الصويان.. ابن عنيزة
بقلم: أحمد الصراف
النشرة الدولية –
يعتبر المفكر السعودي سعد الصويان أحد أعمدة التنوير في السعودية، وهو أستاذ في جامعة الملك سعود وباحث ومختص في التاريخ الشفهي والنبطي، وسبق أن حصل على البكالوريوس والماجستير من جامعة شمال إلينوي، قبل 50 عاماً، والدكتوراه من جامعة كاليفورنيا، بيركلي U. C.Berkeley، وله عدة مشاريع في الشعر والتوثيق والأرشفة، ومؤلفات قيمة.
***
عندما تلتقي بالأستاذ الصويان تعتقد أنك أمام شخص تقليدي، ولكن ما إن تنصت له حتى تعرف أن وراء مظهره المتحفّظ عقلاً شاباً وفكراً متوثباً ومستنيراً.
في مقابلة مميزة مع عبدالله المديفر، ذكر الصويان أن على الحكومة تشجع الشباب على التزاوج والمصاهرة بين القبيلة والقبيلة، وبين البدوي والحضري، وبين الشيعي والسني، وذلك بهدف دمج المجتمع.
وهذا كلام جيد لكن يتطلب تزامنه، أو أن يسبقه، تغيير وتطوير في عقلية المواطن من خلال المناهج ووسائل التواصل والمسرحيات الهادفة والمسلسلات التلفزيونية، وتعديل قوانين الأحوال الشخصية، وهذا ما أصبحنا نتلمس بداياته. كما تتطلب مسألة «التطوير الاجتماعي» إحداث مناقلات وظيفية وتعيين كبار مسؤولي المناطق من غير أهلها، ويفضل من خلفيات عرقية ومذهبية مختلفة. كما يطلب الأمر عدم قصر أسماء الشوارع والمعالم على أهل المنطقة، وتوزيع المساكن الحكومية بنظام القرعة، بحيث تختلط الفئات في الشارع أو الحي الواحد، وهذا سيساعد كثيراً على التعايش وتقبل الآخر والتعارف معه، وحتى مصاهرته مستقبلاً، وهذا ما قمنا به في الكويت قبل أكثر من نصف قرن، لكن تعديل الدوائر الانتخابية قصم ظهر مشروع الدمج، وتبعه الفرز القبلي والطائفي.
يقول الصويان إن دور القبيلة، بشكل عام، كداعم للنظام، انتهى مع تأسيس الدولة الحديثة وثبات أركانها! ويصفها بأنها تجمع أيديولوجي، وليست تجمعاً جينولوجياً! ويقصد أن أيديولوجية المصلحة هي التي تجمعها، في الغالب، أكثر مما يجمعها عامل «الجين» الوراثي، فليس لجميع المنتمين لها من أصل واحد جين واحد.
وقال إن قدرات الإنسان تتكون وتنمو بقدر طاقة الاهتمام التي توليها الحكومة لهذا الموضوع. وشباب اليوم حصلوا على معلومات ومهارات تقنية، لكنهم فقدوا الرصيد الثري لثقافة الصحراء، فبعض الشباب حين يتجول في الرياض لا يكاد يستطيع العودة إلى بيت أهله إلا باستخدام غوغل. كما فقدوا الرصيد اللغوي، فقد كان القاموس اللغوي لأبناء الصحراء ثرياً عن الزمان والمكان والمناخ والتضاريس والنباتات ومتاعب الحياة. وكمثال يورده في كتابه «الصحراء العربية.. ثقافتها وشعرها عبر العصور»، يتحدث عن السيول ودرجات قوة المطر، والمصطلحات الجميلة، مثل «الدِّيم»، أي المطر الخفيف المستمر أياماً الذي لا يصحبه غالباً رعدٌ ولا برق، والوبل، وهو الساقط من السحاب مباشرة، والحَقُوق، وهو السحاب المكتظ المشتعل بالبرق، وهكذا!
ويرصد رصيداً لغوياً لم يعد شباب اليوم يعرفون معانيه مثل: الثميلة، والمشاش، والثمد، والعِد، والرِّس، والدَّحَل، وكلها أوصاف تتعلق بمختلف مصادر المياه الشحيحة في الصحراء. أما أوصاف البراري، فمنها: الصيهد، والقفر، والرهاريه، والبيداء، والدَّو، والمهمهية، وكلها من ثقافة صحراوية ثرية وعجيبة.
وفي مقال جميل طالب المستنير السعودي الآخر إبراهيم البليهي تكريم الصويان في حياته، فقد وضع إنتاجاً علمياً من الكتب، مثل «ملحمة التطور البشري»، و«أيام العرب الأواخر»، و«الصحراء العربية.. ثقافتها وشعرها عبر العصور»، هذا بخلاف عمله الضخم عن تاريخ المملكة.
وفي لقاء آخر ناقش الكاتب عبدالله بن بخيت مع الصويان قضية «قويريرات الوناسة»، التي سبق له أن تطرق لها في لقاء تلفزيوني، روى فيه أن الخوف منها، إن ذهب للدراسة في الغرب، كاد أن يطيح بفرصته في الابتعاث، ولما استطاع كسب التكنولوجيا لوطنه، ولما تخرج آلاف طلبة العلم الحقيقي من تحت يده. كما أن الخوف من «الإفساد» لم يمنع السلطات السعودية من ابتعاثه وآلاف غيره، فرفدوا المؤسسات الخاصة والحكومية كافة بعشرات آلاف الكوادر المتعلمة!
مقابلة البخيت مع الصويان كانت الأولى من نوعها في الإعلام السعودي عن موضوعات أخرى كثيرة.