فقيدة الصحافة الاستقصائية في مالطا دافني…. كاروانا.. امرأة هزت عروش السياسيين ورجال الأعمال

النشرة الدولية –

النهار الكويتية – سميرة فريمش –

اغتيال الصحافية التي هزت عرش سياسيين ورجال أعمال منذ 4 سنوات في مالطا بسبب كشفها لوثائق بنما لم يغب عن ذاكرة محبيها ومتابعيها.

فاثناء مشاركتي في المنتدى العالمي الثاني لثقافة السلام الذي عقد في مالطا واثناء تجولي في مدينة فاليتا الجميلة وبالتحديد امام البرلمان المالطي لفت انتباهي تجمع عدد من المواطنين المالطيين رفعوا صورا لامراة قالوا انها شهيدة الصحافة الاستقصائية واشعلوا الشموع تأبينا لها.

امراة شغلت ولا تزال الرأي العام المالطي والاوروبي بعد تعرضها لجريمة بشعة أودت بحياتها وتفجير سيرتها انها دافني كاروانا غاليزيا غير ان التحقيق لا يزال مستمرا وبمساعدة (FBI).

غاليزيا الصحافية القوية، بعد أن زعزعت عروش سياسيين ورجال أعمال ومافيا منذ أكثر من سنة، شغل اغتيالها أيضا الجميع واحتلت صورها وسائل الاعلام الدولية التي تحدثت بإطناب عن هول الفاجعة التي اعتبرها رئيس الوزراء المالطي يومها أسود للديموقراطية في بلاده ولحرية التعبير.

إنها المدونة المالطية الشهيرة «دافني كاروانا غاليزيا»، التي قادت فريق التحقيقات الذي كشف عن تقديم شركة «موساك فونسيكا» للخدمات القانونية في بنما، خدمات تتعلق بالحسابات الخارجية لرؤساء الدول وشخصيات عامة وسياسية أخرى، فيما عرف باسم وثائق بنما.

اغتيال سياسي

عشية يوم اثنين، انتهت حياة «دافني كاروانا غاليزيا»، فقد اُغتيلت بتفجير سيارتها وهي من طراز (بيجو 108) بواسطة عبوة ناسفة قوية فور خروجها من منزلها، ويأتي اغتيالها بعد 15 يومًا من تقدمها ببلاغ للشرطة يفيد بأنها تعرضت لتهديدات بالقتل من قبل أشخاص نافذين، نشرت تقريرًا بشأن تورطهم في قضايا فساد وغسيل أموال في مالطا، حسب ما ذكرته صحيفة الغارديان البريطانية، نقلًا عن وسائل إعلام محلية في مالطا.

فور اغتيالها، خرج رئيس الوزراء المالطي انذاك جوزيف موسكات، الذي وصف كاروانا غاليزيا بأكثر المنتقدين قسوة، خلال مؤتمر صحافي منددًا بالجريمة باعتبارها عملًا همجيًا، معتبرًا الحادث «يومًا أسود لديموقراطيتنا ولحرية التعبير»، وأصدر موسكات أوامر لأجهزة الأمن بتخصيص أكبر قدر من الموارد لتقديم المسؤولين عن الجريمة إلى العدالة، وقال يومها: «ما حدث اليوم غير مقبول على مختلف المستويات، لن أشعر بالارتياح حتى يتم تحقيق العدالة.

احتراق السيارة بالكامل

بدورها دعت رئيسة مالطا انذاك «ماري لويز كوليرو بريكا» إلى الهدوء، وقالت في حينها: «في هذه الأوقات عندما تروع البلاد بحادث وحشي كهذا، أدعو الجميع إلى حساب كلماتهم وعدم إصدار أحكام وإظهار التضامن»، فيما وصف زعيم المعارضة المالطية آدريان ديليا الحادث بالاغتيال السياسي، من جانبه قال أحد أبنائها يدعى ماثيو في صفحته الخاصة على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك: «اُغتيلت والدتي لأنها كانت بين سيادة القانون وأولئك الذين سعوا لانتهاكه، مثل العديد من الصحافيين القويين، لكنها استُهدفت أيضًا لأنها كانت الشخص الوحيد الذي فعل ذلك، هذا هو ما يحدث عندما تكون مؤسسات الدولة عاجزة».

إلى جانب ذلك، رصد مؤسس موقع «ويكيليكس» جوليان أسانج انذاك مكافأة قدرها 20 ألف دولار إلى أي شخص لديه معلومات من شأنها أن تؤدي إلى القبض على قاتل دافني كاروانا جاليزيا، وقال أسانج في تغريد له على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» إنه غاضب من خبر قتل المدونة المالطية، وعلى استعداد لتقديم المكافأة.

تورط سياسيين؟

وبالنظر إلى سلسلة التحقيقات المتعلقة بالفساد التي قادته «غاليزيا»، رأى يومها العديد من المتابعين إمكانية تورط سياسيين في اغتيال المدونة المالطية، خاصة أنها كشفت فضائح كبيرة تخصهم، اسهمت في إرباك الوضع السياسي في بلادها مالطا، وسبق أن قرر زعيم حزب العمال جوزيف موسكات، وهو رئيس لمجلس الوزراء منذ عام 2013 حتى عام 2009، التوجه إلى الانتخابات، بعد بروز اسم زوجته في إحدى قضايا الفساد الناجمة عن تسريبات ما يسمى «أوراق بنما»، رغم نفيه ارتكاب مخالفات، ووعد بتقديم استقالته إذا ظهرت أدلة على أن أسرته لديها حسابات مصرفية سرية تستخدم للرشاوى، كما اتهمته غاليزيا.

وكان آخر كشف أفشته غاليزيا في تحقيق أشار بأصابع الاتهام إلى رئيس وزراء مالطا السابق جوزيف موسكات واثنين من أقرب المساعدين له، حيث كشفت الصحفية أن شركات بالخارج على علاقة بالثلاثة رجال تقوم ببيع جوازات سفر مالطية، وفور تعيين قاضية مكلفة بإجراء التحقيق في مقتل غاليزيا، طالبت عائلة الصحافية من حكومة مالطا تغيير القاضية، وقالت العائلة إن القاضية كونسويلو شيري هيريرا «بصفتها الشخصية» أطلقت إجراءات قضائية ضد غاليزيا بشأن تعليقات سابقة لها.

آخر ما كتبت

آخر ما كتبته المالطية غاليزيا على مدونتها، كان قبل 30 دقيقة من مقتلها وجاء فيه: «هناك أوغاد في كل مكان تنظر إليه الآن، لقد أصبح الوضع مؤسفًا»، في تدوينتها الأخيرة هاجمت دافني كاروانا قادة المعارضة، ووصفت الوضع السياسي الحالي في بلدها بأنه «يائس»، وانتقدت شهادة كيث شمبري رئيس الأركان المالطي الذي مثل الإثنين أمام المحكمة في قضية وثائق بنما، ووجهت له اتهامات باستخدام نفوذه لصالح شركته الخاصة في مالطا.

وقالت دافني إن شمبري كان في محكمة يحاول أن يقول إنه ليس محتالاً، مضيفة «يقول إنه ليس فاسدًا، رغم أنه أنشأ شركة سرية في بنما رفقة وزيره المفضل كونراد ميزي»، كما سخرت غاليزيا من قول شمبري إن راتبه لا يكفي لشراء «فول سوداني»، حيث اتهمت زوجة جوزيف موسكات – رئيس وزراء جمهورية مالطا – بتلقيها أموالًا من ابنة رئيس أذربيجان، من خلال شركة أنشأتها موساك فونسيكا، قائلة: «في النهاية حلوا مشكلات رواتبهم عن طريق إنشاء بنك مخفي في مالطا، ليختبئوا عن الأضواء».

حياتها

ولدت المدونة دافني كاروانا غاليزيا في 26 من شهر آب سنة 1964 في مدينة «سليمة» المالطية، تعيش مع زوجها و3 من أبنائها (وهي أم لأحد أعضاء الفريق الدولي للصحافيين الاستقصائيين يدعى ماثيو كاروانا غاليزيا، والذي فاز بجائزة «بوليتزر» لعمله على فضيحة وثائق بنما، بحسب «أسيوشيتد برس»)، مهنتها في الصحافة ككاتبة عمود صحافي في «صنداي تايمز» التي تصدر من مالطا عام 1987، لتصبح بعدها مساعدة محرر في «ذا مالطا إندبندنت»، واستمرت في الكتابة في المطبوعة حتى بعد استقالتها من ذلك المنصب.

في السنوات الأخيرة، دونت دافني في مدونة خاصة، تحت اسم Running Commentary، والتي جذبت نحو 400 ألف قارئ في أيام الذروة، بحسب «بوليتيكو» الأوروبية، علمًا أن نسبة السكان في مالطا أقل من 450 ألف نسمة، وقد ضمن اسمها العام الماضي في لائحة «بوليتيكو» الأوروبية لأكثر 28 شخصًا يشكلون يهزون ويثيرون أوروبا.

وتعتبر الصحافية، عضو الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين دافني كاروانا غاليزيا، واحدة من أبرز الصحافيين الاستقصائيين خلال السنوات الأخيرة، وشاركت في تحقيقات «وثائق بنما» التي تمت بإشراف المنظمة الدولية لصحافة التحقيق واستمر لسنوات، بعد الحصول على أكثر من 11.5 مليون ملف من أرشيف وكالة «موساك فونسيكا» البنمية، والتي تعد من أكبر مكاتب الاستشارات المالية وتوظيف الأموال عن بعد، وشملت الوثائق أرشيف الوكالة منذ عام 1977 إلى 2015، واهتمت غاليزيا بالكشف عن الفساد الذي يحيط بشركات الأوف شور في موطنها.

عملها الاستقصائي

في إطار عملها الاستقصائي، كشفت غاليزيا تورط الوزير المالطي كونراد ميزي، ومسؤول موظفي رئيس الوزراء جوزيف موسكات، كيث ستشيمبري، بتلقي أموال من أذربيجان، كما قالت كاروانا غاليزيا إن شركة بنما «إغرينت» كانت مملوكة لزوجة رئيس الوزراء ميشيل مسقط، وكانت غاليزيا معارضة لاذعة لحزب العمال والحكومة المالطية لسنوات، ووسعت انتقاداتها اخيراً لتشمل الحزب الوطني المعارض، بحسب تقارير إعلامية.

ووصفت صحيفة الغارديان البريطانية الضحية بأنها واحدة من أبرز المحققين الصحافيين في السنوات الأخيرة، وأن ما تدونه كان يجذب قراءً يزيد عددهم عما تستقطبه كل الصحف الورقية المالطية، فيما قالت عنها مجلة «بوليتكو» الأميركية إنها «ويكيليكس قائمة بذاتها

المرأة التي زعزت عرش جوزيف موسكات الذي اعلن عن استقالته في ديسمبر عام 2019 وهو القرار الذي اعتبره البعض ردا على غضب شعبي واسع بعد أن حامت الشكوك حول تدخله المحتمل في التحقيق في مقتل أشهر مدونة في البلاد دافني كاروانا غاليزيا.

وبعد عام على اغتيالها، تم إلقاء القبض على ثلاثة رجال لديهم سجلات إجرامية ثقيلة، إذ ألقي القبض على الأخوين ألفريد وجورج ديجيو وفينس موسكات للاشتباه في تفخيخهم سيارة الصحافية الاستقصائية. ولئن اعترف المشتبه بهم بالوقائع وينتظرون اليوم المحاكمة، فلا أحد بدءا من عائلة الضحية يستطيع تصور أن هؤلاء هم من أعدوا وأمروا بتنفيذ جريمة الاغتيال.

فالمدونة المالطية كان لها أعداء كثر تفوق أعدادهم الحصر، كما أنه من الصعب إحصاء عدد التهديدات التي تلقتها بانتظام.

وفي عامي 1995 و2006، تم ذبح كلبها وحاولوا إضرام النار في منزلها مرتين.

وكشفت الصحافية من خلال أسلوبها الحاد والذكي علانية عن الفساد المستشري في الطبقة السياسية المالطية المحلية.

واعتبرت مدونتها التي كانت تكتبها باللغة الإنكليزية، واحدة من أكثر المواقع قراءة في مالطا، وغالبا يتابعها القراء أكثر حتى من الصحف التقليدية التي كانت تسهم من حين لآخر في الكتابة فيها.

ووصفت مجلة بولبيتيكو الأميركية دافني بكونها «ويكيليكس بمفردها». كما صنفتها في 2017 من بين 28 شخصية تحاول تغيير أوروبا.

«أوراق بنما»

قبل وفاتها ببضعة أشهر، عملت دافني كاروانا على قضية أوراق بنما، وكشفت عدة فضائح طالت مقربين من رئيس الحكومة، جوزيف موسكات.

واستشهدت بوثائق كشفت خلالها عن رشاوى تسلمها مدير مكتب رئيس الوزراء كيث شمبري ووزير الطاقة آنذاك ووزير السياحة اليوم، كونراد ميززي، من خلال شركاتهم في بنما.

التحقيق في وفاة الصحافية الاستقصائية تعثر أكثر من مرة منذ 2017، لكن وضع رجل الأعمال وقريب جوزيف موسكات يورغن فينيش قيد التحقيق يعتبر نقطة تحول في هذه القضية.

فقد صرح الأخير بأن كيث شمبري هو «الراعي الفعلي» لعملية الاغتيال، وكانت قضية «أوراق بنما» قد استهدفت كيث شمبرى قبل عامين، وقد استقال من منصبه تماما كما فعل وزير السياحة كونراد ميززي.

ويرى محبو المرأة التي هزت عرش سياسيين توجد رغبة من السلطة التنفيذية بوأد التحقيق في قضية اغتيال الصحافية والمدونة لكن مع هذه المستجدات الأخيرة، فإن القضية تتقدم، ببطء لكنها تتقدم وفي عام 2020 قدم قائد الشرطة المالطية، لورانس كوتاجار، الذي يتهمه المجتمع المدني بأنه أهمل التحقيق بشأن جريمة قتل الصحافية الاستقصائية، دافني كاروانا غاليزيا، عام 2017، استقالته.

وأشار كوتاجار في رسالة الاستقالة إلى أنه يستقيل «بهدف السماح بإجراء الإصلاحات اللازمة للشرطة».

وتسلم روبير أبيلا رئاسة الحكومة بعد جوزيف موسكات، الذي اتُهم بالتغطية على التحقيق بشأن جريمة قتل الصحافية من خلال ممارسة الضغط على الشرطة، ولطالما رفض موسكات إقالة قائد الشرطة.

وكوتاجار، الذي عيّن عام 2016، هو إحدى الشخصيات الرئيسة التي كانت منظمات المجتمع المدني تطالب باستقالتها بعد جريمة قتل الصحافية في 16 أكتوبر 2017 في اعتداء بسيارة مفخخة.

ويتهمه الناشطون، ليس فقط بإهمال التحقيق، إنما أيضاً بعدم القيام بكل ما في وسعه لحماية الصحافية عندما كانت ولا تزال على قيد الحياة.

وفي الوقت الحالي، يُحاكم في لافاليتا 3 رجال هم مجرّد منفذين لجريمة قتل الصحافية، وثمة رجل أعمال قيد الاحتجاز هو جورج فينيش، وأُدين لتواطئه بعد محاولته الفرار من مالطا على متن يخته في منتصف نوفمبر.

وكانت الصحافية حققت في المعلومات التي وردت في «وثائق بنما» حول مالطا، وكشفت أن رشاوى بقيمة مليوني يورو دفعت من شركة بالخارج لمدير مكتب رئيس الوزراء السابق، كيث شيمبري، ووزير الطاقة حينذاك، كونراد ميزي.

وفي تقرير خلص إلى أن ثقافة الإفلات من العقاب تطورت لأعلى المستويات في حكومة مالطا في السنوات السابقة على اغتيال كاروانا جاليزيا في 2017.

ووجد التقرير أن تلك الثقافة انتشرت بين كيانات حكومية أخرى مثل قوة الشرطة وتسببت في انهيار سيادة القانون.

لكن التحقيق في اغتيار جاليزيا بدأ تحقيق في يونيو 2019 بعد ضغط من مجلس أوروبا. واستمعت لجنة التحقيق التي رأسها ثلاثة قضاة إلى إفادت 120 شاهدا.

ووجد التحقيق دليلا كافيا على وجود علاقة وثيقة بين حكومة مالطا والشركات الكبرى، وخلص إلى أن الخطر على حياة كاروانا جاليزيا تصاعد من لحظة كشفها التعاملات الخارجية لكبار الساسة من خلال تسريبات وثائق بنما 2016.

وقالت اللجنة إن تلك المواجهة مع الحكومة استمرت في التصاعد حتى لحظة اغتيالها، كما قدمت لجنة التحقيق سلسلة من التوصيات تتراوح من تعديل القانون الجنائي المالطي إلى إدخال حماية أفضل للصحافيين الذين يعملون في البلاد.

وقال رئيس الوزراء روبرت أبيلا الذي أعلن عن التحقيق إن التقرير تحليل ناضج بكل جدارة واستحقاق.

وأضاف: يجب استخلاص الدروس المستفادة ويجب مواصلة الإصلاحات بحزم أكبر.

ولايزال التحقيق مستمرا.

زر الذهاب إلى الأعلى