيروت)، وترشح بعدها لانتخابات أعوام 1992 و1996 و2000 و2005 و2009 واستطاع النجاح فيها كلها. وخلال دورة عام 1992 ترأس كتلة نيابية من 10 نواب، وفي دورتَي 1996 و2000 ترأس كتلة من 7 نواب، بينما في دورة عام 2005 كان عضواً في تكتل “التغيير والإصلاح” برئاسة النائب آنذاك، ميشال عون، وذلك قبل أن يترك التكتل ويعلن أنه عضو مستقل. قام بدور سياسي مهم منذ عام 1968، وكان له إسهام في وصول كل من الرؤساء إلياس سركيس وبشير الجميل وإميل لحود وميشال سليمان إلى سدة الرئاسة، ويلقبه البعض بـ”صانع الرؤساء”. انتُخب في أكتوبر 2004 نائباً لرئيس مجلس النواب، وذلك بعد تولي سلفه، إيلي الفرزلي منصباً وزارياً في حكومة عمر كرامي. كان رئيس السن للبرلمان عن دورة 2018.
إيلي الفرزلي
من مواليد زحلة 1949، نائب، وتولى منصب نيابة رئاسة المجلس النيابي لمدة 13 عاماً، منذ 1992 حتى 2005، ثم أُبعد عنه بسبب خسارته موقعه النيابي في دورتي 2005 و2009، إثر التغيرات السياسية التي وقعت على الساحة اللبنانية عقب اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري. وعاد إلى المجلس في دورة 2018.
رئيس الجمهورية ميشال عون
عن عمر ناهز 81 عاماً، أصبح رئيس الجمهورية اللبنانية، الثالث عشر والحالي منذ عام 2016. من مواليد عام 1933، عينته السلطات قائداً للجيش في عام 1984، ورئيساً للحكومة الانتقالية العسكرية في عام 1988. أعلن “حرب التحرير” على سوريا، مطالباً بانسحابها من لبنان، كما عارض “اتفاق الطائف”، ولم يعترف بشرعية الرئيسَين رينيه معوض وإلياس الهراوي. انتقل إلى فرنسا بعد منحه اللجوء السياسي. في المنفى، أسس “التيار الوطني الحر”، وشهد في عام 2003 أمام الكونغرس الأميركي ضد النظام السوري الذي خضع لاحقاً لعقوبات اندرجت تحت ما سمي “قانون محاسبة سوريا”. لعب عون دوراً أساسياً في تبني مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، في عام 2004، القرار 1559 الذي يقضي بانسحاب القوات السورية من لبنان. في عام 2005، عاد عون إلى لبنان بعد انسحاب جيش النظام السوري، وقيام ثورة الأرز، وترأس “كتلة التغيير والإصلاح” بعد انتخابه نائباً عن دائرة كسروان 2009 حتى انتخابات 2018. وقع مذكرة “تفاهم مار مخايل” مع “حزب الله” وانضم إلى تحالف “8 آذار”. انتخب عام 2016 رئيساً للجمهورية في الجلسة الانتخابية السادسة والأربعين.
القديم المفيد
قال الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصر الله في خطابه لإعلان عن أسماء مرشحي الحزب للدورة الانتخابية المقبلة، في 2 مارس الحالي، إنه “طالما القديم ما زال منتجاً ومفيداً وحاضراً ومؤثراً وبالعكس لديه تراكم تجربة ولديه تطور بالخبرة ويعرف الناس أكثر ويحيط بالموضوعات، ويعرف القوانين ويعرف لعبة السلطة ويعرف المداخل والمخارج، وكيف يحصل احتيال أحياناً، بكثير من الأمور، طالما هكذا، فالأفضل أن يستمر هو، نعم مع الحرص على كم يمكن أن ندخل دماء جديدة إلى هذا البدن، هذه الفكرة هي الصحيحة، فيكون بشكل دائم لدينا من القديم الخبرة والتجربة والأصالة والتأسيس، ولدينا من الجديد الأجيال الجديدة والعناصر الجديدة”. ولربما هذا الجزء من الخطاب يلخص نظرة الزعماء اللبنانيين للحياة السياسية في لبنان.